رام الله – خاص قُدس الإخبارية: لا يتوقف مفهوم الإرهاب اليهودي على انتهاك سلطات الاحتلال للحقوق الفلسطينية، وإنما يشمل جرائم المستوطنين وجماعات الإرهاب اليهودي "تدفيع الثمن" مثالا، إلى جانب الإعلام الإسرائيلي الذي يعمل بتقنيات استغلال الأحداث، وتجميل صورة الاحتلال، وكسب القضايا إعلاميا بتوجيه من جهاز "الشاباك" الإسرائيلي.
ونشر "الشاباك" الإسرائيلي عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية كافة، فقاعة إعلامية حول وجود تقدم دراماتيكي في ملف التحقيق مع قتلة عائلة دوابشة في الأيام الأخيرة، وأصبح الخبر الأبرز على الساحة الإعلامية الإسرائيلية، إلا أن "الشاباك" لم يفصح عن نوع هذا التقدم، وأمر بحظر نشر تفاصيل التحقيق بحجة حماية التحقيقات ومسارها.
الإرهاب اليهودي
يعتبر تنظيم "تدفيع الثمن" أكثر التنظيمات اليهودية تطرفا في مستوطنات الضفة، وظهر رسميا في تموز 2008 ، وهو موجه ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم، حيث انبثق عن حركة "شبيبة التلال" الدينية، التي تنادي باتخاذ التلال الفلسطينية قواعد لها.
وانبثقت فكرة تدفيع الثمن من رئيس المجلس الإقليمي لمستوطنات شمال الضفة غرشون ميسيكا، ويتم توجيههم من حاخامات المستوطنات، ويدعمون حزب "الليكود" ونتنياهو في الإنتخابات، كما يتلقون تدريبات على أساليب التحقيق، لمنع تقديم معلومات عن عناصرهم.
ويعتبر القانون الإسرائيلي قاصرا في التعامل معهم، بسبب قيود التحقيق مع الإسرائيليين التي تمنع استخدام العنف أو الإكراه، على عكس التعامل مع الفلسطينيين.
من جهة أخرى نسب عضو هيئة التدريس في مركز بيغن السادات جرشون هكوهين أنه من أسباب التطرف التي دفعت قتلة عائلة دوابشة لارتكاب جريمتهم، أنهم شباب مراهقون، فقد أباؤهم السلطة عليهم، ويعانون من مشاكل مالية كونهم عاطلون عن العمل ولديهم وقت فراغ كبير، في ظل عدم وجود قيادة للمستوطنات في الضفة، وتحريض الزعماء الروحيين ومن هم في مواقع السلطة.
تطور دراماتيكي في التحقيقات
وأعلن "الشاباك" الإسرائيلي عن تطور خطير في محرى التحقيق مع قتلة عائلة دوابشة خلال الأسبوع الماضي، في حين تحدث رئيس القسم اليهودي في "الشاباك" الإسرائيلي مناحيم لاندو أن هناك استياءً إسرائيليا من الإرهاب اليهودي "الذي يؤدي لتشويهه صورة إسرائيل"، حسب قوله.
لكن لاندو في ذات الوقت برر حرق عائلة دوابشة بأن المنفذين شباب ليس لديهم أيديولوجية، وأنهم تسرعوا دون تقدير ما ستؤول إليه الأمور، مضيفا، أن هناك خطورة من عدم وجود تواصل بين الإرهاب اليهودي وقيادة "الشاباك" حيث يعتبرونه عدوا لهم.
وقال الضابط السابق في الشاباك يرون بلوم، "المتهمون أشخاص من الصعب التحقيق معهم، من الأفضل الانتظار"، مشيرا إلى أن "الشاباك "قد يكون تعجل في الإعلان عن تقدم التحقيقات، في حين أكد المحامون عن المتهمين في جريمة حرق عائلة دوابشة، أن تقديم لوائح اتهام ضد المتهمين لازالت بعيدة.
تغطية على الفشل والإرهاب
واعتبر عضو الكنيست العربي باسل غطاس أن محققين و"الشاباك" الإسرائيلي يحاولون تغطية الفشل في قضية التحقيق مع قتلة عائلة دوابشة، حيث يتعامون على أنه حدث أمني خطير. بينما تحدثت القناة الثانية أن الأدلة الاستخبارية ما زالت غير كافية لتقديم لوائح اتهام ضدهم. في حين يرى محللون أن "الشاباك" يحاول التغطية على الإرهاب اليهودي، وتجنب الكشف عن حلقات جديدة.
وحسب المعهد الاسرائيلي للديمقراطية فإن هناك قلق من قرار حظر النشر المتعلق بتطورات التحقيقات يقود إلى استغلال القانون بشكل سيء، وقال تهيلا شفارتس من نفس المعهد، "القلق يأتي من محاولة الشاباك التغطية على فشله".
على أرض الواقع لم يظهر أي جديد في عملية التحقيق، وحسب صحيفة "معاريف"، "الشاباك يتباهى فقط بالإنجازات"، في حين ادعى ضابط كبير في "الشاباك" أن الجيش تمكن من إحباط عدة أعمال للإرهاب اليهودي، وقال: "تم اتخاذ 44 قرارا إداريا بحق إرهابيين يهود خلال الأعوام الماضية".
من جهة أخرى اعتبر المحلل العسكري لـ"هآرتس" عاموس هارئيل، أن "الشاباك" سعى لخلق عناوين كبيرة في الإعلام علما أن نهاية التحقيق لازالت بعيدة.
استغلال إعلامي وتجميل للاحتلال
الإعلام الإسرائيلي أقر بوجود الإرهاب اليهودي لكنه سعى لتصويره على أنه شاذ ولا يعبر عن المجتمع الاسرائيلي وطبيعية الإسرائيليين أو وجهة نظرهم، لذلك كان الإعلام صريحا باستخدامه مصطلح الإرهاب اليهودي، وأجرى تقارير إنسانية عن عائلة دوابشة حسب القناة الثانية والعاشرة.
وعمل الإعلام الإسرائيلي على الترويج لما اعتبرها إنجازات من قبل "الشاباك" أثمرت في حصول تطور على مجرى التحقيقات مع الإرهاب اليهودي، وذلك بهدف تهدئة الرأي العام الفلسطيني في ظل الانتفاضة القائمة، مع الإشارة إلى أن ذلك تزامن مع تصريحات مبعوث الأمم المتحدة في الشرق الأوسط التي طالب فيها سلطات الاحتلال التحرك لتقديم مرتكبي جريمة حرق عائلة الدوابشة للعدالة.
وهذا ما أكده الراصد لوسائل الإعلام الإسرائيلية محمد أبو علان، حيث قال، إن بشاعة الجريمة لم تترك مجالا للدفاع عن الإرهاب اليهودي، "والإعلام الإسرائيلي أراد تبييض صورته وصورة الاحتلال من خلال الظهور بمظهر الموضوعية والتوازن".
ولكن أبو علان أشار إلى أن "إسرائيل" لا تجرّم الإرهاب اليهودي بالمطلق، بدليل مئات عمليات "تدفيع الثمن" التي ارتكبت ضد الفلسطينيين دون أي لائحة اتهام، ولكن في قضية دوابشة لم يجد الاحتلال مبررا للمماطلة أكثر، وبسبب الضغوط الخارجية كان مجبرًا بالقبض على المتهمين للظهور بالمظهر الديمقراطي، ولكن ليس من باب تحقيق العدالة وإنما كمحاولة لتبيض وجهه البشع، ولتجنب لجان تحقيق دولية.
ويرى أبو علان أن الإرهاب اليهودي مازال حرًا، فهو لا يقتصر فقط على قتلة عائلة دوابشة، في حين أن الحديث عن تقدم في التحقيقات مع قتلة العائلة لا يزال سابقا لأوانه حسب اعتقادات المحللين الإسرائيليين.