رام الله - خاص قُدس الإخبارية: تحاول أجهزة الاحتلال الاستخبارية كبح جماح الانتفاضة بعد أن أقلقت مأمن زعماء الاحتلال، وزعزعت قبضتها على الضفة والقدس، لتتحول التقديرات الإسرائيلية للانتفاضة من "موجة عنف" قصيرة الأمد إلى طويلة الأمد، في حين أصدر معهد الأمن القومي الإسرائيلي خطة ينصح فيها القيادة الإسرائيلية الخروج من الأزمة الراهنة، بتحسين أوضاع الفلسطينيين دون التهاون مع المقاومين منهم.
تقديرات أمنية وسياسية
ونشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية تقديرا للوضع الأمني الإسرائيلي والموقف من الانتفاضة القائمة كتبه عاموس هريئيل، قال فيه إن العلاقة الأمنية بين السلطة الفلسطينية والأجهزة الأمنية الإسرائيلية تضررت بفعل الأحداث الجارية، في حين أن الأخيرة قدّرت هدوء الأحداث بالنسبي الذي لن يستمر طويلا، رغم اجراءات الاحتلال في القدس والضفة والداخل.
وحسب "هآرتس" فإن أجهزة الاحتلال ترى بأن هناك هدوءا طرأ على أحداث الانتفاضة بشكل طفيف خاصة خلال الأسبوع الأخير، وفي نفس الوقت يرى الشاباك بأن هدوء الأحداث الحذر سيتحول في المستقبل القريب إلى تصعيد وربما بصورة أعنف، فلا استقرارا يلوح في الأفق، وإن قدّر له وكان، فلن يستمر أكثر من ثلاثة أشهر.
ويتفق مع ذلك ما قاله رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية "أمان" في احدى جلسات حكومة الاحتلال، أن موجة العمليات الأخيرة جاءت بسبب حالة الاحباط والغضب الفلسطيني، وشعور جيل الشباب بأن ليس لديهم ما يخسرونه.
بينما برر "الشاباك" استمرار أحداث الانتفاضة أصبح مرهونا بانسداد الأفق السياسي لدى الفلسطينيين، وفشل الحلول المطروحة، وضعف الموقف الفلسطيني الرسمي بقيادة الرئيس عباس، "بصرف النظر عن انتهاء فترة حكمه بعد أن قارب عمره الثمانين عام".
ويضاف إلى كل ذلك خيبة أملهم من أداء السلطة وتعاملها مع "إسرائيل" في إطار التفاهمات السابقة، وهو ما أشار إليه معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي.
وتمتنع أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية حتى الآن عن وصف الأحداث بالانتفاضة، وإنما تسميها "موجة عنف" أو "إرهاب"، مشيرة إلى أن حجم توجيه القيادة الفلسطينية للشعب ليس ظاهرا، وإنما يتم من خلف الكواليس على عكس الانتفاضتين الأولى والثانية.
وفي ذات السياق يرى الاحتلال أن جزءا من أفراد حركة فتح معنيون بالتصعيد، عدا عن مشاركة أعضائها في المظاهرات الجارية، مدعية أن عباس يحاول كبح جماحهم، وخاصة أن غالبيتهم عناصر في الأجهزة الأمنية ويمتلكون السلاح.
وفيما يتعلق بتقديرات أجهزة الاحتلال للوضع في قطاع غزة، يرى الاحتلال أن حماس أصبحت غير معنية في فتح جبهة جديدة مع "إسرائيل" باستثناء بعض المسيرات والمظاهرات بين الحين والآخر، رغم أنها "تحرض على العنف في الضفة بكل الوسائل".
وفي ذات السياق، قال وزير جيش الاحتلال موشيه يعالون، إن حماس مجبرة على وقف إطلاق النار والالتزام بالتهدئة في غزة، وأن ذلك ليس نابعا من أن حماس تريد السلام وإنما بسبب الثمن الباهظ الذي تدفعه في كل حرب، حسب موقع "واللا" العبري.
الداخل المحتل
يخشى الاحتلال في الآونة الأخيرة العمليات الفردية بصورة متزايدة، والتي استطاعت ضرب عصب الحياة للإسرائيليين وخرق أمنهم الداخلي بطريقة لم تتوقعها أجهزتهم الاستخبارية، وهو الأمر الذي دفع رئيس حزب هناك مستقبل يائير لبيد إلى التهجم على الفلسطينيين في الداخل، بقوله "جاء الوقت لاخراجهم، علينا العمل لتعزيز ورفع جدار الفصل".
وأضاف، أنه إذا استمر الوضع كما هو الآن لا يستبعد أن يصبح رئيس بلدية الاحتلال في القدس في الأيام المقبلة فلسطينيا، وعلى الإسرائيليين انتخابه، وبعدها سيقرر دخول وصلاة اليهود في الأقصى وحائط البراق.
من جهة أخرى يجري العمل على قدم وساق من أجل اتخاذ اجراءات قضائية وقانونية ضد كل ما هو فلسطيني، من خلال الكنيست الإسرائيلي ووزيرة القضاء المتطرفة أيليت شاكيد، والتي دعت مؤخرا إلى فرض قانون ستتم المصادقة عليه بالقراءة الأولى، يقضي بسجن من يقرأ موادا وصفتها بالتحريضية، تشجع على تنفيذ عمليات مقاومة ضد إسرائيليين مدة خمس سنوات، لمجرد القراءة فقط ولو لم ينفذ شيئا، وسيضاف إلى قائمة قوانين صادقت عليها الحكومة الإسرائيلية مؤخرا لها علاقة بمعاقبة راشقي الحجارة وذوي الشهداء.
ولم تغفل الأجهزة الاستخبارية للاحتلال التعامل مع الحركة الإسلامية في الداخل المحتل، فبعد موجة التحريض التي قادها نتيناهو ضدها، حيث أمر باتخاذ اجراءات قانونية تهدف لحظرها بحجة التحريض على العنف في المسجد الأقصى.
ويرى رئيس جاهز "الشاباك" يورام كوهين أنه لا أدلة كافية على مشاركة الحركة الإسلامية حول ما اتهمها به نتنياهو، مشيرا إلى أن اعتبار الحركة خارجة عن القانون قد يشكل خطوة تزيد أضرارها على منافعها، وقد يؤدي إلى زعزعة الأمن الداخلي الإسرائيلي.
خطة الخروج من الأزمة
من جانبه نشر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي مجموعة من النصائح توجه بها لحكومة الاحتلال يرشدها فيها لآلية الخروج من الأزمة الراهنة، فقبل الحديث عن حل الدولتين والمفاوضات، والاعتراف بيهودية الدولة وامكانية تحقيق ذلك، لا بد من الحديث عن عدة اجراءات للحكومة تستعيد الاستقرار المنشود.
وجاء من جمله توجيهات المعهد، أنه يتوجب على حكومة الاحتلال التوقف عن الأعمال التي تستفز الفلسطينيين وخاصة في الأقصى، وتستثير شعورهم باليأس (وهو مادفع العمليات لأن تكون بشكل فردي لا مركزي)، وتحقيق الاستقرار في الميادين الرئيسة الثلاث (الضفة، القدس، غزة)، إضافة إلى أهمية مراقبة شبكات التواصل والإعلام الاجتماعي بشكل حازم، للكشف عن النشطاء وتوجهاتهم.
وأوصى المعهد تنسيق كل الاجراءات المتعلقة بالوضع في الأقصى مع الأردن بشكل مباشر، وما يتعلق بغزة مع مصر بشكل مباشر، وشدد على أهمية جلب وفود دولية ودبلوماسية إلى الأقصى تهدف لاقناعهم بأن "إسرائيل" معنية بالحفاظ على الوضع القام، والعمل على المدى الطويل لتحسين الظروف المعيشية للفلسطينيين في شرقي القدس، وتشغيل العاطلين عن العمل منهم، "للحد من نسبة الاحباط لديهم"، كما قالت.
وفيما يتعلق بالضفة، أشار المعهد إلى أنه لا بد من ضمان استمرار التنسيق الأمني مع الأجهزة الأمنية الفلسطينينية، وادخال كافة متطلبات العلاج والتحويلات، والعمل على تكثيف الجهود لمحاربة من يرغبون بزعزعة الأمن بالتنسيق مع السلطة، والسماح للعمال بالعودة للعمل داخل "إسرائيل" بسهولة، وتسهيل حركة النقل والتجارة، وعدم فرض تشديدات أمنية إسرائيلية في الضفة حتى لا تزيد مناطق التماس، بينما تكون التشديدات في مناطق الداخل بشكل أكبر.