لكي لاننسى: وحشية وهمجية جيش الاحتلال عصية على النسيان ووجوب إسراع السلطة الفلسطينية بتقديم قادة "إسرائيل" إلى محكمة الجزاء الدولية.
وقعت مجزرة كفر قاسم الرهيبة في مساء التاسع والعشرين من تشرين الأول عام ١٩٥٦ م ، في نفس اليوم الذي أشعل فيه الاحتلال حرب السويس العدوانية على مصرالشقيقة على إثرتأميم الرئيس جمال عبد الناصرقناة السويس انطلاقاً من حق مصر في السيادة على أراضيها تمشياً مع مبادئ القانون الدولي .ففي نفس يوم المذبحة بدأت "إسرائيل" حرب السويس العدوانية لخدمة مصالح الدولتين الاستعماريتين بريطانيا وفرنسا وخدمة مصالحها الاستعمارية والعدوانية وتدمير الجيش المصري واحتلال سيناء لتحقيق الأكاذيب والأطماع التي رسَّخها كتبة التوراة والتلمود والحركة الصهيونية ومحاولة كسرإرادة القيادة المصرية .
في نفس اليوم الذي أشعل جيش الاحتلال الحرب العدوانية ارتكب مجزرة كفرقاسم لإدخال الخوف والذعرفي نفوس الأقلية العربية داخل فلسطين المحتلة عام 1948 والاستمرار في ممارسة الإرهاب والإبادة تطبيقاً للتعاليم التوراتية والتلمودية والصهيونية التي ترفع إبادة غير اليهود وبشكل خاص العرب إلى مرتبة القداسة الدينية تحقيقاً لأطماع اليهودية العالمية في الأرض والثروات العربية، لإقامة "إسرائيل" العظمى الاقتصادية من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد.
في نفس اليوم الأسود قامت مجموعة عسكرية بقيادة الرائد شموئيل ملينسكي واتخذت مواقعها على المعابرالرئيسة لقرية كفرقاسم وكان الرائد ملينسكي قد تلقَّى تعليمات من قائده يسخارشدمي بفرض حظرالتجول على القرية وإطلاق النارعلى كل من ينتهك حظرالتجول.
وأعطاه تعليمات بقتل العمال والفلاحين المتواجدين خارج القرية قبل حظر التجول بعد عودتهم من أماكن عملهم ومزارعهم بعد الساعة الخامسة. وعندما سأل ملينسكي قائده شدمي عن مصيرهم أجابه قائلا : "لاأريد عواطف ، الله يرحمهم" .
احتلت قوات الاحتلال مداخل القرية وأقفلتها، وتوجَّه الرائد ملينسكي إلى مختار القرية وأخبره في تمام الساعة الرابعة والنصف بفرض حظر التجول على القرية بدءاً من الساعة الخامسة مساءً وحتى السادسة صباحاً فقال له المختار بوجود العديد من العمال والفلاحين خارج القرية ولا يستطيع إبلاغهم بحظر التجول خلال نصف ساعة، فأكد له الرائد في جيش الاحتلال بأنَّ جيشه لن يمسّهم بسوء أوبأذى.
وأصدرملينسكي تعليمات لضباط وجنود الكتيبة بتصفية كل عربي ينتهك حظر التجول، وبالتحديد "العمال والفلاحين" العائدين إلى منازلهم ولايعرفون التجول.
بدأ العمال والفلاحون بالعودة إلى القرية بعد الانتهاء من عملهم وقبيل غروب الشمس بالسيارات والعربات والدراجات وسيراً على الأقدام.
أوقف جيش الاحتلال السيارة الأولى التي وصلت، وطلب الجنود من الركاب النزول لتفتيشهم وأمروهم بالوقوف ، وصدرالأمر"احصدوهم" وأبادوا ركاب السيارة.
ووصلت سيارة أخرى بعد فترة وجيزة من إبادة الدفعة الأولى فأوقفها جيش الاحتلال وأمر ركابها بالنزول بحجة التفتيش وأمروهم بالوقوف في صف واحد وحصدوهم عن بكرة أبيهم .
ووصلت السيارة الثالثة وكان فيها (14) امرأة و(4) رجال وتابعت سفرها دون توقف، وطالبها الجنود بالتوقف فتوقفت فأمر الجنود الركاب بالنزول ، ولكن النساء اللواتي شاهدن الجثث على جانبي الطريق، أخذن يتوسلن الجندي الرأفة بهن، ولكنه لم يستجب إلى تواسلاتهن.
وعندما نزل جميع ركاب السيارة أطلق جنود الاحتلال النار عليهم فقتلوا (17) وجُرحَتْ حنا سليمان عامر( 14 عاما) في رأسها ورجلها وبدت وكأنها ميتة.
ووصلت السيارة الرابعة وشاهد سائقها الجثث المنتشرة على جانبي الطريق، فلم يستجب إلى أوامر جيش الاحتلال، وهرب بسيارته بأقصى سرعة والجنود يطلقون الرصاص على الشاحنة ووصل إلى القرية ليجد بداخل الشاحنة العديد من القتلى والجرحى.
وعندما وصلت عربة يجرها بغل وفيها عقاب بدير، وتوفيق بدير أوقفها الجنود وأوقفوا معهم العديد من راكبي الدراجات وأمروهم بوضع دراجاتهم بجانب العربة والوقوف صفاً واحداً ، وبلغ مجموع الذين أوقفهم جيش الاحتلال في الصف الثالث عشر وصاح جندي بالجنود اليهود المتأهبين "احصدوهم" فحصدوهم ولكن تمكن المدعو مصطفى من الهرب.
حدثت إبادة ركاب السيارات الأربع والعربة والدراجات دون أن يعلم أحد في داخل قرية كفر قاسم بما حدث عند جاجز الجيش الإسرائيلي على مدخل قريتهم.
فتابع الجيش الإسرائيلي المجزرة داخل القرية وذلك عندما خرج أحد الأطفال البالغ من العمر (5 سنوات) لإحضار علبة سجائر من منزل صاحب الدكان المجاور لمنزل والده، وعندما شاهده الجنود أطلقوا عليه الرصاص ووقع على الفور يتخبط بدمائه، فاندفعت أمه راكضة نحوه لاحتضانه ولإنقاذه فأطلقوا الرصاص عليها وسقطت على الأرض واختلط دمها بدم طفلها، محتضنة فلذة كبدها ولفظا أنفاسهما سويةً ليختتما المجزرة الجماعية الرهيبة التي بلغت حصيلتها (51) قتيلاً من المدنيين العرب الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية .
حاولت الحكومة الإسرائيلية إخفاء جريمتها النكراء كعادة اليهود في التضليل والخداع والكذب والتزوير، غيرأنها لم تنجح بذلك.
وتميز سلوك حكومة بن غوريون وكافة أجهزتها السياسية والإعلامية والعسكرية بالتعتيم المطلق على المذبحة الهمجية التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي ومنعت قوات الجيش الإسرائيلي الخروج والدخول من وإلى قرية كفرقاسم العربية ، وفرضت الرقابة العسكرية منع نشرأي خبرأوإشارة إلى المذبحة .
أبلغ النائب العربي يوسف خميس من حزب مبام في الكنيست بعد عدة أيام من ارتكاب المذبحة النائب توفيق طوبي من الحزب الشيوعي الإسرائيلي عن المذبحة ، حيث كان النائب يوسف خميس قد سمع عن وقوع المجزرة من أوساط حزبه الذي التزم الصمت وقررالحزب الشيوعي بالتحرك الفوري للتأكد من وقوعها.
وطلبت الكتلة الشيوعية في الكنيست بإدراج الموضوع على جدول الأعمال للاستفسار والمحاسبة، إلا أن رئاسة الكنيست حالت دون ذلك. وزعمت حكومة الاحتلال أن كل ماحدث في كفر قاسم هو بعض الإصابات نتيجة عدم التزام المواطنين بمنع التجول، وأنها ستقوم بتعويض المواطنين عما تعرضوا له من تصرفات للقوات الإسرائيلية.
وادعى الناطق العسكري بوقاحة وعنجهية تفوق وقاحة وعنجهية النازيين بأن كل ماحصل هو للحفاظ على حياة الناس ، وأن عدداً من الناس عادوا إلى بيوتهم بعد ساعات منع التجول وأصيبوا على أيدي جنود الاحتلال.
وبتاريخ 20/تشرين ثاني/1956، أي بعد مرور ثلاثة أسابيع على المجزرة الرهيبة والتعتيم الصهيوني عليها مازال مستمراً قام عضوا الكنيست توفيق طوبي ومائير فلنربالتسلل عبر الطوق المفروض على قرية كفر قاسم لمعرفة حقيقة ماحدث من المصابين والشهود العيان.
وكان أهل القرية لا يزالون في بيوتهم ، ولا أحد في شوارعها .وأول من التقى بهما طوبي وفلنركانا صبيين تخوّفا في البداية من الكلام حتى اطمئنا لهما ، وساعداهما على الاتصال ببعض المواطنين داخل البيوت .ونجح توفيق طوبي بتدوين شهادة الأحياء الناجين والذين شهدوا وقائع المذبحة . وسجّلت الحقائق عنها في مذكرة وزعت في 23/تشرين ثاني/ 1956 بالبريد وباليد بالعربية والعبرية والإنجليزية.
وشكّل انفضاح خبر المجزرة الرهيبة التي ارتكبها جيش الاحتلال تجاه المواطنين العرب وصمة عار أبدية على جبين إسرائيل في جميع أنحاء العالم .
انتشرت أخبارالمجزرة وسط عرب الأراضي المحتلة عام 1948 ومنها إلى الرأي العام العربي والعالمي مما دفع بإسرائيل إلى تقديم القتلة إلى محاكمة صورية استمرت حوالي العامين، وأصدرت الحكم على الرائد ملينسكي بالسجن (17 عاما) والملازم جبرائيل دهان بالسجن (15 عاما)، وصدرت أحكام بحق الجنود الذين اشتركوا بالمجزرة بالسجن مدداً تصل إلى خمس سنوات ، ولكن لم يقض أي واحد من المجرمين مدة الحكم الصادر بحقه ، حيث قررت ما تسمى بـ"محكمة الاستئناف العليا" التابعة للاحتلال أنَّ الأحكام شديدة وصارمة فخففتها ثم قام رئيس أركان الجيش وخففها، كما خففها رئيس الدولة ولجنة الإعفاء، وأفرجت السلطات الإسرائيلية عن جميع المجرمين اليهود، وعُيّن المجرم ميخائيل دهان رئيساً للقسم العربي في بلدية الرملة.
تذرع الرائد ملينسكي بارتكاب المجزرة بحجة أنه وقع ضحية إخلاصه لتنفيذ الأوامر العسكرية الصادرة إليه من قائده العقيد شدمي الذي أمره بتصفية المدنيين العرب العائدين من أماكن عملهم .
وتذرع المجرم العقيد شدمي بنفس الحجة وقال إنه كان ضحية إخلاصه هو الآخر للتعليمات العسكرية الصادرة إليه من الجهات العليا في جيش الاحتلال.
وصدر الحكم بحق العقيد شدمي بتغريمه أغورا ، أي قرش واحد لمسؤوليته عن إصدار الأوامر لارتكاب مجزرة كفر قاسم التي ذهب ضحيتها (51) من المدنيين العرب وعشرات الجرحى.
إن مجزرة كفر قاسم الرهيبة لم تكن المجزرة الجماعية الأولى والأخيرة التي ارتكبتها العصابات اليهودية الإرهابية المسلحة و"إسرائيل" فقد سبقتها مجازرجماعية في أسواق الخضار العربية في حيفا ويافا والقدس في الثلاثينيات من القرن العشرين إبان الانتداب البريطاني , ومجزرة ديرياسين و74 مجزرة ارتكبها المجرمو ن اليهود في عام 1948 .
ولاتزال النكبة والهولوكوست الإسرائيلي مستمراً على شعبنا الفلسطيني حتى اليوم . وليس أمام الشعب العربي الفلسطيني إلاّ خيار المقاومة للدفاع عن وطنه وأرضه وممتلكاته وحياته وتاريخه وحقوقه المغتصبة وعلى رأسها حق عودة اللاجئين إلى ديارهم واستعادة أرضهم وممتلكاتهم تطبيقاً للقرارات الدولية ومبادئ القانون الدولي وأسوة بالتعامل الدولي .
فأين ديمقراطية "إسرائيل"تجاه المواطنين العرب أصحاب البلاد الأصليين وسكانها الشرعيين ؟تمارس "إسرائيل" الإرهاب والإبادة والاغتيالات والهولوكوست والعنصرية والتمييز العنصري على الشعب الفلسطيني منذ تأسيسها وحتى اليوم، وترفع قتل العرب إلى مستوى القداسة الدينية ، والسياسية الرسمية ، وتلجأ إلى الكذب والتضليل والخداع للتغطية على جرائمها ،بدعم وتأييد كاملين من الولايات المتحدة وألمانيا وبقية الدول الغربية .
أظهرت مجزرة كفرقاسم الرهيبة بجلاء تغلغل فكرة قتل العرب وإبادتهم في الحكومة والجيش والقضاء الإسرائيلي ، لترحيل الفلسطينين بالقوة عن طريق بث الخوف والرعب في قلوبهم ولإجبارهم على القبول بالاستعمار الاستيطاني وسرقة أراضيهم وممتلكاتهم وتدمير منجزاتهم وتهويد أراضيهم ومقدساتهم واعتراف القيادة الفلسطينية بـ"إسرائيل" في فلسطين العربية كوطن لجميع اليهود في العالم .
وتسخّر"إسرائيل" المجازر الجماعية المستمرة لكسر الإرادات وخلق وقائع جديدة لتهويد فلسطين ولتحقيق "إسرائيل العظمى" الاقتصادية من النيل إلى الفرات عن طريق مشروع الشرق الأوسط الجديد.
وتسخّر "إسرائيل" ارتكاب المجازرالجماعية كمجزرة كفر قاسم ودير ياسين وصبرا وشاتيلا ومخيم جنين والحروب العدوانية المستمرة على الضفة والقطاع ومنها الحرب الإسرائيلية السادسة على قطاع غزة في صيف 2014.
والاغتيالات المستمرة وتدمير البنى التحتية والمنجزات الاقتصادية والتعليمية والعمرانية لإنجاح الاستعمارالاستيطاني وتهويد فلسطين والمسجد الأقصى لإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه.
فالإرهاب الصهيوني يتجسد في الهولوكوست المستمروممارسة الإرهاب والاستعمارالاستيطاني والعنصرية والإبادة الجماعية كسياسة رسمية لإفراغ فلسطين من سكانها العرب ولإخضاعهم وحملهم على القبول بالمشروع الصهيوني , مما أدى إلى إشعال المقاومة والعمليات الاستشهادية وإيمان الشعب والأمة بوجوب شمولها كل فلسطين التاريخية وفي أي مكان يتواجد فيه العدو الإسرائيلي حتى زوال الكيان الصهيوني ككيان استعماراستيطاني ونظام عنصري وإرهابي عدو لشعوب المنطقة وحليف استراتيجي للإمبريالية الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي.
وستبقى ذكرى شهداء مجزرة كفرقاسم حية في ضمائرنا ووجداننا وعقولنا على مر الأجيال وحتى بعد زوال الكيان الصهيوني .
ستظل ذكرى الشهداء الـ 49 من قرية كفرقاسم لطخة عارأبدية على جبين "إسرائيل" وجيش الاحتلال الهمجي والجبان ويهود العالم الذين يدعمون حروب "إسرائيل" العدوانية وتهويد فلسطين وبناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى المبارك.