القدس المحتة - خاص قُدس الإخبارية: أثبتت الانتفاضة الشعبية القائمة رغم عفويتها وفردية عملياتها، وخاصة عمليات الطعن على مدار 21 يوما، أنها قادرة على خلق حالة من الرعب والارتباك في "إسرائيل"، وفي جميع مناحي الحياة، بينما تحاول دولة الاحتلال استدراك الموقف، والخروج من هذه الحالة، بتشديد الإجراءات والقوانين، وزيادة القمع، لخلق أجواء من الردع للفلسطينيين، علها تخفف من روع الإسرائيليين.
الارتباك النفسي والمجتمعي
وردت عدة مشاهد وتعليقات على الحالة النفسية والاجتماعية في الإعلام الإسرائيلي خلال الانتفاضة القائمة، فكان اللافت فيها الحديث بأن هذه الانتفاضة تسببت بخلق حالة رعب لدى الإسرائيليين، رغم قلة عدد من قتلوا وأصيبوا فيها مقارنة مع الانتفاضات السابقة، حيث أعلنت مراكز الدعم النفسي في "إسرائيل" ارتفاع نسبة المتوجهين إليها بنسبة 100%، يتحسس غالبيتهم من هواجس عمليات الطعن والعداء والكراهية، فيما تقول معلقة القناة الثانية بأن من يركبون في المواصلات العامة أصبحوا طوال الوقت ينظرون في وجوه بعضهم، خشية من أن يكون بينهم فلسطيني أو مسلحا بسكين.
ويقول 80% من المستوطنين إنهم فقدوا الشعور بالأمن، في حين أن نسبة تغيّب الإسرائيليين عن أعمالهم تجاوزت الحد الأعلى منذ 30 عاما، وقدرت شرطة الاحتلال يوميا استقبال 30 ألف اتصال من إسرائيليين للتبليغ عن عمليات واشتباهات حسب صحيفة "معاريف"، وهو ما يفسر الحالة النفسية للجندي الذي أطلق النار في محطة المواصلات تخوفا من وجود منفذ عملية، بينما اشتهرت بعض بلدات الإحتلال بتحولها لمدن أشباح خلال ساعات الليل.
وتفسر القناة العاشرة هذه الأوضاع بالقول، "التهديد يأتي من الداخل هذه المرة، من المدن التي نسكنها والأماكن التي نتسوق فيها، فهي صدمة وطنية للإسرائيليين"، وهو ما دفع الوزراء ورؤساء البلديات دعوة المستوطنين الخروج بأسلحتهم وزيادة نسبة الإقبال على الأسلحة بنسبة 500%، حتى وصل الأمر لطلاب المدارس اليهودية الذي يحملون في حقائبهم السكاكين، وغاز الفلفل، وأداوات قتال أخرى، ما خلق حالة تخوف من ارتفاع مستوى الجريمة في المجتمع الإسرائيلي وعدم الشعور بالأمان.
وركز الإعلام الإسرائيلي على صورة جنود الاحتلال المسلحين وهم يهربون خلال عملية محطة بئر السبع، بدل أن يدافعوا عن من حولهم، وقد قرر الجيش التحقيق في تصرفهم الذي يعبر عن حالة نفسية مترهلة، وفق المحللين الإسرائيليين.
ارتباك اقتصادي
وتؤثر الحالة النفسية وعدم الشعور بالأمان والاستقرار على الحالة الاقتصادية العامة في دولة الاحتلال، فلم تتوقف تخوفات تضرر الأسهم والاستثمارات الإقتصادية وانخفاض سوق البورصة الإسرائيلية، وهو فعلا ما تحقق بسبب انخفاض الاستهلاك الخاص ومردودات الحكومة،حيث قالت "يديعوت" إن أكبر القطاعات تضررا كانت القطاع السياحي والأزياء، رغم التكتم على بعض الأرقام بهذا الخصوص.
وسجلت الانخفاضات الاقتصادية في الصناعة ما نسبته 2.4%، وكذلك التأمين ومبيعات السيارات، بينما هبط سعر الشيقل مقابل الدولار واليورو، وزادت احتمالية انهيار المصالح الصغيرة وإغلاقها، إضافة إلى انخفاض بنسة 100% في سوق العمل، و 11% في استخدام الصراف الآلي، و 13% في نسبة التسوق، وانخفاض ركاب المواصلات العامة "ايجد" بنسبة 30%، كما قدم خبراء اقتصاديون نصيحة للمستثمرين أنه لا يمكن فعل شيء سوى الإنتظار حتى انتهاء الموجة الحالية مع الفلسطينيين حسب موقع غلوبس الإقتصادي.
ويقول أحد أصحاب المطاعم للقناة العاشرة، "أسبوعين لم نر أحدا، الشوارع فارغة من كلا الطرفين"، وتضيف صاحبة مقهى أن هناك انخفاضا واضحا في سوق العمل، فالناس لا يتجولون في الشوارع، كما نُشرت بعض الفيديوهات التي تصور خلو الأماكن العامة من الإسرائيليين.
الارتباك السياسي
ويظهر الارتباك السياسي الإسرائيلي من خلال متابعة تصريحات وتصرفات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي أصبح فاقدا للسيطرة على أحداث الانتفاضة القائمة، فلا يمر له خطاب أو كلمة دون التأكيد على أن إسرائيل تسعى إلى التهدئة وخاصة في الأقصى، وعدم نيتها تغيير الوضع الأمني القائم فيه، وفي نفس الوقت أصبح يستجدي التدخل الدولي لدى السلطة الفلسطينية للوصول إلى تهدئة، وضبط الوضع، حتى أنه شكى الرئيس عباس للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، بأنه يتعامل مع ملف القدس كداعشي.
أما وزير جيشه يعالون، فقد انتقد من أسماهم "المحرضين الإسرائيليين ضد الفلسطينيين"، قاصدا بذلك فلسطينيي أراضي 48، باعتبار هذا التحريض وفق قوله، "يؤجج الكراهية تجاه العرب ولا يساعد لدمجهم في المجتمع". كما دعا إلى محاربة ما أسماها "الاعتداءات اليمينية المتطرفة ضد الفلسطينيين"، وذلك من أجل أن يبتعد الفلسطينيون عن التفكير في "الإرهاب"، وفق تعبيره، علما أن العصابات التي نفذت دائما هذه الاعتداءات كانت تنفذها بغطاء من الجيش والشرطة، وهذا ما كشفته منظمات إسرائيلية قبل الانتفاضة.
وقد أكد هذا التوجه رئيس "الشاباك" السابق آفي ديختر، الذي دعا لمنع ارتقاء أي شهيد فلسطيني في الأقصى، لأن ذلك سيكون بمثابة سبب لتصعيد الموجة العالية واستمرارها بشكل أطول، في حين اعتبر الصحافي الإسرائيلي آفي يسخروف بأن اعتقال قادة حماس في الضفة يعكس الإرباك والعجز الإسرائيلي عن وضع حد للانتفاضة.
وأظهر استطلاع للرأي نشر على القناة الثانية، إن 71% من الإسرائيليين ليسوا راضين عن أداء نتنياهو، كما حصل أفيغدور ليبرمان على أعلى نسبة من القيادات الذين يمكنهم التعامل مع الانتفاضة الحالية بنسبة 29% بينما نتيناهو حصل فقط على 17%.
الارتباك الأمني والعسكري
تشهد الساحة الأمنية والعسكرية في "إسرائيل" نوعا من الارتباك في آلية التصرف ومحاولة السيطرة على الأحداث، فتعالت الانتقادات الداخلية حول ما يتعلق باطلاق النار على من تتم السيطرة عليهم من منفذي العمليات أو يشتبه بهم، حيث يعتبر المنتقدون أن هذه الأفعال "تخلق الكره والرغبة بالانتقام لدى الفلسطينيين"، وذلك في ظل دعوات لاتخاذ أي اجراءات قد تهدئ الأحداث.
وتشير طبيعة القوانين التي يتم إصدارها والمصادقة عليها أيضا إلى الخوف الإسرائيلي، فالكنيست أقر قانونا يجيز التفتيش الجسدي لأي شخص بغياب أي شبهة، وقبل ذلك قانون معاقبة راشقي الحجارة بسقف حكم يصل إلى 20 عاما، وغيرها من إجراءات لمحاولة طمأنة الإسرائيليين وإشعارهم بالأمن، وهذا كله جعل جنود الاحتلال يشتبهون في أي شخص، ويطلقون عليه النار لمجرد الاشتباه.
ويدور الحديث حاليا عن ضرورة إيجاد حل لقضية محاولات خطف سلاح الجنود التي نجحت لثلاث مرات، وسببت سقوط قتلى وجرحى في صفوف المستوطنين، وذلك وسط حديث عن استدعاء جنود من الاحتياط وتفريغ من هم في الخدمة للتجهز للحرب القادمة.