القدس المحتلة – خاص قُدس الإخبارية: تندرج الحرب النفسية تحت مسمى القوة الناعمة والتي عادة ما يقودها الإعلام، من أجل استخدام وسائل ليست عنيفة لتحقيق أهداف تخدم التوجهات السياسية والعسكرية لقيادة دولة ما، كالتحريض والتهجم وحفظ نفسية جمهور الوسيلة الإعلامية، في حين أن الإعلام يبث الأكاذيب والدعاية للتأثير سلبا على من يعتبره عدوا له، وهو ما يقوم به على أكمل وجه الإعلام الإسرائيلي، من خلال الدعاية والتحريض والكذب وتقديم الحقيقة المبتورة.
حرب نفسية ودعاية سوداء
وفي حالة الانتفاضة الفلسطينية الحالية فإن الإعلام الإسرائيلي يحاول بكل ما أوتي من قوة أن يشكل حربا نفسية ضد الفلسطينيين، لا لحسم الأمر عسكريا وإنما لتعزيز مواقف القيادة الإسرائيلية الأمنية والعسكرية ضد الفلسطينيين، باستخدام وسائل كثيرة كالدعاية السوداء والشائعات الهجومية.
والدعاية الإسرائيلية السوداء تتمثل هنا بالشعارات والكلمات الرنانة والمصطلحات، فهي حرب الكلمات التي يستخدمها الإعلام في وضع مسميات للأحداث، مثل "موجة الإرهاب"، "موجة العنف"، "الهجوم الإرهابي"، "المخربون" وغيرها، وتهدف في مجملها لترويج معلومات وآراء وتقديم معلومات، وفق تخطيط إسرائيلي بقصد التأثير على الحالة العقلية والنفسية للجماهير المستهدفة.
وينقسم الجمهور بالنسبة للإعلام الإسرائيلي إلى ثلاثة أقسام، "البيت" وهم الإسرائيليون، وهو الجمهور الأكثر أهمية من أجل رفع المعنويات وتحريضهم على قتل الفلسطينيين خلال عمليات الطعن في القدس والداخل المحتل، وصناعة دور البطل لمن يقوم بقتل فلسطيني، إضافة إلى رص الصف الإسرائيلي الداخلي، ودعم القيادة السياسية وإجراءاتها وقوانينها ضد الفلسطينيين وتبرير كل ذلك.
والجمهور الثاني هو "العدو"، وهم الفلسطينيون والعرب، والهدف من التوجه له هو نزع الأمل بالانتصار، وهز نفسية الفلسطينيين وعائلات الشهداء ومفذي عمليات الطعن، وتشكيل سمعة إعلامية رادعة لمن يفكر بتنفيذ عمليات مماثلة.
أما الجمهور الثالث وهو المحايد الذي ليس له علاقة مباشرة بالصراع، بهدف كسب رأيهم وتأييدهم ومنعهم من مساندة الفلسطينيين، كما يحدث في حالة تعاطي جزء من الإعلام الغربي المتأثير بالرواية الإسرائيلية.
التحريض على القتل
ويلاحظ المتابع للإعلام الإسرائيلي بشقيه التقليدي والاجتماعي مجموعة من الخصائص تجلت في تغطيته لأحداث الانتفاضة الجارية وعملياتها وخاصة الطعن، باستخدام عدة أساليب شكلت مجموعة خصائص كان أبرزها التحريض على القتل وتقديم الحقيقة المبتورة.
واستخدم الإعلام الإسرائيلي صور وفيديوهات قتل الفلسطينيين ومنفذي العمليات التي تحرض بشكل مباشر الإسرائيليين لأن يتعاملوا مع الفلسطيني على هذه الشاكلة، وقد ظهر ذلك من خلال الاشتباهات الإسرائيلية بفلسطينيين، وتم إعدامهم لمجرد الاشتباه كما حدث في حالة أسماء عابد وفادي علون، ويندرج هنا أيضا الكذب وتأويل التهم بأن جميع الشهداء الفلسطينيين كانوا ينوون تنفيذ عمليات أو كانوا يحملون سلاحا دون إثبات ذلك، رغم ما نشر على الإعلام الإسرائيلي من مواد توثيقية، بل إن بعض المنشورات وخاصة على مواقع التواصل الإجتماعي كانت تدعوا بصريح العبارة لقتل الفلسطينيين واغلاق محالهم التجارية.
وتعمد الإعلام الإسرائيلي التركيز على نشر الفيديوهات التي توثق عمليات نفذها فلسطينيون، حيث تم إخراج أغلبها حسب الرواية الإسرائيلية، فالفيديو يعطي قوة للخبر والرواية لحصريته، وفي هذه الحالة تنشر الرواية الإسرائيلية التي لا تذكر سبب الحادثة سوى ادعائها بأنها عملية طعن، علما أنه ثبت عكس ذلك.
وظهر جليا في الإعلام التقليدي تحديدا استخدام "البانر" وهو التصميم المرفق في ترويسة الصفحة الإلكترونية الاخبارية للمواقع الإسرائيلية، وأيضا التصاميم العامة المرفقة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتصاميم الإنفوجرافيك التي تسرد وتوضح ما سمي إسرائيليا بـ"حجم الهجمات الفلسطينية"، وهذا من شأنه أن يزيد قوة تأثير الإعلام على الجمهور الإسرائيلي، ودفعه لاتخاذ خطوات عدائية ضد فلسطينين، و زيادة الحقد الإسرائيلي الكامن.
الحقيقة المبتورة
وفي ذات السياق اعتمد الإعلام الإسرائيلي استخدام تقنية الحقيقة المبتورة والقوة التبريرية في وسائل إعلامه، فلا يتم ذكر الأسباب التي دفعت الفلسطينين بتنفيذ عمليات ضد إسرائيليين، ولا يتم الحديث عن الأقصى والإجراءات المتصاعدة فيه، بل يعرض عكس ذلك بأن الفلسطيني نفذ هذه الأعمال بلا أي سبب أو مبرر، متجاهلين كل مظاهر القتل والإعدامات، وهدم المنازل، والانتهاكات وغيرها.
وتميزت التغطية الإسرائيلية أيضا باستخدام النزعة الإنسانية في تغطيتها، وذلك بهدف إثارة مشاعر الجمهور الإسرائيلي والدولي لإبداء التعاطف، كعرض صور النساء والأطفال الإسرائيليين في حالة رعب بسبب العمليات الفلسطينية، وفي المقابل لم يظهر لعرض نفسية الأطفال والنساء الفلسطينيات.
في كل ما ذكر سابقا يعتمد الإعلام الإسرائيلي كعادته على المصادر والتصريحات الإسرائيلية ليذكر ويروج بذلك للرواية الرسمية، متجاهلا الرواية الفلسطينية والموقف الفلسطينيني، إلا ما توافق من تصريحات فلسطينية مع سياق التهدئة أو ما لم يعد الإعلام الإسرائيلي قادرا على اخفائه.
ويحاول الإعلام الإسرائيلي جاهدا أن يصور أحداث الانتفاضة الجارية على أنها موجة تصعيد خفيفة، وأنها فردية ولن تتطور إلى انتفاضة ثالثة، وأن المقاومة منهكة ومفلسه، كما أن استخدام السكاكين في العمليات دليل الإحباط الفلسطيني وسينتهي عاجلا أم آجلا، في محاولة لإخماد حرقة الفلسطيني على كرامته، ويظهر جليا بأن هناك خوف إسرائيلي واضح من تصوير الأمر على أنه جماعي.
ويمكن القول إن الإعلام الإسرائيلي برغم التعددية الفكرية والاختلافات الأيدلوجية فيه، إلا أن ذلك لا يشكل عائقا أمام تجنيد الإعلام بشكل تام، لخدمة الهدف اليهودي الاستراتيجي الأعلى، بالسيطرة الكاملة على القدس، وتجسيد مشروع الوطن القومي اليهودي في فلسطين.
[caption id="attachment_76229" align="aligncenter" width="413"] مقطع فيديو حاول أظهار إنسانية جنود الإحتلال مع أطفال فلسطينيين في القدس، نشر على مواقع التواصل الإجتماعي[/caption] [caption id="attachment_76228" align="aligncenter" width="600"] ترويسة صحيفة معاريف النسخة الإلكترونية كتب عليها موجة الإرهاب[/caption] [caption id="attachment_76226" align="aligncenter" width="552"] الإنفوغرافيك كملخص لأحداث ما سمي بالإعتداءات الفلسطيني فقط، دون ذكر الإعتداءات الإسرائيلية[/caption] [caption id="attachment_76224" align="aligncenter" width="509"] استخدام ما ينشر في مواقع التواصل الفلسطينية وترجمته للتحريض على الفلسطينيين وتصويرهم بأنهم قتلة[/caption] [caption id="attachment_76223" align="aligncenter" width="565"] إستخدام البانر والصورة والفيديو في نفس الخبر في صحيفة يديعوت وكتب في الترويسة موجة الإرهاب[/caption] [caption id="attachment_76222" align="aligncenter" width="600"] أحد التصاميم للمتابعات الإخبارية الإسرائيلية كتب عليه موجة الإرهاب. وحاولة أظهار الجانب الإنساني.[/caption] [caption id="attachment_76225" align="aligncenter" width="600"] أغنية إسرائيلية تحريضية تدعي بأن الفتيات الفلسطينيات يذهبن للطعن من أجل إرضاء الشباب[/caption] [caption id="attachment_76232" align="aligncenter" width="600"] محاولة إظهار التضامن العربي مع إسرائيل، وإتهام الفلسطينين بالتحريض والظهور بموقف الضحية، نشرت على مواقع التواصل الإجتماعي[/caption]