شبكة قدس الإخبارية

تحليل: كيف يحاول الاحتلال إدارة التصعيد ومنع انتفاضة ثالثة؟!

عمر أبو عرقوب

"موجة إرهاب"، "لا وجود لخطر بنشوب انتفاضة ثالثة"، "الحركة الإسلامية رأس الأفعى"، "تحريض أبو مازن وحماس"، كلها مصطلحات اجتمع عليها "الشاباك" وجيش الاحتلال مع المستوى الإعلامي في "إسرائيل" في محاولة واضحة لمنع انتفاضة ثالثة، واستغلال الأحداث المتصاعدة إعلاميا وسياسيا وأمنيا، والقدس هي البوصلة.

انتفاضة أم موجة تصعيد ؟

الواضح أن "إسرائيل" ليست معنية بانتفاضة ثالثة هي في غنى عن تكلفتها المادية والبشرية، في حين أنها تستطيع تحقيق أهدافها بموجة تصعيد تديرها وتسيطر عليها وتستغلها لتنفيذ مخططاتها، بعد توفير الأجواء المناسبة لها.

فقد عبّر مسؤول كبير في جيش الاحتلال لصحيفة هآرتس، أن الأحداث الجارية في الضفة ليست بداية لانتفاضة ثالثة وما هي إلا موجة تصعيد عابرة ولا تشكل خطرا فوريا أو انتفاضة ثالثة.

ويرى ايهودي يعاري محلل القناة الثانية أنه لا خطر مما يجري، إنما الخطر يكمن في محاولة استغلال ناشطين فلسطينيين للأحداث والتحريض على "إسرائيل"، في إشارة إلى حركة حماس على وجه الخصوص ممثلة بغزة والخارج، والحركة الإسلامية في الداخل، والرئيس ابو مازن. بينما وصف موشيه نوسفام محلل القناة الثانية الحركة الإسلامية في الداخل "برأس الأفعى" الذي يجب مداواته.

من جانبه قال أور هلر المختص في الشؤون العسكرية للقناة العاشرة إن الجواب الشافي الذي أخذه نتنياهو من قيادة "الشاباك" والجيش بعد عودته من الأمم المتحدة كرد على سؤاله إن كان الوضع على أبواب انتفاضة ثالثة، أعطاه جانبا من الأمان، كونهم اعتبروا أن ما يحدث ليس إلا ما أسموه موجهة "إرهاب" وليست انتفاضة ثالثة، وأكدوا له أكثر من مرة أن التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية ما زال مستمرا.

نتنياهو بنفسه صرح بعد مباركة اعتقال منفذي عملية نابلس بأنه سيعمل بيد من حديد من أجل وقف ما أسماه "الإرهاب"، واتخذ عدة قرارات تعتبر استغلالا حقيقيا لموجة الأحداث الجارية، تضم تسريع هدم منازل منفذي العمليات، وتوسيع الإعتقالات الإدراية للمتظاهرين، وتعزيز إضافي لقوات الاحتلالفي القدس والأحياء العربية والضفة،  وإبعاد ما أسماهم "المحرضين" عن الأقصى والبلدة القديمة، ومعاقبة من لم يمدوا يد العون لمصابي عملية البلدة القديمة من المارة وأصحاب المحلات، والتهديد بملاحقة من يحرض على الانتفاضة، وفتح باب الإغتيالات في الداخل والخارج.

أما رئيس لجنة الأمن والخارجية في الكنيست تساخي هنجبي فقال "نحن ليس أمام انتفاضة ثالثة، فكل ما في الأمر موجة إرهاب تستمر لبعض الوقت وبعدها نخمدها بطريقتنا"، مضيفا أن "إسرائيل" مستعدة لقتل من يواجهها على الأرض، ولكنه شدد على أن القيادة الإسرائيلية كافة الوزراء والمعارضة والإئتلاف الحكومي يقفون صفا واحدا أمام موجة التصعيد هذه خلف نتنياهو، فلا معارضة أمام الفلسطينيين. ليتبين لاحقا بأن كل ذلك يأتي بتحريض من اليمين الإسرائيلي الذي نظم مظاهرة أمام بيت نتياهو في القدس يطالبه فيها بتشديد القبضة الأمنية والإنتقام من الشعب الفلسطيني.

الاعلام الإسرائلي وفن الترويج

وبدا واضحا أن وسائل الإعلام الإسرائيلية إلتزمت بتسمية الأحداث كما سماها جهاز "الشاباك" وجيش الاحتلال "موجة إرهاب"، وانتشر هذا المصلح بشكل واسع في الإعلام الإسرائيلي ليتلاشى مصطلح الانتفاضة الثالثة، والمغزى من هذا التعبير أن هذه الموجة يقودها التحريض الفلسطيني وعباس بعد خطابه في الأمم المتحدة.

الإعلام الإسرائيلي ركز على زاويتين خلال تغطية الأحداث، عرض فيها العمليات التي نفذها الفلسطينيون ضد المستوطنين بلمسة عاطفية وإنسانية من خلال عرض عائلات القتلى، والبكاء والأطفال، دون التطرق لتفاصيل الشباب الفلسطيني الذين قتلهم الاحتلال خلال المواجهات.

الأمر الثاني هو التركيز على أن الفلسطينيين كانوا معنيين بالتصعيد والقتل في فترة الأعياد اليهودية، وأنهم لا يحترمون الشعائر الدينية، دون الحديث عن اقتحامات الأقصى وانتهاكاته التي هي كانت شرارة الأحداث الحالية.

في نفس الوقت شدد الإعلام بأن الوضع لا يمثل انتفاضة ثالثة، وإنما أحداث ومواجهات أصبحت روتينية، وحاول التأكيد على استمرار التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية في أكثر من مادة إعلامية لإسكات المواجهات بأن السلطة على علم بكل ما يجري ولا اعتراض لديها، وتميز الإعلام الإسرائيلي بمتابعته الحثيثة والتفصيلية للأحداث، والتهاني الكبيرة والواسعة التي عمّت مواقع التواصل الإجتماعي والاعلام باعتقال منفذي عملية نابلس.

تقدير موقف لانتفاضة موقوتة

وتتلخص أغلب التقديرات الإسرائيلية بأنه لا انتفاضة فلسطينية ثالثة قريبة رغم موجة التصعيد الجارية في الضفة والقدس، والتي يَعتبر الاحتلالأنه قادر على إستيعابها والتعامل معها وردعها، ما لم تغيير السلطة الفلسطينية من نهجها القيادي في الضفة المحتلة، كون أي انتفاضة بحاجة إلى عوامل لقيامها كالقيادة ليست متوفرة في الموجة الحالية.

وفي ذات السياق، ترى "إسرائيل" نفسها الدولة القوية القادرة على تغيير معالم فلسطين التاريخية لا بقوتها بل بضعف نظيرها الفلسطيني وتشتت قراره وقدرته، فليس هناك ما يجبر دولة إحتلال للتنازل عن ما سلبته ما لم ينتزعه أصحابه بالقوة، فبدأت تقايض الفلسطينيين من خلال استغلال الأحداث،  في ظل اطمئنانها من أن الانتفاضة الثالثة المُتغنى بها ميتة قبل مولدها.

لكن "إسرائيل" حاولت جاهدة من بداية الأحداث وتصاعدها في الأقصى والضفة استغلالها ضمن أهدافها ورؤيتها المستقبلية للمنطقة، فنتنياهو يصعد من وتيرتها بقدر حاجته لتحقيق أهداف حكومته فعلى سبيل المثال، كل القرارت والتشديدات الأمنية التي اتخذها نتنياهو ما هي إلا مكسب له، فرض من خلالها سياسة الأمر الواقع في الضفة والقدس، وقد صرح بذلك وزر التربية والتعليم نفتالي بينيت بأن الوضع الأمني في القدس كله سيتغير لحماية أمن المستوطنين واليهود.

الأمر الآخر وهو توجيه ضربة للحركة الإسلامية في الداخل الجناح الشمالي تحديدا بقيادة الشيخ رائد صلاح، متهما إياها بتمويل وتحريض المقدسين والفلسطينين على مواجهة سلطات الاحتلال وخاصة في المسجد الأقصى والقدس، وقد بدأ نتنياهو الإجراء الفعلي بمناقشة أمر حظر الحركة الإسلامية في الداخل مع وزرائه بانتظار قرار قريب الأسبوع الجاري أو المقبل لحسم الأمر بترتيب مسبق.

وتخلص الرؤية الإسرائيلية إلى أن المواطن الفلسطيني سيبقى مشتتا بين قيادته في الضفة التي ترفض العنف والإنتفاضة، وتدعوا إلى المقاومة السلمية، وبين انتهاكات الاحتلال في القدس التي لا سقف لتوقفها، وبين قيادة إسرائيلية تعمل لصالح يهوديتها بحكمة، فحجم الإنهاك السياسي والإجتماعي والاقتصادي للفلسطينيين وتضييق الخناق عليهم ومخلفات الانقسام، قد تحرمهم من انتفاضة جديدة تغير معالم اللعبة.