شبكة قدس الإخبارية

أحداث الاقصى والقدس من وجهة نظر إسرائيلية

عمر أبو عرقوب

مثلما تفعل في كل حدث محلي أو إقليمي أو حتى دولي، لم تتردد دولة الاحتلال بمختلف اجهزتها في استغلال أحداث المسجد الاقصى الاخيرة لصالحها، محاولة الاستفادة منها وتحقيق أهداف كانت منذ زمن تسعى لتحقيقها تدريجيا، وعلى نار هادئة.

وبدت الاعياد اليهودية فرصة ملائمة للتصعيد بحق الاقصى وجني ثمار ما بدأت سابقا، فكانت ابرز رسائلها للفلسطينيين والعرب والمسلمين والمجتمع الدولي أيضا، بأن الأقصى سيقسم زمانيا عاجلا أم آجلا، كما سارعت لتحميل الفلسطينيين المسؤولية عن تطور الأحداث والتصعيد، من خلال إصدار أوامر قضائية بتغليظ عقوبة راشقي الحجارة والزجاجات الحارقة، واعتبار المرابطين في الأقصى "تنظيما إرهابيا" يحق اتخاذ إجراءات ضدهم، والايحاء بأنها قادرة على اقتحام الاقصى والتحكم به كيفما شاءت.

وأصبح واضحا أن حكومة نتنياهو تسعى إلى تصعيد الوضع الأمني داخل المسجد الأقصى المبارك من خلال فرض سياسة الأمر الواقع بتقسيم المسجد الأقصى زمانيا، لأجل تحقيق مبدأ فكري "إسرائيلي" ينادي على المدى البعيد بالسيطرة الكاملة على الأقصى وبناء ما يسمى "هيكل سليمان".

وعندما اشتدت الاعتداءات والمواجهات في الأقصى سارع رئيس حكومة الإحتلال بنيامين نتيناهو في بعقد جلسة أمنية طارئة لمجلسه الوزاري لمناقشة التطورات الأمنية، حضره (وزير الجيش موشيه يعالون، وزير الأمن الداخلي جلعاد أردان، ووزيرة القضاء أييلت شاكيد) إضافة لوزراء وشخصيات سياسية ومسؤولين اخرين.

 وخلصت الجلسة إلى عدة قرارت اهمها تغيير تعليمات إطلاق النار، بحيث يسمح للجنود بإطلاق النار على الفلسطينيين دون تشدد، وكذلك الدعوة إلى تحديد عقوبة شديدة على راشقي الحجارة والزجاجات الحارقة قد تصل في أقلها إلى الحكم الإداري، وفرض الغرامات المالية على القاصرين وأولياء أمورهم.

وأكد نتنياهو خلال الجلسة أن "إسرائيل" تحاول الحفاظ على الوضع الراهن في المسجد الأقصى، لكنه ناقض نفسه عندما أكد بأن "إسرائيل" لن تسمح للفلسطينيين بمنع "زيارات" اليهود إلى الأقصى.

مواقف القيادات السياسية الإسرائيلية

لم يكن هناك خلافات جدية بين القيادات السياسية الإسرائيلية حول الاعتداءات على الأقصى، وكان أشد وزراء حكومة الاحتلال شراسة في التحريض على أهالي القدس والمرابطين وزير الأمن الداخلي جلعاد أردان، ووزيرة القضاء إييلت شاكيد.

وتعتبر مواقف أردان الأشد تطرفا في حكومة نتنياهو الحالية ضد الفلسطينيين، وهو من اقترح قوانين اعتبار المرابطين في الأقصى "منظمة إرهابية"، وتشديد العقوبات القضائية ضد راشقي الحجارة.

وحسب ما ذكرت صحيفة "يديعوت أحرنوت"، فقد أدان "أردان" بشدة مواجهة الفلسطينيين لشرطة الإحتلال بالقدس، معتبرا أن الفلسطينيين هم المعتدون على جنود الاحتلال، ومشددا على وجوب اتخاذ إجراءات قضائية ضد كل من يواجه أوامر سلطات الإحتلال، داعيا القضاة إلى "عدم الخوف" بقوله "القاضي لديه حصانة ولا أحد يطلق عليه النار".

وأضاف أردان بأنه يجب سن قانون جديد للعقوبات يسجن عليه راشقي الحجارة لسنوات، وتعديل قوانين الاشتباك وإطلاق النار من أجل عدم تقييد جنود الإحتلال خلال المواجهات. وقال معلقا على الأحداث الجارية في القدس، "هذه ليست انتفاضة هذا إرهاب خطير"، كما اقترح بأن من لم يلتزم من القضاة "الإسرائيليين" بتغليظ العقاب على راشقي الحجارة سيحرم من الترقية.

ولا تقل وزيرة القضاء اييلت شاكيد كثيرا في تطرفها ضد الفلسطينيين، فهمي من شددت على ضرورة تغيير قوانين اطلاق النار والقضاء لردع راشقي الحجارة والمتظاهرين الفلسطينيين، وكونها وزيرة للقضاء فقد وعدت بأنها ستبدأ بتطبيق الإجراءات الرسمية لما تم الإعلان عنه بعد أيام قليلة.

أما رئيس بلدية الاحتلال في القدس نير بركات فاعتبر بأن الرد الإسرائيلي على ما أسماه "مشاغبات الفلسطينيين" في القدس يجب أن يكون أكثر صرامة وردعا، وأضاف بركات أن المطلوب زيادة الردع ونشر قوات كبيرة في المناطق التي يسكنها أغلبية فلسطينية، من أجل منع أي شخص من رشق حجر واحد تجاه جنود الاحتلال، وكل ذلك يجب أن يكون متبوعا بآلية ردع حكومية قضائية، وأنه يفضل أن يسجن راشقو الحجارة لعدة سنوات كنوع من الدرع.

تعامل الاعلام الاسرائيلي مع المشهد في القدس

يمارس الإعلام الإسرائيلي ترتيب الأولويات الإعلامية ورسم الإطار الإعلامي بشكل يضمن إرضاء مسؤولي الرقابة الإعلامية، ويتوافق مع توجهات الحكومة وتطلعاتها، إضافة لإثراء المحتوى الإسرائيلي وتعبئة الجمهور بكل ما يخدم الرؤية الإسرائيلية للأحداث في القدس، والتي تنبع أساسا من الفكر الديني والسياسي الإسرائيلي.

وقد يكون هناك تنوع بسيط في التغطية بين وسائل الإعلام الإسرايلية، فصحيفة "هآرتس" مثلا حاولت أن تكون وسطية دون أن تخالف خط الحكومة الإسرائيلية أو تعارضه، فيما صحيفة "يديعوت أحرنوت" أظهرت تأييدها لقرارات الحكومة الإسرائيلية والاعتداءات على الفلسطينيين، ودعمت قوات الإحتلال التي تحاول أن تحفظ الأمن حسب ادعائها.

صحيفة "معاريف" حاولت التركيز على بعض الآراء المناقضة لأقوال الوزير أردان فيما يتعلق بالقضاء، مثل اعتراضات رئيسة المحكمة العليا ناؤر على التدخل بالقضاء، إلا أنها حفظت نفس الخط الداعم فيما يتعلق بتغطية الاعتداءات على الأقصى والمرابطين.

أما صحيفة "اسرائيل اليوم" فهي المصفقة لنتنياهو وحكومته، ومازالت توافق وتدعم كل ما يحدث، وبشكل عان فإن أغلب وسائل الإعلام الإسرائلية كانت على نفس النسق، سواء الناطقة بالعربية أو العبرية، أي أنها داعمة لتوجه الحكومة وقوات الإحتلال في القدس بل تروج له.

ولوحظ في بدايات الأحداث يوم الاحد 13/أيلول، تجاهلا واضحا من الإعلام الإسرائيلي لما كان يدور في المسجد الأقصى من اقتحامات واعتداءات، وقد زاد من هذا التجاهل تزامن الأحداث مع ما يسمى "برأس السنة العبرية" التي أيضا تكون فيها وسائل الإعلام في نوع من الإجازة.

لكن وبعد مقتل المستوطن الكسندر لبلوبيتش إثر تعرض سيارته للرشق بالحجارة وعدم السيطرة عليها في منطقة "أرمون هنتسيف" بالقدس المحتلة، انتقل كل تركيز الإعلام الإسرائيلي على الحادثة لتصويرها على أنها "إرهاب الحجارة" وتهويلها، دون التطرف لخلفيات الواقعة من اعتداءات في القدس، وإطلاق نار وتفريق للمصلين في الاقصى، ولم تقصر وسائل اعلام الاحتلال في التعامل مع الحدث كحدث انساني محزن.

كما اعتمد الإعلام الإسرائيلي سياسة تقديم المبررات للاعتداءات على المقدسيين، كأن يكون سبب الاقتحام رشق بعض الشبان الحجارة، وكذلك الاعتداء على المرابطات وسحل بعضهن على الأرض بحجة رشقهن جنود الاحتلال بالماء، أما التبرير الاكبر فكان لقوانين نتنياهو التصعيدية، حيث أرجعها الاعلام لمقتل المستوطن لبلوبيتش.

وكان أسلوب التهويل واضحا من خلال خطابات السياسيين الإسرائيليين والصور التي يعرضها الإعلام الإسرائيلي والمصطلحات المستخدمة، فتم تصوير الاعتداءات على أنها تهدف لحفظ الأمن والأمان في المسجد الأقصى ومحيطه، أو لمنع ما اسموه بأعمال الشغب، والسيطرة على القاء الحجارة التي قد تؤدي إلى مقتل إسرائيلي، لذلك يجب مكافحة الراشقين، "فالمستوطنين أصبحوا يخشون على حياتهم في أحياء القدس من الحجارة".

وكانت أبرز المصطلحات التي وصف الإعلام الإسرائيلي بها الأحداث "إرهاب الحجارة"، و"الإرهاب الشعبي"، و"أحداث الأرهاب"، و"الإرهاب في القدس"، علما أنها تعتمد الاسم الديني التوراتي عند الحديث عن الاقصى وهو "هار هبايت" أي جبل الهيكل.

كما صور الاعلام الاسرائيلي ما حدث في الأقصى على أنه نتاج للتحريض الفلسطيني لاهالي القدس على الانتفاضة ضد سلطات الاحتلال، وذكرت صحيفة "يديعوت أحرنوت" تحديدا أن حركة حماس وبعض القيادات في السلطة الفلسطينية وراء ذلك.

كل ذلك خلق صورة لدى كل من يتابع ويشاهد وسائل الإعلام الإسرائيلية بأن المستوطنين في القدس مظلومون من الفلسطينيين، وأن كل ما يتخذونه من إجراءات يدخل في إطار "حق الدفاع عن النفس" الذي كفلته القوانين الدولية، فالفلسطينيون هم المعتدون الذين يجب طردهم حسب مطالبات بعض رؤساء الأحياء اليهودية في القدس.