رام الله – خاص قُدس الإخبارية: عشر أعوام مرت على أصعب استيقاظ في حياة نبيل حامد (24) عاما، حين فتح عينيه على شعور اللا شيء بنصفه السفلي، ليعود متفرجا على مدرجات ملاعب كرة القدم وليس لاعبا ماهرا كما كان، وكما سعى أن يكون.
في (17) تشرين ثاني من عام 2005، اتفق نبيل وأصدقاؤه على الذهاب لمساعدة أهالي بلدة سلواد شرق مدينة رام الله في قطف الزيتون، ليتفاجأ الفتية بزخات من الرصاص الحي تلاحقهم وتحاصرهم، وتبدأ جولة من السباق المفاجئ بين الموت والحياة.
واصل الفتية الركض، فيما اصطاد جنود الاحتلال نبيل برصاصتين في ظهره، أسقطته مغشا عليه، ليترك أكثر من ساعتين دون إسعاف، "بعد مضي ساعتين، نقلوني بطريقة وحشية جدا بجري على الأرض، تعذبت كثيرا في تلك اللحظات"، مشيرا إلى أن الجنود صادروا مركبة أحد المزارعين ونقلوه بها إلى معسكر "عوفرا" حيث جاءت طائرة مروحية ونقلته إلى مشفى "هداسا" في القدس.
كأسير عامل الاحتلال نبيل الذي لم يتجاوز حينها (14 عاما)، فقيده من يديه وقدميه، وأخضعه لحراسة مشددة من جنود الاحتلال الذين حاولوا اغتياله مرة أخرى، "حاول أحد الجنود إزالة أجهزة التنفس عني، لكن الطبيب انتبه له وأخرجه من الغرفة"، مضيفا، أنه أخضع لجولات من التحقيق رغم وضعه الصحي.
سببت الرصاصتان كسورًا في الفقرات الرابعة والخامسة والسادسة في العامود الفقري، إضافة لقطع الحبل الشويكي، وثقب في الرئتين، "الآن أعاني من شلل نصفي، فلا أشعر بأطرافي السفلية، كما أعاني من مشاكل تنفسية وخاصة في فصل الشتاء".
نُقل نبيل بعد 20 يوما إلى مركز أبو ريا للتأهيل في رام الله، ليبدأ العلاج الطبيعي والتأهيل لاستخدام الكرسي المتحرك، فلا ركض وراء الكرة بعد اليوم، إلا أن الركض في الحياة سيستمر. فنبيل عاد إلى المدرسة، والتحق فيما بعد بالجامعة، ثم فتح محلا للأدوات الكهربائية.
التعايش مع الألم بات سهلا على نبيل مع الأيام، إلا أن الاستسلام لم يكن واردا يوما في حساباته، والسعي للعلاج واستعادة القدرة على المشي لم يتوقف للحظة، "الأيام مرت، والبحث عن العلاج لم يتوقف، ووجدت ما أعاد لي الأمل، إلا أن التكلفة كانت عالية جدا".
واصل نبيل وعائلته طرق أبواب المسؤولين لإيجاد علاج لنبيل قبل فوات الآوان، إلى أن الأبواب لم تفتح، لتكتشف العائلة أن حرمان نجلها من العلاج كان بسبب خلفيتها السياسية.
"بعد ثلاث سنوات، اكتشفت وجود علاج في الصين عن طريق زراعة خلايا جذعية خلال عملية جراحية تصل تكلفتها لـ 37 ألف دولار، فتواصلت مع المستشفى وأرسلت لهم التقارير الطبية، وتوجهت مجددا للسلطة لتوفر لي تغطية للعلاج البالغة، فكان الرد أن مشافي الصين لا تستقبل الفلسطينيين".
لكن نبيل اتصل على أحد المستشفيات الصينية والتي أخبرته أنه لا يوجد أي مشكلة في استقبال مريض فلسطيني وتقديم العلاج اللازم له، كما أكد الأطباء الصينيون بعد دراسة ملفه الطبي أن الوضع مطمئن والعلاج قد يؤدي لنتائج إيجابية. وجد نبيل علاج آخر في دولة التشيك وفي الولايات الأمريكية لكن دون فائدة.
"وجدت تقصيرًا كبيرًا من الجهات الحكومية، لم يقف أحد بجانبي، ولم يقدموا لي شيء"، لم يتسلل اليأس إلى نبيل الذي ما زال مصرا على تلقي العلاج، "دائما لدي الأمل لإيجاد علاج واستعادة قدرتي على المشي، ايماني في الله كبير، ولن أستسلم أبدا، وحتى لو لن أمشي مجددا فسأواصل حياتي بشكل طبيعي".
وعن رسالته للمؤسسات الحكومية يقول نبيل، "أنا ضحيت بنفسي لأجل الوطن، وأصبحت جريحا أعاني من إعاقة سببها رصاص الاحتلال وليس بحادث سير أو غيره"، مضيفا، "أناشد كل المسؤولين للتدخل والوقوف معي ومساعدتي ولو باتصال".
وأضاف، أن الفضل في إرادته القوية وتمسكه بالأمل هم أصدقائه وعائلته، "لم يتخلوا عني لحظة، الكل كان حولي ولم يقصروا معي يوما، وساعدوني لأمارس نشاطاتي اليومية".
ويروي نبيل أن أكثر من آلامه بعد الإصابة، جلوسه على مدرجات ملاعب كرة القدم، بعد أن كان لاعبا في نادي سلواد، "بعدما كنت لاعبا أصبحت أجلس متفرجا على أصدقائي وهم يركضون ويلعبون، كنت أتألم كثيرا مع هذا الحرمان وهو ما دفعني للبحث المتواصل عن علاج". مضيفا،" أول شيء سأفعله بعد أن أمشي على قدمي، هو اللعب بالكرة".