ظن الناس في غزة خلال الأيام الماضية أنهم على أبواب تهدئة تستمر لسنوات مع تثبيت وقف إطلاق النار ووقف الحصار وإعمار القطاع وحل مشاكله المختلفة، وأنه لم يتبق إلا التوقيع لكن هذا لا يتماشى مع حقيقة الموقف الذي يقول بأن أمام غزة الكثير من أجل أن تصل إلى ذلك في هذه المرحلة.
توني بلير الذي يلعب دور العراب في هذا الاتفاق ويطوف على حماس ويزورها في قطر من فترة إلى أخرى بعروض وصيغ ومقترحات مختلفة من أجل تثبيت وقف إطلاق النار والوصول إلى تهدئة، ليس له أي صفة رسمية تعطي مقترحاته صفة جدية فهو الآن يعمل كمستشار لدى بعض الأنظمة العربية بمقابل مادي كما ورد في الجارديان وعدة صحف عالمية أخرى.
إذن، توني بلير الذي قبل بالعمل أجيراً لصالح تلك الأنظمة لا أعتقد أن ما يدفعه في هذا المجال أمر مبادئي أو إنساني خوفاً على حياة الناس، ذلك أن هذا الأمر لم يكن واضحاً عليه عندما كان أكثر سلطةً ونفوذاً من قبل، ويبدو أن في هذا الحراك الكثير من التفاصيل التي ينبغي وضع النقاط على حروفها، حيث إن بلير في أكثر من مرة عرض على المقاومة وقادة حماس في الدوحة الانخراط في ما تسمى بعملية السلام، وأن يكون الحل شاملاً وكاملاً كما يريد المجتمع الدولي وكما تنص الاتفاقات الدولية السابقة، إلا أن رد حماس كان قاطعاً في ذلك حيث إنها رفضت هذا المقترح وهذه الصيغة كما علمت من مصادر قيادية موثوقة وقالت: ينبغي التركيز على حل مشكلات غزة وأن مصطلح السلام الشامل هذا أصبح ممجوجاً ومرفوضاً وفقد قيمته الحقيقية والشعبية والاتفاقات السابقة كانت مجحفة في مجملها ورفضها الشعب الفلسطيني. ما يجري لا يزال في إطار التفاهمات فقط وأن العلاقة بين الطرفين لا يزال يشوبها الشك فحركة حماس طلبت من بلير براهين تؤكد مدى صدق مساعيه ومدى قدرته على تنفيذ وعوده أو ما يقترحه وحتى جزء منه لذلك طلبوا منه رؤية بعض البراهين واقعاً في غزة تساهم في تسهيل حياة الناس وتخفف عنهم من خلال فتح المعابر وتسهيل الإعمار وحل أزمات الرواتب والكهرباء وبعدها من الممكن المضي في خطوات أخرى.
إلا أن الإعلام العبري يقوم بحملات رخيصة تستهدفه المزاج الشعبي للسكان المحاصرين في غزة، حيث بات واضحاً ذلك من خلال تعمدهم تسريب أخبار مغلوطة حول التهدئة وقرب إنجازها، مع بعض التفاصيل المحبوكة وما إن تنتشر هذه الأخبار كالنار في الهشيم حتى يبدأ النفي والنفي المقابل من جديد في حالة تراجيدية لها انعكاس سلبي على الناس بهدف استثارتهم بشكل أو آخر للتذمر من هذا الواقع وشحنهم بمزيد من خيبات الأمل.
فكل الخشية أن يكون ما يجري هو شيء من سياسة العصا والجزرة لأجل كسب الوقت لا أكثر فهذا ديدن الاحتلال الذي يماطل ويراوغ ولا يعطي بسهولة، وهنا يبدو أن المقاومة لمست شيئاً من ذلك حين أعلن قيادي في كتائب القسام قبل أسبوعين عن معلومة تبدو مجانية حول امتلاكهم أشلاء جنود من الحرب الأخيرة غير أولئك الجنود الأسرى الذين أعلنوا عنهم خلال الحرب، لكن يبدو أنهم كانوا يريدون اختصار الوقت من أجل الوصول إلى الصفقة في ظل البرود «الإسرائيلي» تجاه القضية ولتحريك الرأي العام الداخلي لدى الاحتلال من أجل الضغط على حكومتهم لعدم تجاهل هذه القضايا التي وإن تحركت داخلياً لديهم سيتم اختصار الكثير من الوقت وهذا ما حصل سابقاً في قضية جلعاد شاليط على سبيل المثال، ويبدو أن هذا الثمن الذي كانوا يريدونه وأعتقد أنهم سيستمرون بإرسال بعض الإشارات حتى يتحرك الملف بشكل حيوي ولا أظنهم سيتركون الأمور تسير بهذا الشكل مهما كلف الثمن.
لا أحد يريد الحرب ولكن الحرب مستمرة في غزة ما دام الأمر على حاله والحصار والأزمات بهذا الشكل ولا تختلف الحرب الحالية عن الحرب المتعارف عليها سوى إن إحداها تقتل سريعاً والأخرى ببطء والإنسان خلق عجولاً فمهما بلغ الصبر من مدى فإن له في النهاية حدا.