غزة - خاص قُدس الإخبارية: لم يتجاوز "محمد ماجد أبو معمر" عقده الثاني، لكن عقليته كانت قادرة على تخطي الفروق الزمنية تمامًا، وباجتهادٍ شخصي، صمم برامجه الخاصة، ابتداءً بتبني الفكرة والعمل على إنجازها وإخراجها واقعًا يرى النور.
مؤخرًا، أعلن الشاب محمد أبو معمر طالب السنة الأولى لهندسة الحاسوب بجامعة الأزهر بغزة، عن تصميمه لأداة تُعد الأولى من نوعها، باعتبارها أداة احترافية ذكية جدًا، تعمل مخفية داخل نظام الويندوز وبمجرد وضع أي "فلاش" داخل الجهاز تتعرف عليه تلقائـيًا وتقوم بأخذ ملفات من الفلاش إلى مسار محدد بالجهاز وبسرعة خيالية، حيث تقوم بنسخ 250 ميجا بغصون 12 ثانية و60 ميجا بـ 4 ثوان.
ومن الخصائص التي تتميز بها هذه الأداة، أنها تقوم عند تشغيلها بتحديد نوع الملفات التي تريد سحبها من الفلاش وتعمل مخفية، كما تعرف تلقائيًا حال وضع الفلاش ولا تظهر شيئًا أمام المستخدم وإنما تقوم بعملها دون أي اشعار.
كما يوضح أبو معمر لـ قدس الإخبارية، أن الأداة تقوم بنسخ الملفات في مجلد معين عندما تنتهي تتوقف عن النسخ تعلم أنها انتهت، فيما تستطيع الوصول لجميع الملفات داخل الفلاش حتى لو كانت داخل 1000 مجلد، ولو كانت الملفات مخفية
وتتميز بخاصية الحساسية حيث أنه لو كان الفلاش مشبوكا وقامت بالنسخ في مجلد معين، وقمت أنت بحذف الملفات المنسوخة داخل هذا المجلد وما زال الفلاش مشبوكا تقوم بنسخها مجددًا لأنها تعلم بأنك قمت بحذف الملفات
كما بالإمكان وضع الأداة في الريجستري "بدء التشغيل"، وإزالتها من الريجستري "بدء التشغيل"، كما أنها تعمل على نسخ 21 نوعًا من الملفات بشكل تلقائي.
برامج وأدوات سابقة
أداته السابقة ليست الوحيدة التي برمجها محمد، على الرغم من تميزها، فان " أداة تشفير الصور"، التي تقوم بتشفير الصورة المحددة، بحيث لا يمكن عرضهـا إلا بعد فك التشفير سواء على نفس الجهاز أو جهاز أخر، كانت إضافة نوعية مميزة له كذلك.
أما أول برامجه على الإطلاق هو ما صممه لخاله لمساعدته في المبيعات، فقد برمج له ما يساعده على تنظيم المبيعات وتوثيقها، إضافة إلى برامج للديون والحسابات الشهرية للزبائن بطريقة إلكترونية سهلة، كما يُذكر له ابتكاره لبعض الأدوات الأخرى كمفكرة خاصة، وفلاش ويندوز.
بدايته وسنواته
منذ سنوات حياته الأولى، جلب والده جهاز حاسوب قديم على المنزل مع محاولات استصلاحه، وأنزل عليهم لعبة "ماريو" الشهيرة آنذاك، فيما قضى محمد طفولته جالسًا على جهازه أمام الألعاب الالكترونية.
وقال محمد مستعرضًا قصة حياته، إن والده علّمه الدرس الأول في الحاسوب وطريقة تثبيت الويندوز على جهاز الحاسوب كان اسمه " الميلينوم" قديمًا، وفصله من الكهرباء في حال تعطّل الجهاز، لكنه كان طامعًا في معرفة أكثر من ذلك، ومعرفة طرق إصلاحه كاملة في حال خرابه.
يومًا بعد يوم، تزداد المهارات وتتطور، فأبو معمر أوضح أن كثرة الجلوس أمام الحاسوب منذ كان في الرابعة من عمره، حتى بداية وعيه، كانت قادرة على جعله يعرف الكثير بحكم التجربة والبحث، حتى وصل إلى أن يقتصد من مصروفه اليومي لاستحداث ألعاب جديدة واستحداث قطع بجهاز الحاسوب خاصته.
قدوم الانترنت للمنزل، كان بداية الصيحة الأهم وتتويجًا حقيقًا لمرحلة البحث الجادة عن كل جديد، ففي صفه الدراس السادس تقريبًا كان محمد من رواد مواقع الانترنت ومستخدمي الشبكة العنكبوتية ومراسلي الايميل.
"خدمني لما سرقني"
الفيصل في حياة محمد كان عندما تجرأ أحدهم بسرقة " الايميل الخاص" به، بوجهة نظره، وهو الذي كانت تتحاكى المنطقة بأكملها عن تعلقه بالكمبيوتر وجلوسه عليه ومعرفته به، وأن الحديث الذي يدور كان " كيف قدر يسرق له ايميله؟!"
محمد يقول،" كنت في صفي التاسع الأساسي، وأنتظر أن ينتهي عامي الدراسي بسرعة حتى أجلس بشكل مكثف على الحاسوب لأجد طريقة أسترجع فيها حسابي الذي سُرق، حتى بدأت الإجازة الصيفية وعكفت طيلة النهار في البحث عن أساليب الاختراق وكيفية سرقة الحسابات واسترجاعها
ويضيف، "خلال بحثي عن هذا الموضوع تعلمت الكثير الكثير عبر قراءتي وبحثي وحضور المحاضرات الالكترونية على الشبكة، حتى وصلت لتطبيق ما أراه وأتعلمه بشكل خاص وبإطار ضيق، وكان لي أن استرجعت حسابي المسروق بعد عام، وهذا كان بمثابة إعلان الانتصار الأول".
توسعت مداركه شيئًا فشيئًا، حتى التقى بشابٍ صدفة، كان قد أعلن عن نيته إنشاء فريق للمحترفين، فما كان من محمد إلا أن أرسل طلبًا له بالانضمام، ليجيب الشاب المعلن أنه يشترط الإجابة عن بعض الأسئلة التي تؤهله لدخول فريق المحترفين، أجابها محمد والتقى بصديقه الأردني الذي كان عونه حتى الآن.
تعلّم أبو معمر ما يسمى بـ"الهندسة الاجتماعية"، وهي التي تعني استغلال الهندسة بالعلاقات الاجتماعية واقناعها بشكل هندسي وكأنه يتبرمج على عقولهم، فوجدها مهارة متواجدة به فطريًا لكنه عمل على الاستزادة من الأمور الأخرى وتطويرها، فقال" الصف العاشر كان بداية مرحلة التغيير والانقلاب عندي، وبدأت أشعر أنني أتعرف على أمور كبيرة قادر على استغلالها بشكلٍ مفيد"
طلب مني صديق لي كان يساعدني في الحصول على أدواتي العمل على فلاش يتعرف عليه الحاسوب كأنه أسطوانة ينزل عليه ويندوز واسطوانة صيانة، فائدته أنه الفايروس لا يدخل فيه أبدًا ولا يُحذف ما عليه، أخذ من وقتي 3 أسابيع لعمله بإتقان، يقول محمد.
مرحلة وعي جديدة
أنهي محمد الثانوية العامة بمعدل 79.8، وبدأت تتشكل لديه توجهات بدراسة هندسة الحاسوب كنوع من الطموح، لكنه بدأ التخطيط لطموحه فعليًا، وقرر البدء في تعلم لغات البرمجة قبل التحاقه بالدراسة الجامعية.
جاء العدوان الأخير على غزة، وأُلزم الغزّيون بيوتهم لأوقات طويلة، فما كان من محمد الذي امتلأ بيتهم بالأقارب النازحين إلا الجلوس لساعات أمام الحاسوب باحثًا عن محاضرات لتعلم لغات البرمجة وأساسياتها
يقول محمد، " تعلمتُ 4 لغات برمجية بشكلٍ ذاتي، خلال الحرب فقط، فحملت من النت كتب برمجة وبدأت بلغة اسمها php، كما حمّلتُ فيديوهات لأستاذ جامعي مصري اسمه شريف فتحي
وأضاف "الناس والعائلة كلها تتابع الأخبار وأحداث الموت والقتل وأنا منقطع عن العالم ومصمم أن أحيا لأتعلم لغات البرمجة، حتى تعلمت " splK، php،html ،css " الفروق بين كل لغة وأخرى.
عاود أبو معمر توجهه للمحاضرات الالكترونية، مع أستاذ آخر اسمه "علي حمدي"، حمّل فيديوهات وتعلمها وبدأ التطبيق، حتى وصل إلى تصميم موقع ويب بنسبة 50%، ثم توقف بعد هدم منزلهم في رفح وتحوله إلى عزاء، وإيقاف العمل للسعي بإجراءات الأوراق الثبوتية.
التحق بالجامعة وقد تعلم أساسيات لأربع لغات برمجية، ثم تعلم الخامسة في الجامعة تسمي لغة “c”، فما كان من صديق له إلا أن نصحه بالتوجه لتعلم لغات لبرمجة وتصميم تطبيقات الأندرويد أفضل من تصميم مواقع الويب، وتعلم اللغة السادسة " سي شارب" من خلال دكتور مصري اسمه خالد السعداني.
التحديات بدأت تثقل خاصة في ظل انقطاع الكهرباء المتواصل ودمار ما بعد الحرب والوضع العام، لكن فكرة البرمجة كانت تستحوذ على كل تفكيره حتى قال " أجلس سرحانًا بأمر برمجي وكيف يمكن حله، حتى أن دعواتي في الصلاة تكون دومًا،" اللهم وفقني في أمور الحاسوب والبرمجة واجعلها طريق خير"
الطموح كبير، والاجتهاد واضح، والقرار مسبق والتحديات صعبة، لكن محمد أبو معمر رفض السفر لمنحة دراسية في الجزائر حتى يتعلم البرمجيات بغزة، ويتقنها وتكون طريقه التي يستطيع أن يخدم بها البلاد بعلمه وطرقه الحديثة"، وعلى الرغم من تعلمه الذاتي لكل شيء لكنه لم ينسى توجيه الشكر لأهله وأصدقائه ومعلميه الالكترونيين.
ولأن فلسطين ولّادة بالنماذج الناجحة، ولأن أبناءها ما زالوا قادرين على توجيه أبصارهم إلى الأمام، فغزة ما زالت تحيا بروح طموح أبنائها وعقلياتهم التي تصنع من القليل كثيرًا وتبنى مستقبلًا جديدًا.