"شدة الموقف أعظم من أن أفكر في شيء غير خوفي من انتزاع حجابي، هو هويتي كما الأقصى قضيتي وقبلتي الأولى"، هذا كل ما واجهت به الفتاة الفلسطينية دانية فضيل، جنود الاحتلال الإسرائيلي الذين طوقوها خلال تصديها لهم عقب اقتحام المسجد الأقصى الأحد الماضي، في ذكرى خراب الهيكل المزعوم.
بصقة جندي
يحكي موقع "عربي21" حكاية عشق وحب وانتماء، ترسم فصولها دانية باسم فضيل التي لم يتجاوز عمرها سبعة عشر عاما، من خلال حديث حصري معها: حيث قالت "رزقنا الله حب المسجد الأقصى، وشرف العمل من أجله، وكلفنا بأمانة لطالما سألنا الله أن يحفظها، وهي الحفاظ عليه وحمايته من أدنى دنس يصيبه حتى أكبر مخطط تهويدي يهدف لانتزاع شبرٍ منه".
وأضافت دانية: "نأتى المسجد الأقصى في كل مرة مدافعين بقلوب مؤمنة، وأرجل ثابتة لا تتزحزح، ونصدح بالتكبير، ونتحمل ركلة الجندي، وضربة كفه وبصقته النجسة أحيانا".
وتحكي دانية أنها في ذات مرة استخدمت قارورتين من الماء حتى استطاعت إزالة "بصقة جندي إسرائيلي" أصابت حجابها. وسردت الفتاة الفلسطينية التي قهرت الاحتلال ما حدث يوم الأحد الماضي، حينما أغلق جنود الاحتلال الأقصى في وجه المسلمين، وسمحوا للمستوطنين بتدنيسه، فقالت "عزمت وصديقاتي المقدسيات على الرباط عند باب السلسلة (مكان خروج المستوطنين بعد اقتحامهم الأقصى) بعدما رأينا الحواجز الإسرائيلية عند كل باب، ففهمنا أن الأقصى مغلق بوجوهنا"، مضيفة أن خطة الاحتلال هي "تفريغ الأقصى من أهله ليخلو للمستوطنين وحدهم لإقامة صلواتهم التلمودية، وتصوير عملية الاقتحام بشكل مباشر عبر قنواتهم التلفزيونية لأول مرة".
شرطية إسرائيلية
وتابعت الفتاة الفلسطينية : "في هذا اليوم رأيت قوات خاصة مدججة بالسلاحِ تضرب وتعتقل وتصيب المرابطين وتدفعهم إلى الوراء؛ لجعل الطرق آمنة للمستوطنين أثناء خروجهم من الأقصى"، مشيرة إلى أن قوات الاحتلال استخدمت "قنابل الصوت لإثارة الرعب في قلوب المرابطين".
وعبرت فضيل عن حسرتها على المهانة التي تعرضت لها المقدسيات بالقول "لا أنسى تشبث إحدى المرابطات بمكانها رغم إصابتها بتلك القنابل في ظهرها، وشهدت دموعها المنهمرة على توجعها لكنها لم تتزحزح"، مستذكرة لحظة مباغتة القوات الخاصة لها من الخلف، وضربها وركلها واعتقالها بعدما اعتدت بـ"الضرب القاسي على إحدى المرابطات التي أتت للدفاع عني، والتي أصيبت بظهرها ويديها ورجلها".
وكشف فضيل في حديثها لـ"عربي21"، أنها "تعرضت للتفتيش العاري من طرف شرطية إسرائيلية في مركز شرطة ، مؤكدة أن ما جرى لها "كانت محاولة قاسية منها لتعذيبها نفسيا وتثبيط عزيمتها ". وشددت المناضلة الفلسطينية على أن ما يسعى ويحلم به الاحتلال "لن يصل إليه أبدا ما دمنا أقوياء"، موضحة أن الشرطية اليهودية "كبلت يديها بقوة بعد التفتيش، وأمرتها بأن تلزم الوقوف أمام الحائط والسكوت فورا مهددة إياها بالضرب".
دماؤهم الزكية
"كانت صيحات التكبيرِ في الخارج تعلو، وتهز جدران "بيت الياهو"، وفي كل مرة كنت أسمعها أحس بالفخر والنصر، ونار قلبي التي كانت تشتعل هدأت، وأصوات قنابل الصوت المريبة جعلتني لا أكف عن الدعاء لإخواني المرابطين والمرابطات عند الأبواب"، تصف دانية المشهد الخارجي أمام بوابات المسجد الأقصى خلال اعتقالها.
وأضافت أن الاحتلال قام بنقلها لمركز القشلة، حيث جلست وحدها كفتاة، في حين كان هناك العديد من "الشباب الفلسطينيين المعتقلين ودماؤهم كستهم بعد الضرب الذي تعرضوا له من قبل جنود الاحتلال"، مستذكرة ذاك الشعار الرنان الذي يصدح به المرابطون "بالروح بالدم نفديك يا أقصى".
وتتساءل الشابة الفلسطينية: "هؤلاء الشباب قدموا دماءهم الزكية فداء للأقصى، فماذا قدمنا نحن؟!"، ليبدأ التحقيق معها بعد انتظار دام أكثر من أربع ساعات بعد تمكنها من الصلاة ومناجاة ربها أن يمنحها "القوة والثبات وقول الحق"، وتقول وعيونها تملؤها الدموع "الله قواني، الله نصرني، الله نجاني منهم، سبحانه ما شكرته حق شكره".
سجون الاحتلال
وأوضحت دانية أنها "أنكرت كافة" التهم الموجهة إليها والتي تمثلت في "البصق في وجه مستوطن، ومحاولة عرقلة مسار المستوطنين المتجهين نحو الأقصى"، مشيرة إلى أن الاحتلال أخضعها لـ"فحص الـ (DNA)عن طريق اللعاب وطبعت بصمات أصابعي"، وقرر المحقق الإفراج عن الفتاة بشرط حضورها المحكمة في اليوم التالي بعد اعتقال دام 8 ساعات.
وتصف فرحتها الكبيرة بالحرية التي "لم يتسع قلبي لها وأنا نفسي أتحرك بحرية تامة بعد اعتقالي وتكبيلي"، مؤكدة أنها "المرة الأولى" التي تدرك فيها حجم المعاناة التي يلقاها الأسرى الفلسطينيون القابعون في سجون الاحتلال، ما دفعها للدعاء لهم أن "يرزقهم الله فرحة الحرية".
وترفض دانية الحكم الذي صدر بحقها بالإبعاد عن الأقصى والبلدة القديمة 60 يوما، مؤكدة أن "هذا ظلم شديد، فمن حقي أن أصلي في المسجد الأقصى واتجول في باحاته، ومن حقي أن أعيش بكرامة وحرية، ولا يملك أحد أن ينزع ذلك الحق مني".
وتعبر الفتاة الفلسطينية عن سعادتها بردود فعل "أبناء أمتي لصوري أثناء اعتقالي والتي فاقت توقعي بشكل رهيب"، مؤكدا أن ذلك "يشجعها على مواصلة الدرب في نصرة الأقصى".