أعجبني تصنيف كراوس إليس وبريسيلا لامبرت لأنواع الكلاب الإعلامية ووظائفها التي يتحلى بها الإعلام في أي دولة، سواء كانت ديمقراطية أو دكتاتورية، وقد لا تكون وظائف الكلاب الإعلامية مجتمعة كلها في البنية الإعلامية الواحدة، إلا أن الإعلام يكون مضطرًا لاتخاذ إحدى أشكال الكلاب الإعلامية.
وقُسّمت الكلاب الإعلامية حسب وظيفتها إلى خمسة وظائف سأفصلها وأعرفها في هذه المقالة وأسقطها على واقع الإعلام الإسرائيلي الذي يعتبر الواجهة الإعلامية لما يسمى على الأقل إسرائيليًا أكثر دول الشرق الأوسط ديمقراطية وحرية وتقدما".
كلب المراقبة: أي أن وسائل الإعلام تسعى لأن تكون رقيباً على كل ما يدور في المجتمع من مدخلات ومخرجات، وتقيّم آداء مكونات المجتمع وتحاسبها، وهو أقوى وظيفة للإعلام بحيث يعتبر الإعلام هنا سلطة رابعة له تأثيره واحترامه. ولو قسنا ذلك على الإعلام الإسرائيلي فإنه لا نكاد نرى ذلك إلا في القضايا الجنائية والمدنية والفضائح أحيانا لكنه لا ينتقد الحكومة والأداء العسكري مثلا إلا إذا زاد الأمر عن حده وصرح بذلك سياسيين كبار، وهنا لا يمكن اعتباره كلب مراقبة.
كلب الحراسة: وتعني هذه الوظيفة أن وسائل الإعلام تقوم بحراسة فقط للمؤسسات النافذة في المجتمع، وقد يصل ذلك إلى التكتم على فضائحها وأخبارها السيئة، وهذا تماما ما يطبقه الإعلام الإسرائيلي في التعامل مع مؤسسة الجيش والحكومة في الغالب، وأحيانا قد يحرس شركات “إسرائيل”ية كبيرة لها تاثيرها ونفوذها.
الكلب المرشد: وتعني أن وسائل الإعلام تقوم بدور المرشد أو الدليل الذي يمد المواطنين بمجموعة من المعلومات عن السياسات، وصانعي السياسة، والتي يحتاجونها لصنع القرارات، ولتقييم قادتهم، ولكن في الغالب هذه المعلومات تكون مفلترة بطريقة ما بحيث لا ينشر إلا ما يتناسب مع ما يريده أصحاب القرار، وفي الإعلام الإسرائيلي يشيع إستخدام هذا النوع وخاصة في الحرب، حيث أن المعومات الإرشادية مصدرها الحكومة والجيش وبذلك يتم التعامل معها من قبل الأجهزة الأمنية والعسكرية على أنها معلومات أمنية، وظهر خلال الحرب الأخيرة على غزة هذا النوع جليا وخاصة فيما يتعلق بأماكن سقوط الصواريخ الفلسطينية والتكتم على أعداد القتلى والمصابين الإسرائليين.
الكلب الأليف: أو الكلب الناقل وتعني هذه الوظيفة أن وسائل الإعلام ترتمي في حضن المؤسسات الاجتماعية والسياسية دون أن تكون أداة مستقلة، ودون إبداء أي مساءلة للسلطة، وهذا يكون حال أغلب المؤسسات الإعلامية الحكومية والحزبية، ويظهر ذلك جليا في منطقة الشرق الأوسط، وفي “إسرائيل” عندما نتابع الإعلام الحكومي مثل الإذاعة العبرية، أو صحيفة "إسرائيل اليوم" وغيرها تكون هذه الوظيفة واضحة، لكن المشكلة في الإعلام الإسرائيلي أن الاعلام الغير حكومي أيضا يطبق هذه الوظيفة وباتقان، وخاصة في تغطية القضايا المتعلقة بالشأن الفلسطيني والعربي، ومثل ذلك صحيفة "يديعوت أحرنوت" و"معاريف" وغيرها.
الكلب القائد: وتعني هذه الوظيفة أن وسائل الاتصال تقوم بدور وضع الأجندة للقضايا المطروحة على الساحة السياسية، وتعود هذه الوظيفة إلى تطبيق نظرية ترتيب الأولويات (الأجندة) الإعلامية التي تركز على تغطية أحداث معينة واهمال أخرى حيث أنها تخبر للجمهور بماذا يتوجب عليه التفكير، والإعلام الإسرائيلي ركز خلال تغطيته في الحرب الأخيرة مثلا على أن المقاومة الفلسطينية في غزة هي من تطلق الصواريخ دوما، وأنها تمارس الإرهاب والقتل ضد الإسرائيليين، كما تحدثت في الغالب عن القضايا العسكرية والأمنية خلال الحرب لجعل تفكير الجمهور موجها إلى ذلك، وحاولت تحريضه على الفلسطينيين الذين يعتبرون بنظرهم المسببون للحرب، وكذلك لتبرير مواقف الجيش الإسرائيلي وما يرتكبه من جرائم.
موضوع وظائف الإعلام في الدولة يمكن قياسه على كل الدول ومعرفة أي وظيفة للكلب الإعلامي مستخدم فيها، وهو ما يساعدنا في فهم والتعرف على كيفية التعامل مع إعلام هذه الدولة، ولكن في الغالب نجد أن وظيفة المراقبة والمسائلة الإعلامية مغيبة، أو أنها تخضع لشروط معينة وهذا ربما يرجع إلى نتائح دراسة حديثة في عام 2011 أثبتت أن 97% من المؤسسات الإعلامية في دول العالم مملوكة للحكومات والعائلات التي أوجدت الإعلام من أجل الحفاظ على مصالحها أولا، وهذا يعني أننا سنجني منسوبا أقل من الحرية الإعلامية.
لا شك بأن “إسرائيل” تسرف في استخدام الإعلام كي يكون كلبا أليفا ومرشدا وقائدا وحارسا، لكنه ليس مراقبا، وما زلت أذكر ما قاله مسؤول الرقابة العسكرية الإسرائيلية "فاكنين جل" في العام 2010 بأنه سيمنع كل ما يفيد الأعداء ويقصد العرب والفلسطينيين من النشر، وأن الصحفيين الإسرائيليين أصبحوا يعلمون ماذا يتوجب عليهم نشره من عدمه. فبعد كل هذه السنوات من الرقابة العسكرية وما تولد لديهم من رقابة ذاتية أصبحوا لا يفكرون بنشر القضايا المختلف عليها أو التي قد تسبب لهم مشاكل مع المتنفذين وأجهزة الرقابة والدولة.
أستطيع القول أيضا بأن هذا ينطبق على حال كثير من دول العالم ليس فقط “إسرائيل”، فدول الشرق الأوسط موغلة أكثر ربما في إقصاء كلب المراقبة، لكن تبقى خصوصية لفهم آلية عمل الإعلام الإسرائيلية من أجل محاولة التصدي له وأن يكون هناك إعلام مضاد وإعلاميين واعيين لما ينشر فيه، وقادرين على التعامل معه ومع كل سمومه.