ترجمات عبرية-قدس الإخبارية: قالت دراسة جديدة صادرة عن مركز أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيليّ، التابع لجامعة تل أبيب، إنه "في الأسابيع الأخيرة، عاد التخوف من التصعيد العسكري في قطاع غزة، توترات داخلية في القطاع بين حماس وتنظيمات الجهاد السلفي المحلية، من شأنها أن تجر "إسرائيل" وحماس لجولة مواجهة أخرى ليس الطرفان معنييْن بها، بينما في الخلفية النقاش الحالي حول الوضع الأمني على الساحة الغزية، ويجب ذكر العلاقة السياسية الجيو-إستراتيجيّة الأوسع، التي في إطارها تواصل غزة لعب دور أساسي وحاسم على وجه الخصوص".
وأوضحت أنّ غزة عادت لتعتبر أكثر فأكثر نقطة منها يُمكن أوْ ربما يجب أنْ يتجدد الحوار السياسي الجغرافي بين إسرائيل والفلسطينيين، لا شك أن تطبيق خيار غزة أولًا كعصا القفز لتقدم العملية السلمية ستكون أكثر تعقيدًا، وسيما على ضوء حقيقة انفصال الصراع الإسرائيليّ الفلسطينيّ إلى ثلاثة صراعات في العقدين الأخيرين: بين "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية وحماس.
ولكن أحد الدروس الأساسية الذي استفيد من العوارض في تلك السنوات الملتهبة، شدّدّت الدراسة، هو أن محاولات الماضي في التنصل من قطاع غزة ومن حماس من أجل الانطلاق العملية السلمية لم تقرب إسرائيل والفلسطينيين من اتفاق السلام، حيث ركزت السياسة الإسرائيليّة جهودها لإضعاف حماس من خلال عزل حكومتها في غزة كلها.
على هذه الخلفية فُسر تجدد الحوار بين "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية التي تقودها فتح بأنها الطريقة لدفع تحقيق تفاهم إسرائيلي فلسطيني أو كفرصة لمواصلة عزل وإضعاف حماس على حد سواء، ومع ذلك فان السياسة الجامعة للقيود الاقتصادية والعزل السياسي لم يُخضع حماس، وبنفس القدر الذي لم يساعد فيه التنصل من قطاع غزة في إحداث تقدم باتجاه الاتفاق السياسي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
بكلمات أخرى، قالت الدراسة إنّ التنصل من المشكلة لم يحلها وإنما فاقمها، واليوم مثل الأمس حماس وقطاع غزة بقيا مكونيْن أساسييْن في الساحة الفلسطينية والتعاطي معهما ضروري لأي مسعى باتجاه عملية سياسية بين "إسرائيل" والفلسطينيين، وفي نهاية الأمر فالربط الاقتصادي بين غزّة والضفّة، سيقوم ذلك بدور حاسم في قدرة الدولة الفلسطينية العتيدة على الوجود والبقاء، وإلى حين ذلك فعلى الأسلوب الدوليّ تجاه قطاع غزة أنْ يتركز على ثلاثة مستويات: مال أكثر ووصول أكثر واستيعاب أكثر. كما رأت الدراسة أنّه بالنسبة للسلطة الفلسطينية فالضم ليس ضروريًا، فقط ممكن أنْ نؤسس من جديد تواجدها في قطاع غزة، لكن يجب أيضًا الدفع باتجاه هدف الاستقلال الفلسطيني. التنصل من حماس، وهي الجهة السياسية المسيطرة في غزة، تنصل من أنّ فرض اتفاق سياسي لا تكون حماس مستعدة لقبوله، ولو بشكل غير علني، سيُصعّب على فتح تجاوزه حتى في الضفة الغربية، ناهيك عن غزة نفسها، يفترض فعلًا أنْ تؤسس حماس آمالها على الكفاح المسلح بهدف تشويش العملية التي لا تشارك فيها، والتي قد لا تحظى منها بأيّ فائدة.
كما أكّدت أنّه حان الوقت لوقف إطلاق النار المتواصل بين إسرائيل وحماس، منذ انتهاء الجولة السابقة فالطرفان أبديا مرة تلو أخرى إصرارهما على عدم الوقوع في أيدي الفصائل الجهادية التي تريد إشعال جولة أخرى من العنف على الساحة الغزية، ولكن لا يجب السعي إلى تفاهم صريح أو ضمني بين إسرائيل وحماس على حساب السلطة الفلسطينية، والعكس صحيح: يجب إبقاء الدمج السياسي المتجدد بين غزة والضفة الغربية على رأس سلم الأولويات كوسيلة لإعادة العملية السياسية إلى مسلكها، وكذلك من الضروري أنْ نُقدّم فورًا تنسيقًا مؤسسيًا بين السلطة وحماس، إذ أن الحكومات المانحة الأساسية تضع فعلًا وبحق مشاركة السلطة في ورشة الإعمار كشرط مسبق لذلك، فالمال المطلوب والموعود به سيحول وسيتقدم المشروع بكل عنفوانه، لذلك يجب المثابرة على الالتزام للسلطة الفلسطينية كشريك فلسطيني في العملية السياسية، من خلال دعم اقتصادي حقيقي ومستمر وأمور أخرى، إلى جانب مراقبة حثيثة للتنسيق الحقيقي بين السلطة وحماس؛ بل قد يتطور الأمر إلى مجهود مصالحة آخر بين الطرفين المتخاصمين وبلورة قواعد لعب جديدة، وكذلك موازين قوى مؤسسية بينهما.
وبحسب الدراسة، فإنّه لا شكّ بأنّ مبادرة سياسية مفصلة، ولو خطة تنفيذية متدرجة طويلة الأمد فقط، تُسهم في إقناع السلطة الفلسطينية أنّ خطة غزة أولًا ثانية ليس معدة لتجاوزها كممثل شرعي للشعب الفلسطيني في العملية السياسية، وبهذا تليين موقفها تجاه التنسيق مع حماس.
بالنسبة لحماس، أوضحت الدراسة، فمبادرة سياسية تثبت للتنظيم أنّ مشروع الإعمار ليس الهدف منه بأيّ حال من الأحوال التخفيف عن تواجده العسكريّ في القطاع، بيد أنّ نزع سلاح حماس هو هدف ليس واقعيًا في الظروف الحالية، وكذلك كبح مجهود تسلح التنظيم سيكون عصيًا على التحقق أو التنفيذ، بينما جوهر الانطلاق في طريق الإعمار الشامل للقطاع يجب أنْ يُوحي لحماس أنّ عليها القيام بتنازلات كثيرة في المقابل، سواء تجاه السلطة أو تجاه إسرائيل، إذا كانت معنية فعلًا بعدم الوقوع في مخاطر أخرى على حكمها في القطاع.
وخلُصت الدراسة إلى القول إنّه على أية حال، يجب أنْ تنظر إسرائيل إلى تغيير سياسة عزل غزة وحماس، مع تركيز الاهتمام على غزة أولًا، ليس فقط كخطوة هدفها إحباط التدهور إلى جولة عنف جديدة في المستقبل القريب، وإنما أيضًا عملية محتواها تمهيد الطريق أمام تجدد حوار بناء بين إسرائيل والفلسطينيين، بحسب تعبيرها.