غزة-خاص قُدس الإخبارية: لم يكن يدري الحاج محمد الصعيدي (أبو عبد الله) أن دهانه لبيته سيقلب حارته التي يسكنها، إلى " منطقة سياحية" يرتادها الزائرون لمشاهدة مظهر الحياة فيها، أو حتى لالتقاط صورًا بجانب الألوان هناك كجوٍ جديد مع حلول الشهر الكريم.
منطقة دير اللاتين، بحي الزيتون، "الحارة الملونة"، أو هكذا تمت تسميتها بعدما تلونت جدرانها وبيوتها وشوارعها بألوانٍ زاهية تبدو مستعدة لاستقبال الحياة بوجهٍ أكثرَ إشراقًا، مع حلول رمضان يجدد فيهم ذكريات أجمل بعدما عايشوا رمضان الموت العام الماضي.
بدأت الحكاية في قيام "أبو عبد الله الصعيدي" -في الخمسينات من عمره وهو دهّان قديم-بطلاء بيته بألوان متنوعة "من الزهري إلى الأحمر إلى الأخضر والأصفر والأزرق" وتدرجاتهم، فهذه عادته في كل عام كما أكدت زوجته "أم عبد الله"، لكن المميز هذا العام هو قيامه بصنع شبكة خشبية تتعلق أعلى المساحة الأمامية لمدخل المنزل يعلّق فيها " قوارير زراعية" ملونة.
الأمر أثار إعجاب المحيطين به من الجيران والمعارف القريبين، حيث طلب منه جاره الأول "عماد نايف" أن يصنع له شبكة مماثلة يعلق فيها قوارير ملونة ويعيد دهان البيت، فوفق ما يُرى "المشهد يسر الناظرين ويثير الغيرة والتشجيع".
وكأنه عدوى الخير، باتت تنتقل كالنار في الهشيم من بيت إلى ما يجاوره، فأم عبد الله قالت " نحن معتادون في كل عام أن نستقبل رمضان بدهان المنزل، إضافة إلى أنها رغبة في التنظيف والتجديد وإضافة أمور عصرية يبتكرها أبو عبد الله"، مضيفة " لدي اثنين من أبنائي مهندسين وفتاة مهندسة يساعدوننا في الأفكار"
من منزل أبو عبد الله بداية الحي إلى جاره عماد نايف ثم إلى آل الحداد من منزل أبو نزيه إلى منزل أبو إيهاب، حتى منزل أحمد الحداد" كان كل منهم يرغب في تقليد السابق مع الحرص على إضافة لمسات خاصة تميزه، فالعجلات القديمة، الألواح الخشبية، البراويز المهجورة، علب بلاستيكية، إطارات خشبية قديمة، جميعها باتت قيد الاستخدام، أو بالتعبير الأصح "قيد الاستحداث" على يد الصعيدي ذات الفن المبتكر.
"لا تُكلف الأشكال كثيرًا، لم نتكلف شيئًا سوى سعر الشتلات الزراعية" قالت ميس نايف ابنة الجيران التي باتت فخورة جدًا بحارتها، كما أنها اكتشفت أنها تصلح لتكون “مُضيفة"، حيث بات جدولها اليومي مليئًا بالترحيب بالعشرات الزوار والصحفيين.
سكان الحي الملون، باتوا سعداء أكثر من السابق، حيث قالت إحداهن أن المنطقة ازدادت جمالًا وحياة، ولكن أكثر ما أسعدها حقًا هو أن الأطفال قدروا نعمة جمال منطقتهم وأصبحوا لا يرضون أن يرموا ورقة على الأرض، ويسعون لتنظيف الحي على الدوام.
انتقلت الفكرة من الخصوصية إلى إطارٍ أكثر انفتاحًا حيث عرض بعض الشبان " فكرة تلوين المنطقة" على مؤسسة تامر، والتي تهتم بتنفيذ المبادرات الاجتماعية ذات التأثير، فقام شاب وفتاة من سكان الحي بعرضها وما كان منهم إلا أن وافقوا وتعهدوا بتنفيذ الفكرة واستكمال الدهان للبيوت المجاورة. مع العلم أن البيوت التي كانت جاهزة ومطلية بالدهان لم تتعدى 4 بيوت حينها.
بملابسه "المُطرشقة" ويداه التي بدت كدفتر تلوين، يقف عدنان – ناشط في مؤسسة تامر ومن سكان الحي-بملء سعادته وهو يرسم فانوسًا على الحائط الخلفي في بداية الشارع الأول للحي، ويقول " سعيد جدًا بهذا الإنجاز أما عن التعب " يهون " في سبيل ضحكة طفل فيها.
ويقول عدنان "جميل أن تبدأ الفكرة بشخص أو مكان صغير وتنتقل كي تصبح فكرة تعجب الجميع، وتنال رضاهم وتبث في قلوبهم السعادة، وسنستكمل حتى يصبح على أكمل وجه يليق بسكان المكان وزائريه، فقد بدأنا منذ شهور ونحن الان في رتوش الانتهاء من الإضافات أو اللمسات الأخيرة لهذا المكان، وربما تنتقل هذه التجربة إلى أماكن متعددة في غزة "
أما عن اختيار الألوان، فهو يخضع لرغبة صاحب المنزل بعد استشارته ثم إلى رؤية الدهان ورأي الرسام وطبيعة لوحته التي سيرسمها على الحائط، فيما تبدو جميعها متناسقة ولوحاته ذات طابع جديد لكنه يحافظ على روح المكان وقدمه رغم كل شيء".
الفكرة انتقلت بالفعل من حي الزيتون شرق غزة، إلى مخيم الشاطئ غربها، بهدف تلوين أزقة المخيم، وتغير الواجهة المظلمة التي ارتسمت به منذ نشأته، ولربما كانت سبيًلا لإضافة لمسة على الحياة هناك تبدأ بفرحة امرأة ورضا أطفالها، راغبين في كل الأحوال للقول " هذه غزة بوجهها الجميل".