خاص قُدس الإخبارية | دانية دسوقي – صوفيا دعيبس: أصبح فصل الشتاء فصلا تهاب قدومه العديد من الأسر الفلسطينية، فهناك من يقرنه بارتفاع أسعار المحروقات و الاخر من يرى فيه كوابيساَ سمع عنها أو شهدها في الأعوام الفائتة.
فبمجرد البحث عن أخبار انفجار أسطوانات غاز أو حالات التسريب، ينتهي الخبر في أغلب الحالات بمصرع طفلة أو مسنة أو عائلة بأكملها نتيجة التلف في اسطوانات الغاز التي لا يخلو بيت فلسطيني مقتدر منها.
ويعتبر التلاعب والغش في المحروقات وخاصة اسطوانات الغاز في مناطق السلطة الفلسطينية من أهم القضايا وأكثرها شيوعاً، نظراً لوجود حالة سياسية استثنائية تسهل من تداول الاسطوانات التالفة وبيعها للمواطنين الذين يقومون بتعبئتها بأنفسهم أحياناً من محطات التعبئة، حيث توجه المواطن للتعبئة بشكل مباشر من محطات التعبئة هو أقل تكلفة من الحصول عليها من موزعين يوصلونها لباب المنزل، و يكرس ذلك في قرار رئاسي صدر عن الرئيس الراحل ياسر عرفات بالسماح للمواطنين بالتوجه لمحطات التعبئة.
وبغياب آلية أو قرار حازم يردع التاجر من بيع أسطوانات الغاز التالفة و تهريبها لمناطق الضفة الغربية أو قطاع غزة ، طغت مصالحه المادية و الشخصية على ضميره في ايصال أسطوانات غاز قد تدمر حياة العديد من الأسر. أصبح تداول اسطوانات الغاز التالفة التي يتم شرائها ودهنها وتهيئتها للبيع عملية تجارية يعتمد عليها العديدين لكسب أرزاقهم ، و بالرغم من وجود العديد من الجهات المختصة التي من المفترض أن تتحمل مسؤولية ردع هذه الحالات ومعاقبة من يتاجر بحياة المواطنين، إلا أنها تحمل بعضها مسؤولية أي حادث دون أن تعترف بوجود تقصير من جهتها. فبدلا من أن يصبح المهرب عبرة لغيره ليعرفوا أن حياة المواطنين أغلى من مئات أو آلاف الشواقل، تطغى المصالح الشخصية و الخمول الحكومي حتى أمسى خسارة المواطنين لحياتهم بمثابة التقليد السنوي الذي يجب أن تشهد عليه إحدى العائلات الفلسطينية .
ويرى مدير عام هيئة الغاز والبترول فؤاد الشوبكي أن قضية تهريب اسطوانات الغاز هي قضية شائعة في المجتمع الفلسطيني بسبب جشع التجار في المقام الأول ولوجود تقصير من جميع الجهات المختصة من جهة أخرى، ويعتبر أن أهم أسباب تفاقم هذا التهريب هو عدم وجود تنسيق مع الاسرائيلين في إتلاف الأسطوانات التالفة في "إسرائيل" مباشرة عبر خرقها حتى لا يتم استخدامها مرة أخرى.
وأشار أيضًا، إلى عدم وجود صيغة تعريفية على العديد من الأسطوانات بتاريخ الانتاج و الانتهاء أو التخلص النهائي من الاسطوانات بعد انتهاء عمرها الافتراضي والتي لم تطابق مواصفة اسطوانات الغاز رقم 7 حسب المواصفة الفلسطينية.
أما على الصعيد القانوني فلا يوجد قانون يخول الهيئة بتحويل أي قضية للنيابة للبت فيها، ولكن مع بداية العام الحالي (2014 – 2015) تم دمج الهيئة تحت القانون لتحول للنيابة.
فوظيفة هيئة الغاز والبترول تعتبر تنظيمية وتقتصر على شراء المحروقات وبيعها بالإضافة إلى إعطاء الرخص في مناطق السلطة الفلسطينية، بحيث أنها غير مسؤولة عن متابعة أمن وسلامة المواطنين أو مراقبة الأسعار وفحص المحروقات، وفقًا للشوبكي.
لكنها وبموجب التخويل الجديد لها، تعمل الهيئة على متابعة قضية الغاز من خلال لجنة تشكلت بالتعاون مع حماية المستهلك الفلسطيني ومؤسسة المواصفات والدفاع المدني، كما تتعامل الهيئة مع نقابة الوكالات ونقابة محطات التعبئة للتوصل إلى آلية لمتابعة الاسطوانات وإتلاف الاسطوانات الفاسدة واستبدالها.
العمل الرقابي: بين التناقض والإنجاز
مؤخرًا تبرعت إحدى محطات التعبئة وأحد الوكلاء في مدينة بيت لحم بجزء من أرباحهم لعمل صندوق مشترك ونجحتا في تغيير أكثر من 7000 اسطوانة غاز، وذلك بمشاركة وإشراف الهيئة وحماية المستهلك.
كما بدأ أحد أصحاب محطات التعبئة باستبدال الأسطوانات في رام الله الأسبوع الماضي (أيار/2015) في ظل محاولة الهيئة بالتعاون مع أصحاب ونقابة المحطات وحماية المستهلك لعمل آلية لتبديل الاسطوانات على مستوى الوطن ودون تكليف أصحاب المحطات أو المواطنين مالياً.
المهندس حيدر الحجة في مؤسسة المواصفات قال إن دور المؤسسة ليس رقابيًا بل إن على هيئة حماية المستهلك وهيئة البترول أن تراقب و تفحص، فيما اعتبر الشوبكي أن دور هيئة البترول مبني على إدخال المحروقات فقط و ليس الرقابة.
واعترف مسؤولون رفضوا أن تنشر أسماؤهم بأنه مع إتلاف الأسطوانات لا يتم تعويض صاحب الاسطوانة سواء موزع أو تاجر، فهل فعلا سيقبل الموزع والتاجر أو حتى من لديهم اسطوانات غاز في المنازل يملكونها منذ سنوات إتلاف الأسطوانات دون الحصول على أي تعويض، حيث يعتبر مسؤولون أن الأسطوانات هي ملك للتجار و بذلك لا تعويض عليها.
أما مدير الإدارة العامة للسلامة والوقاية في الدفاع المدني الرائد حسن ضراغمة فيرى بدوره أن قضية تهريب اسطوانات الغاز التالفة من اسرائيل و أن العديد من الانفجارات حدثت في ورش عمل حديد و سيارات و مخابز نظرا لوجود أنواع من تلك الاسطوانات التالفة التي يتم اعادة تأهيلها شكلياً وبيعها للمواطنين .
ويعمل الدفاع المدني على إقامة دورات توعوية لربات المنازل في كيفية التعامل مع الاسطوانات في حالة التسريب، إضافة الى الزيارات الدورية عبر لجنة السلامة للتأكد من سلامة الاسطوانات وصلاحيتها للاستخدام في البيوت.
كما يتفق المختصون والعاملون في حقل الغاز أن تبلور الأزمة يكمن في عدم قدرة الجهات المختصة على السيطرة على مناطق ج التي يسهل ادخال الاسطوانات اليها نظراً لعدم وجود سيطرة فلسطينية إدارية على هذه المناطق. وبغياب التنسيق مع الاحتلال من أجل التفتيش يصبح تسريب عدد كبير من الأسطوانات التالفة إلى مناطق الضفة سهلاً.
انعكاس المشكلة على الموزعين والعاملين
ويؤكد الموزع أ.ش في منطقة رام الله وجود مشكلات من حيث نوعية اسطوانات الغاز وجودتها وصلاحيتها إضافة إلى مشكلات لها علاقة بالوزن والسعر، موضحًا، أن إحدى أهم المشاكل تتمثل في أن اسطوانات الغاز التي يشتريها المواطنين يجري تبادلها بينهم من خلال عملية التعبئة المنتظمة الأمر الذي يخلق مشكلات بين الزبائن والموزعين.
وأضاف، أن هناك حالات يشتري فيها الفلسطينيون أسطوانات و استخدامها بشكل متكرر دون استبدالها، و نظرًا لعدم اضطرار الموزع لتحمل مسؤولية استبدال جميع أسطوانات الغاز في منطقته، لا يسعه تحمل خسارة أكثر من اسطوانة أو اثنتين
ويرى في الوقت ذاته أن مصدر الخطورة يكمن بأن اسطوانة الغاز من الممكن أن تتحول الى قنابل موقوتة تنفجر في أي لحظة، الأمر الذي يستوجب على كافة الأطراف المسؤولة التدخل في مواجهة هذه المخاطر.
ومن جانبه، فقد حمل عامل تعبئة في إحدى المحطات الرئيسية في الخليل كلا من الوكلاء والمحطات المسؤولية عن استمرار المشكلة، كاشفًا عن أن المحطة التي يعمل فيها تقبل تعبئة الأسطوانات التالفة والزراعية لأنها أن لم تفعل ذلك فسوف تخسر الكثير.
ويقول العامل الذي طلب عدم ذكر اسمه، إن بعض الوكلاء يحضرون لنا الأسطوانات الزراعية أو التالفة، وإذا رفضنا تعبئتها يتوجهون إلى محطات أخرى تقبل ذلك، وبالتالي أصبحنا معرضين لأن نفقد الوكلاء باستمرار في حال واصلنا الرفض
ورغم تأكيد عامل التعبئة إلا أن مدير ذات المحطة نفى بالمطلق وصول مثل هذه الأسطوانات للمحطة، مؤكدًا أن تعبئة الإسطوانات التالفة توقف في المحطة منذ ثمان سنوات.
بدوره، حمل مدير شركة (ح.ش) لتعبئة الغاز وكلاء توزيع الغاز المسؤولية عن استمرار المشكلة، معتبرًا، أن السبب هو بعض موزعي أسطوانات الغاز على المنازل، حيث يقوم البعض منهم بإبدال الأسطوانات الصالحة بأخرى تالفة، خاصة إذا ما كان من يسكن المنزل مُسنّ.
مواصفات قانونية
ويجب أن تكون مواصفات الاسطوانة بناء على المواصفات الفلسطينية الواردة في مادة 7 في قانون المواصفات الفلسطيني، حيث تكون مصنعة من معدن معروف وبطريقة محددة في التصنيع وذات لون أزرق يميزها عن الأسطوانات الاسرائيلية ذات اللون الأبيض، بالإضافة لوضع طوق خارجي عليه تاريخ الصلاحية و الانتهاء ومَن الجهة المصنعة ومن أدخلها للمناطق الفلسطينية.
ويوضح المهندس حيدر الحجة من مؤسسة المواصفات، أنه من الواجب أن تتحمل الأسواطنة ضغط 52 بار كحد أقصى برغم أنها لا تعتمد إلا على 26 بار تشغيلي، وأن يصل عمرها الافتراضي لعشر سنوات على أن يتم إعادة تصنيعها و سحبها من السوق، مضيفًا، أن أي اسطوانة لا تحقق الشروط يتم إتلافها ومنع استخدامها.
واعتبر الحجة أنه لا يوجد قدرة ولا إمكانيات لدى محطات التعبئة على فحص جودة الاسطوانات، وفي حالة الاتلاف لايوجد آلية تعويض فالأسطوانة ملك للموزع وهو من يتحمل ذلك.
وبين، أن هناك نظام جديد يجري العمل عليه بالتعاون بين المواصفات و حماية المستهلك وهيئة البترول، لتحسين الرقابة وإنشاء صندوق للتعويض، وسيرفع إلى مجلس الوزراء للموافقة عليه قريبًا.
ومنذ بداية نيسان بدأت حملات تفتيش على كافة المواد المستخدمة سواء البلاستيكية أو الخراطيم أو المنظمات، بعد أن تم منح التجار مهلة شهر للتخلص من كل ما لديهم من بضائع تالفة.
ولا تقتصر الخطورة على اسطوانات الغاز في المنازل، بل إن الخطر الأكبر يتمثل في إمكانية انفجار إحداها في محطات التعبئة التي اعتبر كل من الشوبكي و الحجة أن آليات الفحص والتأكد من سلامة الاسطوانات للتعرف على غير الصالح للاستخدام منها غير متوفر أو غير ملزمة في محطات التعبئة، و بذلك تشكل هذه الحقيقة خطرًا حقيقيًا على عدد كبير جدًا من السكان في حالة حدوث تسريب أو انفجار.
لكن مع ذلك لم يصدر حتى الآن أي قانون يمنع الفلسطينيين من التوجه إلى محطات التعبئة أو تحسين ملموس على محطات التعبئة، فيما قال الحجة، إنه وحتى الآن لم تحدث أي حالة خطرة، إلا أن الحذر مهم خاصة مع وجود مشاكل في الصهاريج المدفقة للعمارات السكنية و ضرورة الفحص المستمر لها.
وفيما يخص الكشف عن تسرب الغاز، تشير التعليمات إلى أنه بعد كل عملية تركيب أو تبديل للاسطوانة الجيدة بشكل جيد يجب التأكد من عدم وجود تسرب للغاز. ويتم الكشف عن التسرب بواسطة اسفنجة أو فرشاة مبللة برغوة الصابون وعدم استعمال اللهب أو الكبريت، لأن ذلك قد يؤدي الى انفجار.
وفي حالة وجود تسرب يجب اغلاق صمام الاسطوانة والعمل على معرفة مكان وسبب التسرب، وفي هذه الحالة يجب عدم استعمال الغاز إلا بعد اصلاح مكان التسرب من قبل شخص ذي خبرة، وفي حال انتشار الغاز في المطبخ يجب فتح النوافذ والباب بهدوء للتهوية وعدم استعمال مروحة شفط الدخان لان في ذلك خطورة كبيرة، والتأكد دائما من غلق صمام اسطوانة الغاز بعد كل استعمال مباشرة.
وقال القائم بأعمال مدير عام للجنة حماية المستهلك ابراهيم القاضي، إن هناك ضرورة كبيرة لفحص و الرقابة على اسطوانات الغاز وذلك لأن الاسطوانة تحتوي على غاز قابل للاشتعال و الغاز المضغوط فيها قابل للانفجار أيضا، وأن الغاز المتسرب لا يتشتت بسهولة في الأماكن المغلقة ولو كانت مغلقة جزئيا لأن كثافته تزيد عن كثافة الهواء وقد يؤدي للاختناق والوفاة حتى لو لم يحصل انفجار.
وأضاف، أن الهدف الأساسي للجنة هو ضمان سلامة جميع متداولي الاسطوانات و اعتبر أن حماية المستهلك هي مصلحة وطنية.
و يمكن التعرف على اسطوانات الغاز التالفة من خلال الانتفاخ أو الانبعاج الحاد، أو أن تكون نسبة عمق الانبعاج إلى القطر أكثر من 10%، أو أن يكون طول التشوه أكثر من 10% من محيط الاسطوانة، و تتلف في حالة تمت عملية اللحام من جهة غير مؤهلة.
ومع رفض العديد من المواطنين التصريح عن ما حدث معهم من تسريب أو خطر في منازلهم و رمي الجهات المختصة المسؤولية على بعضها، لا تزال الاقتراحات حبرًا على ورق ووفاة الأبرياء حرقًا أو خنقًا في تزايد.