شبكة قدس الإخبارية

"شاحنة الجندي" تنتظر العودة إلى حيفا

هدى عامر

فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: من عين المنسي في حيفا، إلى جبع في جنين، شرقًا باتجاه الأغوار، وصولًا إلى الزرقاء في الأردن، سارت "شاحنة الجندي" ذات ليلة لم يسطع فيها قمر من شهر أيار عام 1948، يحمل فيها أربعة أشقاء ما استطاعوا حمله من ذكريات وما يكفي من أمل.

فقبل 67 عامًا، وبرفقة سيارة الرحلات والتنقلات، التي حملت أغلى ما يحمل وكل ما لا يحتمل، وضع الأخ الأكبر أخوته الثلاثة اليتامى وزوجته وأغراض البيت خلفًا، فيما لم تترك يداه طيلة الطريق المفتاح و"الكواشين" وطابو البيت، على أمل الرجوع قريبًا، قريبًا جدًا".

خلال تنقلهم كان الأخوة الأربعة، يحتارون أين يضعون ترحالهم، فحيفا التي غادروها ليس كمثلها مثل، وجنين لم تكن صالحة لبدء حياة جديدة فيها، فيما الزرقاء كانت وجهتهم حتى قبل النكبة"

ومما دفعهم للنزوح إليها هو خبرتهم السابقة بها ومعرفة أهلها، فقد كان الأخ الأكبر قبل النكبة يتنقل بين فلسطين والأردن للمساعدة في نقل السلاح بين الوحدة العراقية والأراضي الفلسطينية.

الأخوة الأربعة "حسن، محمد، سالم، سلامة"، أيتام الوالدين منذ الصغر، أكبرهم "حسن" الذي بدأ العمل منذ كان في الثانية عشر من عمره، عمل في "كسارات الصخر" حتى اشترى هذه السيارة من عرق جبينه، لذا آثر أن ترافقه مسيرة حياته كلها.

عروض كثيرة تلقاها الأخوة لبيع شاحنتهم، لكنهم رأوا فيها تاريخهم الذي لا يمكن التفريط فيه، حتى في الوقت الذي عانوا فيه من ضائقة مالية شديدة، كان التفكير ببيع الشاحنة أمرًا بعيدًا عن التفكير

فبعد الهجرة بعقد زمني –في الخمسينات-عُرض مبلغ كبير مقابلها لكنهم رفضوا تمامًا بيعها مؤكدين أنها ستعود أدراجها من حيث أتت، وأنه من باب أولى أن يعودون "هم" معها، لا غيرهم.

وبيقين الواثق، كان الأخوة واثقين من عودتهم قريبًا حتى بعد أن مات الأخ الأكبر "حسن" وتبعه أخيه " سالم" رحمهم الله، لكنهم ورثوا صنعة اليقين إلى أخوتهم وأبنائهم من بعدهم، كما أكدوا لهم أن الشاحنة تلك ستبقى ما دام حق العودة باقٍ.

بعد يأس، توقفت العروض التي يقدمها المشترون لابتياع الشاحنة، فقد أصبح معلومًا للجميع، أن "آل الجندي" لا يريدون بيعها تحت أي ثمن، وأنهم يعملون على استصلاحها ودهنها كل فترة، وهي موجودة الآن في كراج مفتوح يعود لأبناء الأخ الأكبر حسن.

 يعرضونها للجميع حتى يبقى السؤال عنها قائمًا، ويبقى هناك مجالًا للحديث عن حيفا والهجرة وحق العودة، خاصة أن أبناءهم قد أخذوا الوصية من كبارهم بعدم التفريط في ممتلكاتهم.

الأخ الأوسط "سالم" توفي قبل عام، لكنه سلّم "كواشين البيت" لأبنائه الثمانية إضافة إلى ابنتين أخريات، فيما الأوراق الآن بيد الابن الأكبر "عدنان"، يبقى متعهدًا بحفظهما دون تفريط.

حفيدة الجد سالم، ريما عدنان الجندي، قالت لـ قدس الإخبارية، إن الورثة تلقوا عروضًا من الاحتلال عبر مكاتب إسرائيلية موقعها في قبرص، تفاوضهم على البيع، لكنهم رفضوا السماع لهم أو حتى الالتفات لطبيعة العروض المقدمة.

وأشارت إلى أن والدها يسير على خطى جده الأكبر "سعد الجندي" الذي قتله القيادة البريطانية في الثورة الكبرى 1939، ورفضوا تسليم جثته أنذاك، كما أنهم جميعًا يتخذون نفس الموقف.

صنعة الأمل باقية، ويقين الواثق موجود، ليس في عدنان وأولاده فقط، بل بجميع أخوته وبني عمومته الذين ما زالوا يحتفظون بإرثهم وأوراقهم، إضافة إلى احتفاظهم "بشاحنة العودة" التي سيعودون فيها بالمئات بعد أن رحلوا منها ولم يتجاوز عددهم آنذاك 9 أفراد.