عندما تنتهي الحرب، سألوذ إلى دواوين الشعر والروايات، لأتعافى من حرائق المدن، وآلام الذكريات. عندما تنتهي الحرب؛ سأحذف كلّ قنوات الأخبار، لا بل سأتبرع بجهاز التلفزيون إلى جاري الأعمى، وأعلّق على باب بيتي لافتة تقول: أيها الناجون من أتون الحرب. لقد أغلقتُ هذا الباب من خلفي، ولن أسمح، بعد اليوم، لأحدٍ على وجه هذه الأرض أن يأخذني إلى حتفي. عندما تنتهي الحرب؛ لن يزعجني مذيع أنيق بمزيد من الضجيج والنقيق، ولن أسمح لسياسيّ متحذلق بأن يعكّر صفو مزاجي الذي يسبح كالغيمة في فضاء المجاز، ولن أرضى بأسئلة الحداثة، وأجوبة التاريخ التي تكرّر نفسها في كلّ من يهوى التكرار، ويحترف الاجترار. سأخلع ربطة عنقي، كي أجعل منها مشنقةً لظلال الأشياء التي تلعب دور الأشياء، وأفتح طاقة للشمس وقت الظهيرة، في جدار البصيرة. عندما تنتهي الحرب؛ سأقلع عن التدخين، واستبدل هذه العادة بالتأمل في أوتار الكمان، وزرقة السماء. عندما تنتهي الحرب؛ سأزور السياسيين والمحاربين في بيوتهم، لألملم من بين أصابعهم آثار البارود، وبقايا الصور، والخطايا، وسأتركهم بلا وداع في مواجهة المرايا. عندما تنتهي الحرب؛ سأتعلم السباحة وركوب الخيل، وسأنضم إلى جمعية سريّة، لمناهضة الصيد، وسأشيح بوجهي عن كل موجات الإعلام الموجّه. عندما تنتهي الحرب؛ سأتزوج من أوَّل امرأة تدعوني إلى فيلم كوميدي "للضحك من أجل الضحك"، أو إلى كأس من الزنجبيل الحار تحت المطر. عندما تنتهي الحرب؛ سأقشّر البرتقال بقلم من رصاص، مثلما سأفعل كلّ شيء ممكن بهذا القلم، ثم سأكتب به مذكرات ذلك الرجل الذي وقف، فجأة، على حبل الحيرة المشدود بين الشكّ واليقين. عندما تنتهي الحرب؛ سأجرب الإنصات إلى الجدّات والأطفال أكثر، حتى أحبّ الحياة أكثر... عندما تنتهي الحرب؛ سأعوّد نفسي على النوم بعد مغيب الشمس، وعلى الاستيقاظ مع العصافير، بلا تردد أو قلق. عندما تنتهي هذه الحرب؛ سأزرع ولو شجرة صغيرة في كلّ رصيف، قبل أن أخطو إلى الرصيف المقابل. عندما تنتهي الحرب، أيّ حرب، لن أخاف من شيء، لن أخاف من المجهول، ولن أخاف من طبيب الأسنان، أو شرطيّ المرور، أو صوت الريح الهاربة من وراء التلال البعيدة، لتطرق الأبواب والنوافذ بلا هوادة، فتبدو وكأنها مقاصل تتفلّت من قبضة الجدران. عندما تنتهي الحرب؛ لن أجامل أحداً، ولن أكترث بآراء المحللين وجهابذة العصر، وسأعتمد على الحدس في الرؤية، وسأكتفي بكسرة من الخبز مغموسة بإدام الحنان. عندما تنتهي الحرب؛ لن أخاف عليّ أبداً، ولن أخاف على أطفال الحارة، ولن أخاف من ارتفاع الفواتير، ولن أخشى من تفسير الأحلام، بعد جهد، بالهباء. عندما تنتهي الحرب؛ سأكتفي بتفقد أصابعي وحواسي وأسرتي وجيراني وأصدقائي وأقربائي ومعارفي وزملائي وقوائم الناجين. عندما تنتهي الحرب؛ سنخرج منها جميعاً مصابين بالدوار، وسنرى الدخان الأسود، وهو يتصاعد مما نتذكره فيها من صور النار.