شبكة قدس الإخبارية

عن الجامعة العربية وإصلاحها

٢١٣

 

همام مبارك
بداية كنتُ أرغب في التعليق قليلاً على مجريات قمة الدوحة الأخيرة بتاريخ 26-3-2013، حيث أن هذه القمة قد دخلت التاريخ فعلاً بما أُتخِذَ فيها من قراراتٍ سواءً علي صعيد منح مقعد النظام السوري "بشار الأسد "في جامعة الدول العربية للإئتلاف السوري المعارض أم في القرار الرسمي العربي بمنح الدول الأعضاء حق تسليح المعارضة السورية ،لكني اكتفيت بتحليلات وتعقيبات كِبار كُتابِنا فى هذا الشأن. ما دفعني للكتابة عن الجامعة العربية وآليات إصلاحها، هو ذاك الأمل المتراكم تاريخياً في أن يأتى اليوم الذي تحقق فيه هذه المنظمة الإقليمية أمل شعوبنا في الوحدة أو على الأقل العمل المشترك، فلو قارننا قليلاً بين جرأة العرب في إتخاذ قرارت "مرضي عنها من النظام الدولي" تخص الأزمة السورية وهمسهم بصوتٍ منخفض إن لم يكن خائف أو جبان عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية،فمثلاً لم نرى منهم على مر التاريخ قراراً بتسليح الشعب الفلسطيني أو علي الأقل منح الضوء الأخضر للدول العربية الراغبة في ذلك، هل ذلك لأن المسألة الفلسطينية غير مرضي عنها من النظام الدولي مثلا؟ بحكم صفتي كعضو للأمانة العامة لنموذج محاكاة جامعة الدول العربية ،قمت بالإطلاع علي ميثاق الجامعة مرات ومرات،وسأقدم لك في هذا المقال توصيفاً لعجز أو علي الأقل عدم قيام الجامعة العربية بالدور المنوط بها عربياً علي النحو الأمثل،لن أتحدث في ذلك من الزاوية السياسية فأنتم أدري بذلك مني وحرب "العراق-الكويت" خير مثال والأزمة السورية شاهدٌ حي علي ذلك، سأتحدث في الجزئيات المتعلقة بميثاق الجامعة ومجالسها وقواعدها التنظيمية. أولاً، لا بد أن نتفق بأن المشكلة الأساسية هي في ميثاق الجامعة العربية فالظروف التي كُتب فيها الميثاق لا تتوافق والمرحلة الحالية ومعطياتها، كما أن عدد الدول الأعضاء في الجامعة وقتها7 دول واليوم 22 دولة .. كما أن هناك تباين واضح ما بين النظرة الشعبية للجامعة العربية و النظرة الرسمية .. فالشعوب العربية تنظر للجامعة علي أنها أداة للوحدة العربية والوسيلة الرسمية للعمل العربي المشترك وصولاً لتحقيق الغايات المشتركة،أما الحكومات العربية فنظرتها متواضعة للجامعة العربية فهى مجرد منظمة إقليمية ذات مهام محددة محكومة بميثاقها، كما أنها مجرد أداة لتوثيق الصلات المشتركة وتنسيق الخطط السياسية وتحقيق التعاون "وفق المادة الثانية من الميثاق". وهذا يقودنا الي أبرز عوامل فشل أو عدم تحقيق الجامعة العربية الدور المطلوب منها وهو عدم وجود إرتباط حقيقي بين الجامعة ككيان إقليمي له وزنه وبين الدول الأعضاء، حيث تُقيِم الأخيرة هذا الإرتباط من مُنطلق مصالحها القطرية بعيداً عن المصلحة الأممِية القومية. إذا ما تحدثنا عن الخلل في منظومة الجامعة العربية ،وجب علينا الحديث عن أليات التصويت فيها وأليات تنفيذ قرارتها، كما يجب الحديث عن المجالس المنبثقة عن الجامعة :- 1- آليات التصويت . وهي كالآتي : - وفقاً لتعديلات عام 2009، فإن النصاب القانوني اللازم لصحة انعقاد أية دورة لمجلس الجامعة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والمجالس الوزارية الأخرى العاملة في إطار الجامعة يكون ثلثي عدد الدول الأعضاء ولم يعد ملزماً حضور جميع الدول الأعضاء. كما أن عملية إتخاذ القرارات تتم إما بتوافق الآراء وفي حال تعذر ذلك يتم الإرجاء إلي دورة لاحقة وإذا لم يتم التوافق يتم إتخاذ القرار بموافقة ثلثي أعضاء الدول المشاركة في التصويت. -أنه في حال الإعتداء علي أي دولة عربية يصدر القرار الخاص بالتدابير اللازمة لدفع الاعتداء بتوافق الآراء، وفي حال تعذر ذلك يصدر القرار بموافقة ثلثي الدول الأعضاء الحاضرة والمشاركة في التصويت. 2- آليات التنفيذ. وهنا تكمن المشكلة الحقيقية في أن القرارات تكون ملزمة للدول المصوتة بالإيجاب فقط تجاه أي قرار وغير ملزمة إطلاقاً للدول المصوتة بالسلب ،ولكن السؤال الأهم يكون،ماذا لو لم تلتزم الدول المصوتة بالإيجاب بالقرار؟ هل هناك أي عقوبة توجه لها؟ الإجابة تكون قطعاً لا، وهذه النقطة هي إحدى العيوب الأساسية في ميثاق الجامعة العربية ،مع أنه من المفترض "بديهياً"أن تُلزِم قرارات الجامعة العربية جميع الدول الأعضاء سواء الموافقة أم الرافضة وأيضاً من المفترض "بديهياً" في حالة عدم تنفيذ إحدي الدول الأعضاء للقرار،وجود عقوبات رادعة ... 3- مجالس الجامعة العربية . وهنا نقول أنه لابد من تفعيل مجالس الجامعة الموجودة في الميثاق "على الورق" وإنشاء مجالس جديدة حيث أن هناك الكثير من المشاكل العربية والتي لا توجد لها مجالس متخصصة لحلها،، فمثلا لا بد من إتباع الدبلوماسية الوقائية وهي التجسيد السياسي لمبدأ "الوقاية خير من العلاج" من خلال إنشاء ألية للوقاية من المنازعات وإدارتها وتسويتها إذا ما حدثث،وهذا يكون عن طريق تفعيل "محكمة العدل العربية " لتكون جسماً لحل النزاعات العربية العربية وتسويتها بالوسائل السلمية ، وأيضا لا بد من إعادة تفعيل "مجلس السلم والأمن العربي" لتجسيد حالة التضامن العربي وتجنب الأخطار والمشاكل التي قد تنتج إذا ما تم الإخلال بالأمن في المنطقة العربية عن طريق إتخاذ إجراءات حاسمة في هكذا أمور،مع ضمان قدرة وصلاحيات هذا المجلس علي التحرك والقيام بعمل مباشر وإتخاذ قرارات حاسمة في بعض الحالات كالعداون علي أي بلد عربي مثلاً، إذن لابد من أن تدعم الأنظمة العربية والجامعة العربية مؤسساتها المتخصصة لتقوم بدورها بدعم العمل العربي المشترك متجاوزةً البعد السياسي نحو كافة جوانب الحياة كالإقتصادية مثلاً"وهي نقطة الأساس والبداية السليمة نحو أي مشروع تعاوني وحدوي " تمهيداً للتكامل العربي والنموذج الأوربي خيرُ مثالٍ لنا. كما نحن بحاجة لمجالس أخرى مثلاً،كالمحكمة العربية لحقوق الإنسان ومجلس تنمية الفكر الإستراتيجي ومنتدي حوار عربي عالمي ومنظمة الشباب العربية ،،،،، إلخ. الخلاصة تكمن في أن الدول العربية تفتقد إلى الإرادة السياسية لدعم الجامعة العربية وهذا مُثبت تاريخياً مع رفض بعض الدول الأعضاء عرض شؤونها على الجامعة،كما إتجهت بعض الدول العربية نحو بناء مؤسسات عربية موازية ومنافسة للجامعة. ما أود أن أقوله هنا بأن سبب عجز الدول العربية في تطوير الجامعة العربية يرجع في الأساس إلي عجز هذه الدول أصلاً عن تطوير نفسها سواءً علي الصعيد الداخلي أو الخارجي ،فإصلاح وتطوير الجامعة مرتبط حد التكامل مع إصلاح وتطوير الأنظمة العربية وعلاقاتها بشعوبها،ولن يسري أحدهما دون الأخر،وبالتالي لن نستطيع الوصول للجامعة العربية التي نُريد ما لم تُبدي كل الدول العربية ومن خلفها الشعوب إستعدادها للتنازل عن جزء من سيادتها"سيادة القرار وليس السيادة الوطنية" لمصلحة القرار العربي المُشترك، مع الإلتزام الكامل به، كما أنه لن تكون جامعتنا العربية منظمة عربية ذات سيادة علي المستوي الإقليمي والدولي ما لم تمتلك دولها السيادة ذاتها،ولن تكون لدولها هذه السيادة ما لم تكن لشعوب هذه الدول السيادة الداخلية من خلال الحقوق والحريات الكاملة وإستقلال القضاء والإنتخابات النزيهة وتداول السلطة والفصل الكامل بين السلطات في دستوريعبر عن الشعب بأحلامه وفئاته وطوائفه. ملحوظة: الكلمات لا تستطيع أن تعبر عن تضامننا مع أهلنا في سوريا، لهم ولنا رب السماوات.