شبكة قدس الإخبارية

19 عاما على استشهاد "المهندس".. سيرة مقاومة

هيئة التحرير

"إن نجاح يحيى عياش بالفرار والبقاء، حولته إلى هاجس يسيطر على قادة أجهزة الأمن ويتحداهم، فقد أصبح رجال المخابرات يطاردونه وكأنه تحد شخصي لكل منهم، وقد عقدت اجتماعات لا عدد لها من أجل التخطيط لكيفية تصفيته، لقد كرهته، ولكني قدرت قدرته وكفاءته"..

تلك هي الكلمات التي وصف بها "جدعون عيزرا"، نائب رئيس جهاز مخابرات الاحتلال الإسرائيلي “الشاباك” المهندس يحيى عياش أو الثعلب القسامي كما كانوا يحبوا أن يصفوه.

"الرجل ذو الألف وجه"، "الثعلب القسامي"، "المهندس"، كلها ألقاب وصفات حملها الشهيد يحيى عياش والذي تحل ذكراه الـ 19 اليوم.

مولده ونشأته:

هو يحيى عياش، ولد في السادس من شهر مارس عام 1966م، في قرية رافات جنوب غرب مدينة نابلس في الضفة الغربية المحتلة، وحفظ القرآن في سنٍ صغيرة، وكان كثير الالتصاق بالمسجد، ويوصف في طفولته بأنه شديد الهدوء والخجل، ولا يحب الاختلاط كثيرًا بغيره من أطفال الحي، حتى إنني كنت أعده انطوائيًا بعض الشيء”.

وكان عياش متفوقا منذ الصف الأول وحتى إنهائه المرحلة الثانوية وحصوله على شهادة (التوجيهي)، فقد نال المرتبة الأولى دائماً خلال دراسته لاثنتي عشرة سنة في رافات والزاوية وبديا، وكان يحيى قد انتقل إلى مدرسة الزاوية الإعدادية بعد إنهائه الصف السادس الابتدائي في مدرسة رافات نظراً لكون مدرسة قريته لا تستوعب أكثر من هذه المرحلة.

ودرس عياش المرحلة الإعدادية والأول ثانوي في مدرسة الزاوية، ثم انتقل بعد ذلك إلى قرية بديا حيث درس الثاني والثالث ثانوي (الفرع العلمي) في مدرسة بديا الثانوية، وحصل على شهادة الدراسة الثانوية بمعدل 92.8 %

وقد أتم يحيى عياش حفظ القرآن الكريم كاملاً وحصل على شهادة تقدير من مديرية الأوقاف الإسلامية بالقدس لتفوقه في دراسة العلوم الشرعية وتجويد القرآن الكريم، وما تزال محفوظة في صالة منزل والديه.

في صفوف كتائب القسام:

في الانتفاضة الأولى، وتحديدا في عامي 1990 و 1991؛ كانت بداية عياش مع كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس.

 ومع قلة الإمكانات المتوفرة وندرة المواد المتفجرة، توصل عياش إلى مخرج من تلك الأزمة بتصنيع هذه المواد من المواد الكيماوية الأولية التي تتوفر بكثرة في الصيدليات ومحلات بيع الأدوية والمستحضرات الطبية.

وبحلول عام 1992 تكون فريق رباعي مكون من، المهندس يحيى عياش بالإضافة إلى زاهر جبارين وعلي عثمان عاصى وعدنان مرعي، إذ طوروا مستلزمات الانتقال بالجهاد لتنفيذ العمليات العسكرية، بعد وصول عياش إلى المعادلة الكيميائية وهو تحويل المواد الكيماوية والأولية إلى متفجرات.

عمليات عياش:

لاح اسم عياش في عدة عمليات استهدفت عمق الاحتلال الإسرائيلي، ومن تلك العمليات:

وفي أولى الردود على مذبحة المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل، خطط عياش لعملية استشهادية بسيارة مفخخة في 6 إبريل 1994، نفذها رائد زكارنة، أدت إلى مقتل ثمانية مستوطنين وجرح ما لا يقل عن 30 آخرين.

وفي 13 من الشهر ذاته دبر المهندس عملية مدينة الخضيرة داخل الخط الأخضر، نفذها عمار عمارنة، إذ فجر شحنة ناسفة ثبتها على جسمه داخل حافلة ما أدّى إلى مقتل 7 إسرائيليين وجرح العشرات.

كما قتل 22 مستوطنا وأصيب 40 آخرين في عملية استشهادية ارتبطت بعياش في 19 أكتوبر لعام 1994، بتفجير حافلة ركاب في شارع "ديزنغوف" في تل أبيب نفذها صالح نزال.

وارتبط اسم مهندس كتائب القسام  بتفجير حافلة جنود في سلاح الجو التابع لجيش الاحتلال في القدس يوم 15 ديسمبر  1994 ومنفذها أسامة راضي أحد أعضاء كتائب القسام

وفي 22 يناير لعام 1995 ارتبط اسم عياش في تركيب عبوات ناسفه بمقاتلان فلسطينيان من حركة الجهاد الإسلامي فجرا نفسيهما في محطة للعسكريين في منطقة بيت ليد قرب نتانيا، ما أدى لمقتل 23 جندياً وجرح 40 آخرين في هجوم وُصف أنه الأقوى من نوعه.

كما فجّر مقاتل شحنة ناسفة ثبتها على جسمه داخل حافلة ركاب، في 24 أكتوبر 1995 في "رامات غان" بالقرب من تل أبيب، ما أدّى إلى مصرع 6 مستوطنين وجرح 33 آخرين.

كما وقتل 5 مستوطنين وأصيب أكثر من 100 آخرين، في عملية استشهاديّة استهدف حافلة للركاب في حيّ "رامات أشكول" في مدينة القدس في 21 أغسطس 1995، وكان عياش مسؤولا عن تجهيز منفذها.

 عياش و"الشاباك":

طارد جهاز مخابرات الإسرائيلي “الشاباك” المهندس يحيى عياش لعدة سنوات، ولكنه أفلح طوال هذه المدة في الاختفاء عن أعينهم، حتى أن الإسرائيليين قد أطلقوا عليه اسم “الثعلب” وذلك لذكائه الشديد، وقدرته العجيبة على التخفّي.

وقد قال "جدعون عيزرا"، نائب رئيس الشباك الأسبق، في مقابلة مع صحيفة "معاريف" العبرية: "إن نجاح يحيى عياش بالفرار والبقاء، حولته إلى هاجس يسيطر على قادة أجهزة الأمن ويتحداهم، فقد أصبح رجال المخابرات يطاردونه وكأنه تحد شخصي لكل منهم، وقد عقدت اجتماعات لا عدد لها من أجل التخطيط لكيفية تصفيته، لقد كرهته، ولكني قدرت قدرته وكفاءته".

اغتيال المهندس:

اُغتيل المهندس في يوم الجمعة الخامس من يناير من العام 1995، وذلك بعد أربع سنوات من وضع "اسحق رابين" رئيس حكومة الاحتلال آنذاك ملف تصفية عياش على رأس أولويات حكومته السياسية والأمنية.

وضع له جهاز الشاباك مادة متفجرة وصلت إلى 50 جم في تليفون محمول أخذه من صديقه أسامة، وكان أسامة قد حصل على الهاتف من خاله وهو الوحيد الذي كان يعلم بأمر اختباء عياش في بيت أسامة، وكان يأخذ الهاتف من أسامة ويعيده بشكل متكرر إليه.

وفي يوم ما شك عياش في احتمال وضع الاحتلال لجهاز تصنت في التليفون ففكه ولم يجد شيئا.

في ذلك اليوم كان عياش ينتظر مكالمة من والده، قطع الخط الأرضي بشكل مفاجئ، فاتصل والده بالهاتف المحمول وعن بعد تم تفجير الهاتف، من خلال جهاز تحكم في طائرة كانت تحلق فوق المنزل الذي كان يقيم فيه عياش، فتناثرت أشلاء جسده بعدما قطعت رقبته وتمزق نصف وجهه الأيمن.

وقد وضع غيون ومساعدوه خطة تفصيلية لاغتيال المهندس، بعد أن انتقل إلى موقع متقدم في مستوطنة "نيسانيت" القريبة من بيت لاهيا للإشراف بشكل مباشر على عملية الاغتيال حيث أقيمت غرفة قيادة أمنية ذات تجهيزات فنية عالية.

وفي ذلك الموقع، استعان رئيس جهاز الشاباك بخبراء وفنيين قاموا بتركيب بطارية خاصة صنعها القسم الفني بالموساد في جهاز التليفون الخلوي الذي استعاده كمال حماد من ابن أخته في أواخر كانون أول (ديسمبر) 1995. والبطارية الجديدة كانت في الحقيقة بنصف حجمها العادي حيث وضعت المتفجرات التي يتراوح وزنها بين 40 و 50 غراما في النصف الآخر، وكان كمال حماد قد دأب على التوجه إلى المستوطنة، ليكشف فيما بعد أنه مرتبط بجهاز "الشاباك".

وبعد أن انتقل المهندس إلى منزل أسامة حماد في ساعة متأخرة من فجر يوم الجمعة الموافق 5/1/1996 قام بتأدية صلاة الفجر ثم ذهب للنوم، وحسب القصة التي يرويها أسامة حماد بعد ذلك، فإنه كان من المفترض أن يتصل والد المهندس على تليفون المنزل في نحو الساعة الثامنة غير أن اتصالا غريبا جرى في ذلك الوقت حين اتصل كمال حماد في الساعة الثامنة طالبا من ابن أخته فتح جهاز التليفون الخلوي لأن شخصا يريد الاتصال به ثم قطع الخط الهاتفي، وقد قطع الهاتف الأرضي بعد هذا الاتصال فورا. وفي نحو الساعة التاسعة، اتصل والد المهندس على الهاتف الخلوي وقد كان الهاتف بحوزة زوجة أسامة التي سلمته لزوجها الذي كان نائماً مع يحيى في نفس الغرفة، فأيقظ أسامة المهندس ثم أعطاه الهاتف وبعد (15) ثانية تقريباً، وفيما كان أسامة يهم بالخروج من باب الغرفة تاركا المهندس ليحدث والده، سمع دوي انفجار، فالتفت على الفور فرأي يد المهندس عياش تهوي إلى أسفل، وغطى الغرفة دخان كثيف، ليتبين بعد ذلك أن المهندس قد استشهد.