"أنت في غزة" جملة تسمعها كلما تناقشت مع أحدهم محاولا استيضاح سبب تصرف غير حضاري أو تصرف خاطىء يمارس هنا أو هناك. كأنه يقولها لك ليُبرر كل أخطاء الكون، وليوجد لنفسه شماعة جديدة تضاف إلى شماعة الاحتلال والانقسام و غيرهما.
لا أنكر تأثير الحصار وخصوصية الوضع في غزة التي عانت وتعاني على مجريات الحياة اليومية، ولكن السؤال الذي يلح على بالي كثيرا هو ما تأثير هذه المعاناة على سلوكيات طبيعية تفرضها الفطرة السليمة على صاحبها؟ فهل يمنعنا الاحتلال من القاء القمامة في الحاويات المخصصة لها؟! وهل يمنعنا الحصار من الحديث بأدب واحترام الكبير ومد يد العون والمساعدة للناس؟!!
إذا كان المدير مهملا في عمله ويقبض رشوة من هذا وذاك والفساد مستشر في مؤسسته وسألت عن السبب، يخرج عليك أحدهم ليقول لك "أنت في غزة" !! وكأنه يقول لك أن هذا هو السلوك الطبيعي بل ويشعرك بأنك ارتكبت خطيئة لا تغتفر بانتقادك شخصا مخطئا أو تصرفا معيبا.
إن الخطوة الأولى نحو التحرر من الاحتلال الصهيوني هي بالتحرر من مثل هذه الأقوال والاعتقادات البالية والبدء في تحمل المسئولية وتسمية الأشياء بمسمياتها بعيدا عن التهرب والتنصل من المسئولية وتحميل كل شيء للاحتلال وللوضع الخاص الذي نعيشه في غزة، من المجدي أن نبدأ بالتفكير أننا كغيرنا من البشر نواجه صعوبات ولكن التحدي الحقيقي يكمن في محاولة مواجهتها والتغلب عليها وتحسين واقعنا الحياتي والأخلاقي.
إننا نمتلك إرثا دينيا وأخلاقيا كبيرا يؤهلنا لكي نخوض هذه المعركة معركة البناء وتحسين الأخلاق والمعاملات ولكن ما ينقصنا هو الارادة الحقيقية القادرة على احداث التغيير المطلوب.
"أنت في غزة" جملة يجب أن تكون دافعا لكي تغير الواقع الصعب الذي نعيشه لا أن تجعلها مبررا لكي يسوء الوضع أكثر.