ما إن أعلنت السلطات المصرية رسميا عن ارتكاب مجزرة بحق جنودها، حتى بدأت أصابع الاتهام من قبل الإعلام المصري تتجه نحو غزة، دون انتهاء التحقيقات المصرية بعد، فلهجة التحريض ضد غزة اشتدت وتيرتها لتدفع "ثمن جريمة لم ترتكبها".
وسرعان ما أغلقت السلطات المصرية معبر رفح البري حتى إشعار آخر، لم تحدده بعد، لتزيد من معاناة الغزيين الذين ما زالوا يعانون الأمرين على المعبر الوحيد الذي ينقلهم إلى العالم الخارجي.
قصص من المعاناة
الشاب حسام إبراهيم (33 عاما) كانت ينتظر بفارغ الصبر أن تتم إجراءات التنسيق له لعبور مصر متجها إلى الصين في رحلة عمل، ووصل إلى المعبر يوم الخميس الماضي كي يدخل الأراضي المصرية، لكن ساعات طويلة مرت دون أن يدخل إلى أن أمرهم القائمون على المعبر بالعودة من حيث أتوا لأنه ببساطة تم إغلاق المعبر.
إبراهيم يقول لشبكة قدس: "ما ذنبنا نحن وماذا فعلنا كي يتم معاقبتنا بهذه الطريقة المهينة، أسابيع أنتظر السماح لي بالدخول واليوم يتم إعادتي دون ذنب أقترفه لا أنا ولا المواطنين هنا؟!"، موضحا أنه بذلك يتضرر عمله خاصة وأن شحنة من الماكينات التشغيلية للمصنع الذي يعمل به يجب عليه أن يفحصها حسب عمله كمهندس ميكانيكي في أحد مصانع الإنتاج بغزة.
ويضيف إبراهيم:" حالنا لن يحل إلا إذا تم عودة حرس الرئيس على المعبر، وبذلك نتخلص من التهمة الملصقة بنا كأننا جميعا حماس، نحن شعب واحد لا فرق بيننا ولكن العالم الخارجي ومصر يقسمون بيننا ويريدون معاقبتنا جميعا على أساس أننا حماس وهذا غير منطقي".
وكان من المقرر أن يسافر الطالب سليم الهندي (24 عاما) عبر معبر رفح البري يوم الأربعاء المقبل، ليباشر بتحضير رسالة الماجستير الخاصة به، ولكنه اليوم متخوف أن يضيع عام كامل عليه في حل بقي المعبر مغلقا لفترة طويلة.
ويقول الهندي لشبكة قدس: "لم أستطع القدوم لغزة طوال سنتين كاملتين بسبب المعبر وخوفا من ألا أستطيع أن أغادر مرة ثانية، ولكن بعد الحرب الإسرائيلية واطمئناني بأن الأمور أصبحت أفضل عدت لأطمئن على عائلتي ولكنني اليوم علقت بما كنت أخشاه".
أما عادل الناجي فهو احتجز في الأراضي المصرية، ولا يستطيع العودة لغزة، بعد إغلاق المعبر، وكان الناجي قد سافر لمصر من أجل تلقي العلاج هنالك في عموده الفقري.
ويقول الناجي: "لا فرق بين المحتجز هنا في مصر والسجين في غزة فالأمران واحد، خاصة وأننا نخشى أن نعلن عن هويتنا في مصر بأننا فلسطينيين فحجم الحقد والضغينة عالي جدا، ونشعر بأننا مهددون في مصر لو بقيت الأمور سيئة".
ويضيف:" من الواضح أن العلاقات المصرية الفلسطينية لم تعد كما كانت، فاليوم علينا أن نثبت أننا لسنا حماس كي ننجو بأنفسنا من علقة ساخنة"، مشيرا إلى تخوفه في حال نفذت نقوده ولا يستطيع البقاء أو حتى العودة إلى بلده ومنزله وأولاده.
تحريض غير مبرر
ويرى محللون سياسيون أنه من الطبيعي أن تحافظ مصر على أمنها وأي دولة في مكانها ستعمل على إغلاق كافة معابرها لحين استتباب أمنها، لكن ما لا يمكن قبوله هو حملة التحريض التي يقوم بها الإعلام المصري ضد الشعب الفلسطيني في غزة وتحميله مسؤولية ما يجري في مصر.
ويقول المحلل أكرم عطا الله لشبكة قدس: "لا شك أن غزة تتأثر بكل ما يجري في مصر على أساس الجيرة وتتأثر في كافة الجوانب سواء كانت إيجابية أو حتى سلبية"، مشيرا إلى أن إغلاق معبر رفح سيؤثر على حياة آلاف المواطنين ومصالحهم خاصة وأنه سيجعل الحصار يشتد عليهم من كافة النواحي.
وأشار عطا الله إلى أن حملة التحريض التي يقوم بها الإعلام المصري ضد غزة واتهامها مباشرة بالمجزرة سيحد من الدعم المصري للفلسطينيين الذين هم بأمس الحاجة الآن إلى هذا الدعم خاصة بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية التي دمرت كل أشكال الحياة بغزة.
ويضيف عطا الله: "هذا الاتهام هو محاولة إلقاء الكرة في خارج الملعب المصري، وهو مريح للمسؤولين المصريين الذين قد يتهمون بالتقصير الأمني الداخلي، وكذلك يعكس خلافا وصراعا شديدا على الحكم بمصر، فغزة بالنسبة لهم حكم حماس التي يعتبرونها امتدادا لحركة الإخوان المسلمين المنبوذة ومن السهل إلصاق التهمة بأحد أجنحتها الخارجية".
تأجيل مفاوضات التهدئة
وفي سياق آخر أعلنت السلطات المصرية رسميا تأجيل عقد المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل في القاهرة لأجل غير مسمى وفق مصدر أمني مصري لشبكة قدس، وهو ما أعلنه القيادي في حركة حماس خليل الحية.
وقال الحية: "إن الأوضاع في سيناء ساهمت بتأجيل الجولة المقبلة من المفاوضات غير المباشرة للتهدئة مع دولة الاحتلال"، متوقعا في الوقت ذاته أن يتم استئناف المفاوضات في وقت لاحق.
من جانبه أكد القيادي في حركة الجهاد الإسلامي خالد البطش أن مصر قامت بتأجيل المفاوضات إلى أجل غير مسمى لحين استتباب الأمن فيها، وقال "لكن مصر لن تتخلى عن هذا الملف كما أكد مصدر أمني مصري، "لكنها في هذا التوقيت مشغولة بوضعها الداخلي بما لا يسمح لها الانتباه لجيرانها".
ويثير إغلاق معبر رفح وتأجيل المفاوضات مخاوف الغزيين خاصة وأنهم غالبا ما يدفعون ثمن جرائم لم يرتكبوها كما حدث مع مجزرة قتل ال16 جنديا مصريا على حدود مصر مع غزة إبان حكم الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي، تبعته إغداق الانفاق بالمياه العادمة وتدمير عدد كبير منها.
وكذلك توجيه أصابع الاتهام للغزيين، وهو ما رفضه البطش بشكل قاطع ويقول لشبكة قدس: "إننا نرفض كل محاولات بعض وسائل الإعلام والمحللين السياسيين زج الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من قريب أو بعيد بهذه الأحداث المؤسفة"، معقبا:" يكيفينا معاناتنا مع المحتل الصهيوني وعدوانه المستمر، ففلسطين وقدسها المحتلة بانتظار تضحيات أبناء الأمة التي تهدر في غير موضعها وتتناسى مع الأسف الشديد فلسطين.
وأضاف البطش أن "المستفيد الأول والأخير من هذه المجزرة هي الكيان الصهيوني وإسرائيل وهو ما تم تداوله في مؤتمر هرتسيليا الذي تحدث عن ضرورة إشغال الجيش المصري في الصراعات الداخلية، كما هو الحال مع الجيش السوري المنشغل في قضاياه الداخلية".
وأشار البطش إلى أن إشغال الجيوش العربية بشؤونها الداخلية في مقدمتها الجيش السوري والمصري تصبح دولة الاحتلال بلا تهديد حقيقي، رافضا الزج بالشعب الفلسطيني في هذا "الحادث المأساوي" ويقول: "نقدم عزاءنا لعائلات الجنود المصريين ولأشقائنا في مصر عموما، ويؤسفنا ما يحصل من سفك للدماء وخسائر ما تزال فلسطين أولى بها".