هدى العف_غزة: "العيد فرحة وأجمل فرحة تجمع شمل قريب وبعيد، سعدنا بيها بيخليها ذكرى جميلة لبعد العيد"، أيُّ ذنبٍ اقترفته الفنانة المصرية "صفاء أبو السعود" حين غنّت للفرحة والذكرى؟!
فهذه "ريماس رزق خليفة "5 سنوات، قد صدقتها ورددت معها "أغاني العيد"، مضافاً إليها توقيع "بتلحين ريماس الخاص"، حتى حلّ هلال عيد الفطر في الوقت الذي يستمر فيه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة
استجمعت ريماس الصغيرة أحبال صوتها جاعلة منها جيتارًا يعزف نغمات العيد، فيما يأتي صوت والدها في كل مرة قاطعاً نهاية الممر المؤدي لصالون البيت قائلاً: "اسكتي يابا، الناس بتموت فش عيد"
وعلى سبيل العجز تقف حائرة لمن توجه سؤالها الذي بات "ينخز" داخلها الهش الذي ضربته حربين شهدتهما ابنة الخمس أعوام، لكن سؤالها بات أكبر من أن تختزنه، لأنه يحمل الإجابة الشافية هل ستنطلق غمار الفرحة أم تُكسى باليأس وتجلس في نهاية الممر ذاته "صامتة".
خرجت من فمهما كلمات أكبر منها وكأنها تأخذ بثأرها من محاولة اسكاتها:" كيف يعني فش عيد؟ طبّ والأواعي الحُمر؟"، مستنجدة بأمها التي اشترتهم:" لبسيني يا ماما الفستان الأحمر، مش احنا اشتريناه للعيد؟"
بين نزاع الوالد الرافض لتمثيل مشاهد العيد وسط العدوان تأسيًا على حال الناس ووضعهم وبين فتاة لم تعي بعد تفاصيل حرب لا ترحم، وقفت الأم قائلة:" عارفين وضع الناس بس شو ذنب الأطفال يا أبو محمد، خليهم يلبسوا"
خرجت ريماس منتصرة قبل انتصار غزة، حين فازت بالرضا عن ارتداء فستانها الأحمر، فحملت حقيبتها الصغيرة وارتدت حذاءها كما سندريلا، وقضت يومها الأول متبخترة على خجل من العيد الذي لم يأتِ كما عادته.
انتهت الهدنة التي من المفترض أنها "إنسانية"، حتى باغتت القذائف المدفعية "العشوائية" منزلهم الصغير بجانب مسجد الفاروق شرق حي الزيتون بمدنية غزة، لتروي أختها داليا 9 سنوات ما حدث بالتفصيل:" كنا نايمين الساعة 4 الفجر ضربوا إطلاق نار، سمعته أمي وصارت تنادي، اجت (جاءت) القذيفة بغرفتنا وطلعنا على غرفة أمي وبردو مفش(لا) أمان، كمان قذيفة ووقع كل الزجاج على وجوهنا"
وتضيف:" كلنا تصاوبنا (أُصيبنا)، "شروق وسجى وسجود وزهير ومحمد "، إصاباتهم خفيفة، وأنا وريماس ضلينا (بقينا) بمستشفى الشفاء، هذا مع صعوبة وصول الإسعافات للمنطقة حتى وصلوا البيت بعد ثلاث ساعات.
الأم التي لم تخلع عنها سوادها تقول:" ريماس تعاني وضعاً صعبًا، ثلاث عمليات خطرة أجريت لها في الرأس، كانت تستغرق العملية أكثر من 4 ساعات أشعر فيها أني أفقد أعصابي، منها عمليات خاصة بـ " كسر الجمجمة والنزيف الداخلي "، وهي بحاجة إلى " تحويلة" طبية للسفر والعلاج في الخارج في أسرع وقت قبل أن نفقدها لا قدر الله"
تستند جدتها على زاوية الحائط وهي تقول:" ريماس أذكاهم وأفصحهم وكلامها أكبر منها"، مسترجعة موقفها معها خلال أيام العدوان فتقول:" كانت ريماس تمسك بيدي عند سماع صوت الصاروخ وتقول: "تخافيش يا ستي، المقاومة بتخوفهم، واليهود ما بيخوفوا"
أمسكت الأم بيد طفلتها قائلة:" طيبي (إشفي) بسرعة عشان ترجعي تلبسي الفستان الأحمر" وبعد غيبوبة تسعة أيام ردت المصابة متسائلة:" ضايل فستاني الأحمر؟"، فيما تحاول الحديث فتلحظ وجه أختها المقربة "داليا" لتسألها:" وين كنتِ، ومين جرحك يا داليا؟ اليهود؟"
داليا التي لا يعنيها ذاتها بقدر ما يؤلمها وجعها على أختها الصغرى التي كانت كل همها لعبتها مجيبة عن تساؤلنا:" خفتي يا داليا؟ فترد دون تفكير: خفت ع أختي الصغيرة"، متسائلة:" ماذا فعلت لهم كي يقصفوها، هذه حرب أطفال؟ حرموها العيد الله يحرمهم حياتهم "
ريماس غادرت غرفتها في قسم الأطفال بمشفى الشفاء متنقلة على الأقسام الأكثر خطورة حتى باتت صحتها تسمح لها بالخروج من المشفى نهائياً وتسافر للعلاج وتعود وقد جهزوا لها الهدايا وفستان جديد للعيد الجديد " الأضحى".
تبقى التساؤلات عائمة:" هل ما زالت تثق " ريماس " بالأعياد، وهل تنام مطمئنة بعد اليوم لو لبست فستانها ألّا يُباغتها ليلاً صاروخ طائرة أو قذيفة مدفعية؟"
ترى:" ماذا حدث للفستان الأحمر، هل اختلط بدمها فباتت تكرهه، أم أنها سارعت بالشفاء أملاً بالعودة لفستانها الأحمر وتجميع أحبالها الصوتية كي تنشد للوطن أغاني أعياده؟"



