مع أول يوم لبدء العام الدراسي في قطاع غزة، تُشرع أبواب المدارس لنصف مليون طالب، يلبي بعضهم نداء نفير العودة إلى مقاعدها بعد أسبوعبن من التأخير بفعل العدوان الصهيوني، في الوقت الذي فيه 50 ألف عائلة منعها انقطاع الراتب من إرسال أبنائها إلى المدارس، عاجزين عن دفع الرسوم وتأمين أدنى مستلزمات الحياة الدراسية.
"صرنا متل الشحادين اللّي بتجوز علينا الصدقة " هذا ما قاله المعلم لؤي زريق، في الحديث عن عجزه لإرسال ستة من أطفاله إلى المدراس، فراتبه المقطوع منذ أربعة شهور لا يكفي سوى لذهاب أداء رسالته كمعلم؛ فهو أحد الذين وظفوا ما قبل الانقسام عام 2006، وتفاجئ بقطع راتبه بعد حرب 2008، ليتقاضى فيما بعد مجرد سلف مالية، رغم أنه عُيّن بطريقةٍ شرعية، وأكد قائلاً " نحن كأساتذة لن نترك أبناءنا في المدارس وإن خذلتنا حكومة التوافق، لن نترك أبناءنا في الشوراع كمدرسين وأطباء ورجالأمن، لن يترك أحد موقعه، وتعليم أبنائنا هي مسؤولية أخلاقية وإنسانية قبل أن تكون مادية ومستحقات رواتب" .
700 ألف معلم عاحزين عن الوصول لمدارسهم
وأشار وكيل وزارة التربية والتعليم في غزة د. زياد ثابت في حديثه " لشبكة القدس الإخبارية" بأن مشكلة انقطاع الرواتب تسببت بأزمة كبيرة لقطاع التعليم، فهناك 700 ألف موظف غير قادرين على أداء وظيفتهم التعليمية، لعدم قدرتهم على الوصول إلى أماكن العمل، فوزارة التربية تحث المعلمين على القدوم ولكن الاجابات " لا نستطيع، ليس لدينا مال "!
وعبر ثابت عن استياءه من مديرية التربية والتعليم في الضفة الغربية، والتي لم ترد بالإيجاب ولا بالسلب على أية من مناشدات ورسائل وزارة التربية في غزة، لاسيما آخرها بمطالبة الوزارة تأمين باصات نقل للمعلمين حيث أن غالبيتهم يداوم في أقرب مدرسة لا في مكان عمله، عدا عن الدوام الجزئي لبعض الاساتذة مما سيؤثر في الأيام المقبلة على المسيرة التعليمية.
ورداً على ادعاءات المتعلقة بعدم امتلاك الميزانية الكافية؛ طالب ثابت بالافراج عن أموال وزارة تربية غزة التي تقدر بالملايين المحتجزة في البنوك الفلسطينية منذ 2007، منها 6 مليون للجامعة الإسلامية، ونصف مليون لكلية العلوم التطبيقية، وأضاف بأن هناك مشاكل أخرى تتتعلق بافتقار وزارته للموازنات التشغيلية والإحداثات التوظيفية، فهناك 16 ألف خريج قدموا لوظائف لكنهم لايمتلكون جهوزية للتعيين، منوهاً بأن حكومة رام الله لم تزل تتحدث عن شرعي وغير شرعي بدل من النظر في موضوع الرواتب، فالتشكيك بشرعية الموظف هو تشكيك بمستقبله، وأنهى قائلاً " وزارة تربية رام الله لم تقدم لنا شيئاً حتى اللحظة، ولا تتعامل معنا بجدية ".
" من حقي الحصول على راتب "
لم تبذل لجنة الوفاق مجهودات ترقى إلى المستوى المطلوب، فهي لم تحمل أية نوايا سليمة من أول يوم استلمت به، فما انجزته حتى اللحظة أن قسمت الموظفين إلى شرعي وغير شرعي والذي كان بمثابة تجاوز وإهانة، هذا ما جاء على حد تعبير المعلّم محمود زقوت، والذي أشار لمرور سنة على مشكلة الراتب، كل أربعين يوماً كان يتقاضى فيها سلفة مالية، إلا أن جاءت أربعة اشهر قُسمت فيها اللقمة منتظراً ما يسد به جوف أطفاله؛ مؤكداً بالقول " من حقي آخذ مقابل ولن أسامح أبداً، من حقي الحصول على راتب، وبصراحة نحن كموظفين صبرنا نفذ ولن أستطيع في الأيام المقبلة الذهاب إلى عملي".
من جهته، يرى مسؤول نقابة الموظفين في الضفة الغربية د. جهاد زكارنة بأن لا حلول في الأفق القريب، فالموظفون سيبقون بلا رواتب فهم ضحية في سيل المناكفات، فلابد من بذل جهود سريعة تبذل من قبل حكومة التوافق من خلال ترتيبات وعمل جدولة لأعداد الموظفين وآلية ترقيتهم والموازنة المخصصة لهم، من خلال هيئة مستقلة مختصة بهذا الشأن يكون التوافق عليها من الطرفين، فكل هؤلاء الذين ينتظرون رواتبهم هم فعلياً عملوا أثناء الحرب، وقدموا حياتهم.
ورداً على الموقف المطلوب حال استمرار الأزمة، نوّه محمد صيام مسؤول نقابة الموظفين في غزة، بأن كل الحلول أمام النقابة متاحة، إما بفعل إداري أو قانوني، فالمستوى السياسي لم يزل متنكراً لحقوق موظفي غزة.
الإدعاء بأن المشكلة هي قانونية كذب !
"هل الذين تم توظيفهم في رام الله 2007 هل هم شرعيون وفق القانون الحل الحقيقي لهذه الازمة ؟ " سؤالٌ طرحه المحلل والكاتب علاء الريماوي في حديثه عن تقسيمات الشرعية لموظفي غزة كإحدى الحلول التي تتبناها حكومة التوافق الوطني، وأشار بأن أزمة الرواتب مؤشر من مؤشرات الحصار وعملية استبطاء في إيجاد المساعدات، وتبهيت النضال وتقزيم النصر، ويدل على الحجم الكبير من المؤامرة على غزة، وقال " الإدعاء بأن المشكلة قانونية كذب، وأن الموازنة لا تكفي أيضا كذب! "
ويرى الريماوي بأن حلّ الأزمة تكون بمصالحة حقيقية يتم من خلالها ثلاثة أمور: التعاطي مع حكومة واحدة وإعادة الاعتبار لها، وإعادة الترتيبات السياسية منها أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد انتهت ولايته، وإيجاد ترتيبات خارج المظلة السياسية والخروج من فكرة " حماس في غزة وقتح في الضفة " .
من ناحية لفت المحلل السياسي إبراهيم المدهون، بأن قطع حكومة التوافق للرواتب جاء نتيجة خوف من الغضب الصهيوني لا سيما بعد انتصار غزة، فالسلطة الفلسطينية لن تتحمل أن تُحرم وقياداتها من الامتيازات، لا سميا في ظل الإنجازات العسكرية، وقال " لا بد أن ندرك أننا في سفينة واحدة ومركب واحد والاحتلال يهاجمنا كلنا " .
وكان المواطن عبد الله قنديل أشار بأن 50 ألفاً لا يتقاضون راتب، فالأزمة هي سياسية بامتياز وليس هناك أي عذر للحكومة لتمنع عنهم الرواتب، وأضاف بأن ادعاء انتسابهم إلى حماس ليس صحيحاً، فثلث العدد فقط هو من ينتمي، وياحبذا لو يتم إنهاء الحقد الوظيفي، فكل هذه الافعال هي لشرخ الصف الفلسطيني .