مع كل الممارسات التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي تجاه الشعب الفلسطيني علانية، فإنه ينفذ العديد من الممارسات بأوجهها المختلفة بطريقة مبطنة نائيا بنفسه عن أية ملاحقة قانونية أو حتى إنسانية.
تنتهج دولة الاحتلال الاسرائيلي منهجاً خطيراً قد لا يبدو لكل شخص من خلال تدميرها للبيئة والطبيعة الفلسطينية في مختلف المناطق، من خلال عدة وسائل كإقامة المناطق الصناعية في داخل الأراضي الفلسطينية، إضافة لمصادرتها آلاف الدونمات بشكل مستمر لصالح ذلك، فعلى صعيد الضفة الغربية يوجد فيها كحد أدنى سبع مناطق صناعية في المستعمرات تضم 300 مصنع إسرائيلي.
والأمر له العديد من الآثار والأضرار والنتائج المترتبة على أكثر من صعيد، على صعيد المواطنين والبيئة والمجتمع، ولعل المصانع الإسرائيلية في محافظة طولكرم (جيشوري) خير دليلٍ على ذلك.
أخطار صحية
أوضح منسق الحملة الشعبية لمكافحة الجدار سهيل سلمان في هذا الخصوص، أنه بدأ العمل على إقامة المناطق الصناعية في بداية عام 2002 وتم الانتهاء منها في عام 2003. مشيراً أنه تم سلب 50% من أراضي المحافظة التي احتلت عام 67 لأجل ذلك.
ويقول "إن المصانع الإسرائيلية في طولكرم مقامة على 200 دونم من أراضي ال 67 حيث تعد هذه الأراضي ضمن بلدية طولكرم، ويبلغ مجمل المصانع فيها حتى الآن 12 مصنعا".
علما أن هذه المناطق مأهولة بالسكان والمؤسسات والمراكز التي تعد هامة وحيوية في حياة الأهالي في طولكرم كجامعة فلسطين التقنية (خضوري) على سبيل المثال، ليضيف في هذا الصدد مدير مركز الأبحاث في جامعة خضوري الدكتور سائد الخياط قائلا: "إن المنطقة تعد منطقة بيئية خطيرة، عدا أن جزء من هذه المصانع مقام على أراضي تعود ملكيتها لجامعة خضوري من الجهة الشمالية، دون مراعاة لطلبة الجامعة والعاملين فيها وخطر ذلك على حياتهم؛ فلا يوجد وعي بيئي كافٍ عند الطلبة أو العاملين اتجاه هذا الأمر".
وحسب دراسات وأبحاث قام بها المركز، كشفت حجم الخطر الصحي الناجم عن هذه المصانع، من حيث الخطر الذي يهدد الهواء، ويصنف نتائج ذلك على فترتين: المدى القصير يكون بشكل بسيط والذي يتسبب بأمراض مزمنة منها احمرار العيون، وضيق التنفس، والطفح الجلدي، والأزمة القلبية وغيرها، وعل المدى البعيد يتشكل نتيجة الانبعاثات الغازية السامة المعروفة أو غير المعروفة على حد سواء مثل: أمراض الجهاز التنفسي والسرطان.
وأشار أيضاً بوصول خطر ذلك على النباتات وبعض أوراقها نتيجة تعرضها لما تفرزه تلك المصانع فيؤدي لعدم إزهارها.
فمخلفات هذه المصانع تخرج على 3 أشكال:
* متطايرة : تؤثر على الهواء
* سائلة : تسريبها للأراضي المجاورة وخاصة أراضي جامعة خضوري
* صلبة : طمرها في الأرض
إسرائيل مدركة للخطر وتتعمده
وفي ذات السياق أكد محافظ محافظة طولكرم الدكتور عبد الله كميل على خطورة ذلك زراعيا، مؤكدا أن هناك اختلافا واضحا وجليا بين الأراضي الزراعية القريبة من تلك المنطقة والأراضي الأخرى البعيدة عنها وفي انتاجها الزراعي وجودته. قائلاً: "نحن نقوم بثورة حقيقةً اتجاه هذا الموضوع لمحاربته على كل الأصعدة حتى دولياً، وفي محادثات مع الجانب الإسرائيلي اقترحوا علينا تشكيل لجنة فلسطينية إسرائيلية للخروج بنتائج لحل هذه المشكلة الخطيرة ولكننا رفضنا لأننا نريدها لجنة دولية تُثار على الصعيد الدولي".
ويضيف كميل أن "إسرائيل" أكثر من مرة أوقفت عمل تلك المصانع إذا كانت دورة الرياح شرقية لكي لا تؤثر على مواطنيها، بينما يكون الوضع عكسياً اتجاه أهالي محافظة طولكرم في حال كانت الرياح غربية. وهذا إن دل على شيء يدل على إدراك "إسرائيل" ومواطنيها خطورة هذه المصانع". مضيفاً أنها "تزيد من ضعف القوة الاقتصادية للاقتصاد الفلسطيني عامة واقتصاد المدينة خاصة".
وعن أضرار ذلك على الناحية الاجتماعية يضيف منسق الحملة الشعبية لمكافحة الجدار سهيل سلمان قوله: "هذه المصانع تساهم في زيادة البطالة، وسرقة الماء ومن قبلها الأرض حيث تكمن العديد من آبار المياه خلف تلك المصانع وكذلك الجدار الذي يحيط بها، إضافةً أن كل العاملين فيها هم فقط عمال فلسطينيون لا حقوق لهم حيث لا يملكون تأمينا صحيا ويعانون من انخفاض الأجور".
وأكد أن الإسرائيليين يرفضون العمل في مثل هذه المصانع لأنهم يدركون خطورتها وعدم قانونيتها، وأفاد أنه جرى قبل ذلك احتجاجات من قبل الإسرائيلين على حكومتهم في رفضهم لهذه المصانع وإغلاقها؛ فقامت الحكومة بنقلها إلى خارج الداخل المحتل فيقع ضررها على الفلسطينين فقط دون غيرهم.
حالات مرضية
وفي حديث مع العامل (م.ع) أحد العاملون في تلك المصانع، أكد على ذلك قائلاً: "مضطرون للعمل هناك في ظل نقص فرص العمل رغم ما نعانيه من الأمراض وأجواء العمل غير المريحة، فكل المصانع ذات صناعات خطيرة من ألمنيوم وبلاستيك واسمنت ومطاط ومواد كيماوية وغيرها، فأنا قبل أن أعمل فيها كنت بصحة جيدة (بهد جبال) وأصبحت لقمة العيش مغمسة بالذل حسب وصفه".
ويرى سلمان أن كل هذا يأتي في هدفٍ خبيث للإسرائيلين على حد تعبيره في جعل سكان تلك المناطق يغادرونها طوعاً وإفراغها منهم، خاصة أنه يُلحظ توجه السكان لاستئجار وشراء شقق سكنية وسط المدينة أو في أي منطقة أخرى بدلاً من المناطق الغربية في طولكرم المقامة عليها المصانع.
وفي شهادة لإحدى سكان تلك المنطقة أبدى استياؤه من الخطر الذي يحل بالمنطقة دون اهتمام وإدراك من أحد، حيث أشار لما يعانيه أطفاله من ضيق تنفس وسعلة مستمرة وخاصة في الأحداث المروعة التي تحدث من حرائق وانفجارات هناك، فإن المنطقة تغدو غير صالحة للحيوان فكيف للانسان؟! كما عبّر في قوله.
وفي ظل المحاولات والحملات التي أقيمت بهذا الشأن من دراسات ومؤتمرات ومناشدات دولية، يرى المهتمون والمطلعون أن التعويل على الوعي ضروري في زيادة الوعي البيئي والصحي لدى المواطن، وعمل المزيد من المشاريع التي تثبت أخطار ذلك بشكل علمي واضح، والضغط على حكومة الاحتلال بشتى الوسائل لتوقف هذا القتل البطيء للمواطن الفلسطيني.