شبكة قدس الإخبارية

النضال الافتراضي: "غزة لا تحتاج لتضامنكم"

أسماء عطاونة

غزة «وين الملايين»؟!

ها هي غزة المحاصرة «الصائمة» تقصف من جديد، وها هي تكشف أكاذيبنا وعجزنا من جديد، فبينما نفطر نحن على ضربة المدفع، أمام السفرة «الطويلة والعريضة» يقتل أطفال غزة الصائمون ويفطرون ويتسحرون على ضرب الصواريخ والقنابل الصهيونية. ما أستغربه فعلا هو نقص كبير في كرامتنا «العربية» وكأن الكرامة ماتت في الثمانينيات وانتكست «نخوتنا» الفلسطينية قبل العربية باستشهاد واعتقال «الشرفاء» من المناضلين أياً كانت أحزابهم. وربما كانت أمي «الأمية» محقة بقولها «يما اليهود بدها الخونة، لو هادول اللي ضايلين شرفا.. كان زمان اليهود كتلتهم»! ما يقتلني هو طريقتنا «الفلسطينية في النضال! وطريقتنا العربية في «التضامن» مع هذا النضال وهذه المقاومة. أتذكر كيف كانت محطات التلفزيون العربية رغم اختلافها، تتعاون جميعها وتوحد نشر الأخبار والأغاني الثورية تضامنا مع ما يحدث في فلسطين، وكم رددنا أطفالا أغنية «وين الملايين!» وأغنية «أناديكم وأشد على أياديكم»، أغانٍ تجعل دمنا يغلي ووعينا يكبر لما يحدث، فنعيش اللحظة مع الشعب المقاوم في فلسطين، بدلا من أن تخفق دقات قلوبنا أمام «أرب أيدول» ونردد كالببغاوات «علّي الكوفية» و«بشرة خير»!!

نضال عا «سنجة عشرة، وجِل عا الشَعر كمان»

يتسارع الـ«متضامنون» اليوم أمام شاشاتهم «الافتراضية» وبعد أن يكونوا قد ملئوا بطونهم بوجبات «من الأخضر لليابس» منفزرين «من كتر الأكل» مع كأس «الجرين تي» للمساعدة على الهضم! وطبعا لا بد من صحن الفاكهة المشكلة والمكسرات بجانب شاشة «الماك» ليبدأوا بتضامنهم الافتراضي أو ما أسميه بـ«نضال الكنباية» عن طريق «الفيس بوك» أو عن طريق نقرة إصبع على «الأيفون» أو «البلاك بيري»! وبت أشعر بأن منهم من يشارك في مظاهرة فقط ليلتقط لنفسه صورة «سِلفي» أو فيديو ويلهث مسرعاً إلى أقرب مكان يكون فيه إنترنت لـ«يدوشنا» بنضاله وإثباته للنضال عن طريق صوره «بالكوفية» «حاملا العلم» ولابسًا أجمل ملابسه، متضامنا مع غزة «يا عمي إنت جاي تتظاهر ولا تزبط بنات؟!» وفعلا أنني أستغرب كثيرا ومنذ كنت طفلة طريقة الدعم العربي لقطاع غزة، ونظرتهم لأهالي غزة المحاصرة وخاصة المثقفين منهم وبالذات «اليساريين، العلمانيين والشيوعيين» العرب طبعا فالأجنبي لا عتب عليه!.

فهؤلاء «الشيوعيون» الذين لايرحموننا أيضا من «مقولات مقتطفة من ويكيبيديا» لكارل ماركس ويـ«زهقونا عيشتنا» بأقوال لجيفارا ومدى حبهم له، فهم يستمعون لجيفارا ويرتدون قبعته وشنطته ودبوس عليه صورته وحتى «ملابسه الداخلية»! وشاهدت مرة بأن هناك دخان جيفارا وولاعة جيفارا! كل هذا طبعا غير سباق «الستيتاس» والـ«تغريدة» ومن يكتب وينشر أكثر وأسرع! ربما أكون «رجعية» و«متخلفة» ومش عا الـ«موضة» ولكني عشت ورأيت نضالا وتضامنا يختلف جذريا عن ما أصبح عليه حالنا اليوم وبالطبع لا أشمل بانتقادي هذا بعض الـ«بروفايلات» الجدية والتي أثرت بشكل كبير على الشارع العربي خلال الـ«ثورات العربية»!

من غزة لرام الله «الله يلعنك يا سلطة القشل»!

وصلت إلى غزة لأتابع دراستي الجامعية وأسجل في جامعة الأزهر في قسم أدب إنجليزي لأرى «سلام السلطة الفلسطينية» على أصوله، وكان حظي أن أصل إلى غزة في عام ١٩٩٦ بعد التوقيع على معاهدة «الخزي والعار» أوسلو وانبسط الناس لسماعهم كلمة «سلام» ووعود السلطة الوطنية «الكاذبة» بخلق فرص العمل وتحسين وضع الناس الاجتماعي، بينما عبر آخرون عن غضبهم وسخطهم وأنا منهم وأطلقوا شعار «لا تصالح» و«كيف نصافح من تلطخت يده بدمائنا» وكيف لنا أن نثق بـ«الصهاينة»؟ ورأيت في غزة ما لم أره اليوم في فرنسا من فساد وفسق وفجور ونصب وسرقات! أجل لم تحترم «السلطة الفلسطينية» وسأغضب بقولي هذا الكثيرين! ولكنني أقول ما عشته شخصيا ومن حقي أن أعبر عن رأيي بحرية! انتشرت في غزة الـ«دعارة» وأصبحت تلقب غزة ببلد الـ«مليون عقيد»من كثرة المناصب العالية التي كان يحتلها من كنا نسميهم «رجال السلطة» ورأيت السيارات آخر موديل والصياعة أشكال وألوان! ورأيت ارتفاع طوابق الأبراج لتنافس الأبراج في دول الخليج!

وشاهدت بعيني كيفية استغلال «فتيات مسكينات من العائلات الفقيرة» وتهديدهن إما بالعمل لرجال المخابرات كعاهرات وإما أن يفتضح أمرهن ويقتلن بجرائم شرف. وفتحت الشواطئ وكثرت المايوهات ولكن للسلطة الفلسطينية فقط! ولا يجوز للمواطن العادي الدخول لهذه الأماكن! فكيف يدخل ويدخن الأرجيلة ويسبح ويتمتع وهو لايمتلك قرشا يسدد فيه ضرائب الحكومة المفروضة عليه أو ثمن فاتورة الكهرباء أو شراء انبوبة الغاز بـ«فلوس تبرع فيها الاتحاد الاوروبي للمواطن الغلبان ولم ير منها قرشا»! عشت كل هذا وأستطيع أن «أضع إصبعي في عين أي أحد سيكذبني». وأصبح المواطن الغلبان «المذلول» في حالة غضب وسخط جراء هذا الظلم وهذا الفرق الشاسع بين «المواطن العادي والشرطي في السلطة الفلسطينية». غير أن السلطة والشرطة لم تحترم أبدا عادات وتقاليد المجتمع «المحافظ جدا» ويعيش منذ الطفولة في سجن كبير مفتوح السقف! ولم يحترم ولم يستمع لمشاكل وهموم شعبه البسيط! وأتذكر عدم احترامه للرأي الآخر فـ« السلطة» لم تتخاذل يوما عن مساعدة «إسرائيل» في حبس كل من يختلف عنها في الرأى سواء كان من حماس أو الجبهة وكان الشباب يركضون إلى مآذن الجوامع ليصرخوا «الله أكبر، انقذونا يا عالم، رجال السلطة بحبسوا فينا»! وأتذكر قصف سجن غزة الممتلئ بشباب من حماس. أنا لم أعش في رام الله ولكني أتابع الأخبار ورأيت فيديو أبو مازن «الخائن» وهو يتنازل عن حق العودة، ويغصب الفلسطيني على الفرحة لأنه حصل على كرسي في الأمم المتحدة، ويهاجم بشرطته شباب وصبايا يخرجون إلى الشوارع للتظاهر مع إخوانهم في غزة! السلطة يجب أن تسقط والخونة سيأتيهم يومهم وكما يقول جدي «راح ينطخوا من بين عنيهم زي خيول الإنجليز المريضة»!

عزلة المثقف وغيابه عن واقع شعبه!

لم أذكر كل ما ذكرته فوق لأعبر عن انتمائى الشخصي لحماس كحركة «ولا لأي حزب فلسطيني حالي» بل أؤيدها كطرف مهم في القضية الفلسطينية والمقاومة وطرف مؤثر على الشعب الفلسطيني وخاصة في غزة المحاصرة. وأريد أن أحذر من قضية مهمة جدا، وهي الاستماع لرغبة الشارع ورغبة المواطن «الغلبان» واحترام قراره حتى لو كان مختلفا عن ما نقرأه من كتب عن «ماركس» أو إعجابنا الكبير باللون الأحمر والمنجل والمطرقة الذي يغطي بروفايلاتنا! لقد اختار شعب غزة حماس ديمقراطيا وأمام عيون العالم أجمع، ومن واجبنا بأن نحترم خيارهم وحرية تعبيرهم بدلا من انتقادهم والسخرية منهم ووصفهم بالـ«جهل والتخلف». أريد أن أوضح لكل علماني أو يساري أو شيوعي ساخط على حماس بأن عليه احترام خيار الشعب وبأن عليه الاستماع لمطالبه بدلا من السخرية منه.

الشعب «الغلبان» الذي يعاني الجوع، البطالة والفقر والاحتلال والكهرباء التي تقطع بالأشهر والسنين! كيف لي كـ«مثقفة» بأن أسخر من شعب وأصفه بالجاهل بدلا من أن استمع لهمومه وأتعلم من حماس كيف أصل لقلبه؟ ألا يعبر استهزاء المثقف بالمواطن عن جهل المثقف نفسه وتكبره؟ ألا ينتمي المثقف لمجتمع «محافظ وتقليدي، يلجأ فيه الإنسان للدين والصلاة كمعالج لهمومه» لماذا نلوم حماس التي ساعدت الناس اجتماعيا لنيل غرضها ولا نلوم جهلنا كمثقفين وشيوعيين نطالب بالمساواة في الحقوق للجميع؟ كيف لي أن أتحدث عن هموم المواطن وأنا همي جيبي «ومعاشي»؟! وكيف أكتب عن الجوع وأنا «بطني ممتلئ»؟ وكيف للمواطن بأن يصدقني وأنا لا أرى فيه إلا إنسان جاهل ومتخلف لايقرأ ما اقرأ من كتب!!! لماذا لا يتعلم المثقف من تشي جيفارا نفسه بأن يرى المعاناة عن قرب ويختلط بالناس ولا ينتهي طموحه إلى الجلوس على الـ«كرسي» بدلا من نضاله الدائم بجانب الفقراء. شخصيا لا أثق ولا أحترم أبدا أي مثقف يرى نفسه مترفع المنزلة عن الناس البسطاء ويعتقد بأنه «يفهم» أكثر منهم، ويفضل بدلا أن يتواصل معهم بأن يعيش خلف شاشته «الافتراضية» في عزلة عنهم!