ليست مجرد عوارض خشبية تحمل صوراً جلدية، أو لوحاتٍ تعبر عن فن أو ترصد مشهد جميلاً، إنه معرض يرسم حروف أرواح طالما أخفاها الظلم خلف القضبان، وصور ناطقة من عالم سجون الاحتلال. "معرض أرواح لا صور" الذي نظمته رابطة الأسرى والمحررين الأسبوع الفائت لطلاب الجامعة الإسلامية الذين استنطقوا دهشة واستحضروا عزيمةً خلال تأملهم صور حياة المعتقلين الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي. وحل المعرض الذي أراد له منظموه أن يصبح متنقلاً بين الجامعات الفلسطينية، ضيفاً على قاعة المؤتمرات بالجامعة الإسلامية في غزة حيث غص بالزوار وترك فيهم انطباعاً غير الذي غامرهم قبل دخول المعرض. ويضم المعرض أكثر من 140 صورة التقطها المعتقلون الفلسطينيون داخل سجون الاحتلال ترصد الواقع الذي يعيشونه وروح الحياة التي يتمتعون بها داخل سجون الاحتلال. فالطالب الجامعي أحمد لافي وقف متسمراً أمام صورةٍ لأسير فلسطيني ليقول بعد ذلك بأنه لم يتخيل أن يكون واقع الأسرى بهذا السوء. ويضيف "أحاول عادةً نقل معاناة الأسرى، ولكن بعد زيارتي لهذا المعرض أعتقد بأن جهدي سيكون أكبر في خدمة أصحاب الحقوق المسلوبة". وبينما انطلق لصورةٍ أخرى وقف الأسير المحرر رجائي الكركي يستذكر مواقفه مع بعضٍ من الصور المعروضة التي يظهر بها وقت أن كان أسيراً. وتوسط جمعاً من الطلاب ليذكر لهم تفاصيل خلف الصورة المعروضة، ويقلّب بذاكرته مواقف وحكايا الاعتقال، حيث "الظلم يبسط جناحه، والقيد يحكم أقفاله، وروح الحرية لا تزال تحلق في زنازين الاعتقال" كما وصف الكركري.
ولعل زاوية حظيت بالتفافٍ أكبر لدى الطلبة حين يشاهدون فيها الأسير "الطّباخ"، وإلى جواره مجموعة من الأسرى يصنعون حلوى "الكعك والمعمول". وغير بعيد عنها صورة أسيرٍ آخر بدا منهمكاً بتقطيع الجزر وقد ابتاع من الكانتين "المكان المخصص لبيع الأغراض اللازمة للأسرى" علبة من سمك التونة وإلى جانبها وعاء من الألمنيوم لطهي المكونات. وبدا الطالب محمد عثمان متأثراً بالأجواء الاجتماعية التي تجسدت بصورٍ تظهر تبادل الزيارات بين الأسرى في فتراتٍ محددة، وركز اهتمامه في إحدى الصور التي كان فيها مجموعة من الأسرى يحتسون القهوة ويبتسمون لزميلهم الذي يقوم بتصويرهم. أما الطالب الجامعي عبد الله سعيد فاهتم بالتقاط صورٍ لنفسه مع صورٍ داخل المعرض، واشار إلى انه سينشر هذه الصور ويدعو أصدقائه لـ"زيارة المعرض والتقاط روح الأمل الذي يعيشه المعتقلون". وقال "الأسرى يعيشون واقعاً صعباً للغاية، أتمنى أن يتم الإفراج عنهم، وأن يقفوا موقف الحرية ليتسمروا أمام هذه الصور وهم أحرار". وفي الجانب الآخر من المعرض كان الأسير المحرر علاء الرجبي طالب كلية التجارة بالجامعة الإسلامية اصطحب زملاء الدراسة في الجامعة ليعكس لهم روح المحنة التي يعيشها المعتقلون -على حد وصفه-.
وقال علاء "إن المعرض يحمل رسالة ممتازة جداً توضح وضع السجون والأسرى داخل المعتقلات"، مستذكراً أمام جانب زملائه بقوله "لقد كنت في هذه المعاناة، وقد منّ الله علي بالحرية". "أتمنى أن يخرج صديقي العزيز الأسير أبو عبد الله من أسره قالها علاء وهو يشير الأسير في الصورة، ناقلاً سبابته لصورة أخرى "لقد عشت مع هؤلاء الأسرى وهذه الزنزانة التي مكثت فيها ثلاث سنوات". وبتأثر واضح كان زملاء علاء يتنقلون بين صورة وأخرى، حيث عبر بعضهم عن ضرورة إحياء قضية الأسرى والتعرف عن قرب على ظروف الحياة التي يعايشونها. وإلى جانب الصور تتزين الحائط قائمة بأسماء عدد من الأسرى القدامى منهم الأسير ماهر يونس المعتقل منذ عام 1983م، وعيسى عبد ربه منذ عام 1984م، وأحمد شحادة منذ 1985م، وكان نائب رئيس الجامعة الإسلامية للشئون الإدارية، الدكتور يحيى السراج ورئيس رابطة الأسرى والمحررين توفيق أبو نعيم، افتتحا أعمال معرض "أرواح لا صور" الذي تنظمه وحدة الأنشطة اللامنهجية بعمادة شئون الطلبة بالجامعة الإسلامية بالتعاون مع رابطة الأسرى والمحررين في بهو مركز المؤتمرات بالجامعة، حيث تتواصل أعماله حتى العشرين من مارس الجاري.