وسط الصراعات الخارجية والداخلية التي يعيشها الفلسطيني يخوض ما يزيد عن ١٧٠ أسيراً إدراياً، معركة طاحنة مع مخابرات الاحتلال "الشاباك" كي يستطيعوا إنتزاع حريتهم من قبضة قانونٍ غاشم خلفه الإنتداب البريطاني وراءه قبل أن يندحر عن فلسطين عام ١٩٤٨م.
قانون توقف العمل به منذ ١٩٤٥، وأعاد الاحتلال الإسرائيلي استخدامه مع نشوء دولته الاحتلال بصياغة قانونية جديدة.
من هو زيد الجنيدي؟
زيد شاكر الجنيدي، من الخليل المحتلة، أب لثلاثة أطفال، بنت واحدة هي الصغرى، وولدان، عمره ٣٨ عاماً، قضى ٥ سنوات في الاعتقال الإداري، بشكل متفرق، آخر اعتقال له دام ٤ أشهرٍ، منها ٢٢ يوماً في الإضراب عن الطعام، قبل أن يفرج عنه بتاريخ: ؟؟؟ يحمل شهادة الديبلوم في الكهرباء، ويعمل في بلدية الخليل.
متحدثاً عن أثر الاعتقال الإداري علية شخصياً، قال الجنيدي أنه في عمله منذ ١٨ عاماً، وهو ما كان ليؤهله لأن يتدرج وظيفياً لولا الاعتقالات الإدارية المتكررة التي منعته من ذلك، وهو ما أثر أيضاً على عمله الحر بعد فروغه من الدوام الرسمي في البلدية، ففي كل اعتقال كان يخسر "ورشات الكهرباء" التي يكون مشرفاً عليها، فالإعتقال يؤثر على أداءه وإستمراريته في العمل لإنهاء هذه الورشات، كما يؤثر في حصوله على ورشات اضافية.
إنضم إلى الإضراب وهو لا يعرف أنه سيفرج عنه
يقول الجنيدي: "حين إنضممت للإضراب، لم أكن أعرف أنه سيكتب لي الإفراج، من النادر على من يخوض الإعتقال الإداري، أن يفرج عنه بعد ٤ أشهر أو أقل من ذلك، في الاعتقال قبل الأخير أفرج عني في شهر ٩/ ٢٠١٣، وتعرضت بعدها للإعتقال في سجون السلطة الفلسطينية، وبعدها بفترة قصيرة ( في مطلع شهر يناير ٢-١٤) اعتقلت مرة أخرى".
هذه المرة بالذات يقول الجنيدي إنه لم يكن عند المحتل سبب لاعتقاله، وبعد ١٥ يوم من الإضراب أتاه خبر بحكم جوهري يقضي بالإفراج عنه، لكنه لم يوقف إضرابه، "لأن الإعتقال الإداري، سيف مسلط على جميع الفلسطينيين".
عزل الرملة -أيالون- رطب وحار... تقتله عزائم الأسرى القوية
خلال إضرابه نقل الجنيدي مع رفاقه إلى عزل الرملة - أيالون، يصف الجنيدي العزل بأنه "حار، رطب، وهو مبني تحت الأرض بالكامل، وكان يزيد الطين بله اصرار الاحتلال على إذلال الأسرى، وإخضاعهم للتفتيش المتكرر، وإجبارهم على خلع جميع الملابس، وتغييرها بأخرى عدة مرات في اليوم، للتأكد من عدم حملهم للملح".
يرافق الأسرى في هذا العزل، بطانية واحدة، وفرشة واحدة، ويخضعون للتفتيش العاري مرة أو مرتين يومياً، ومن غير المسموح لهم بأن يروا وجه الشمس، فبحسب الجنيدي، "الفورة" ممنوعة على الأسرى، قائلا: "هم يريدون أن نكون السجانين لأنفسنا، إلا أن الأسرى على قدر هذه المعركة، ورغم أن أجسادهم بدأت بالتهاوي إلا أن عزائمهم قوية".
يوضح الجنيدي أن ٣٧ أسيراً إدارياً غادروا سجن عوفر إلى أيالون، في مطلع الإضراب، ثم وزعوا على عدة زنازين صغيرة تحت الأرض، في كل زنزانة ٤ أو ٥ أسرى، جميعهم أجسادٌ منهكة، عندما خرج الجنيدي من هذا العزل كان قد ارتفع العدد إلى ٤٩ أسيراً إدارياً.
شارحا أن أسلوب المعاملة الذي تتعامل فيه إدارة السجون مع الأٍسرى المضربين عن الطعام لا يرقى لمعاملة "الحيوانات"، ويرفضون تقديم أي مساعدة طبية للأسرى، وما ينالونه من مساعدة يكون بعد ممارسة ضغطٍ شديد من الأسرى عليهم.. " قبل أن يفرج عني، كان معنا أسير من عائلة عياش في بيت لحم، وكان يتقيأ الدم، ولا يستطيع شرب المياه، الطبيب رفض علاجة قبل أن يبدأ بتناول الطعام، رغم أنه يستطيع إعطاءه المدعمات لتحسين وضعه، وطبعاً فحصه من خلال النظر إليه عبر فتحة الزنزانة".
"السجانون يجبروننا على الوقوف للعدد وهو ما لا ينصاع له الأسرى، نحن لا نستطيع الوقوف إلى الصلاة، كيف تريدني أن أقف للعدد؟!".
الاعتقال بدون تهمة.. والاذلال المتكرر سبب خوض الاضراب
أوضح الجنيدي أن الاعتقال والعقوبة التي يخضع لها الأسرى، بلا تهم، هو الدافع الأساسي لخوضهم الإضراب، فحتى "الحيوانات" ترفض أن تعاقب بدون سبب، مضيفاً أن تكرار الاعتقال والتمديد الإداري، والجرح الذي يخلفة التمديد المتكرر داخل نفسية الأسرى وذويهم، سببٌ هام أيضاً.
عوامل القوة.. وحكاية الإداري
توجد عوامل تقوي الأسرى المضربين عن الطعام، منها مشاركة كبار السن في هذا الإضراب حسب زيد، وهم مدركون لصعوبة هذه الخطوة، ما يعني رفضهم لمحاولات تحطيم النفسيات الذي يتعرضون له.
تبدأ حكاية الإداري، والمحاكم الصورية منذ اللحظة الأولى التي ينقل فيها الأسير لأول مرة للمحكمة، رحلة سفرٍ طويلة يرى فيها الويل وهو مكبل الأيدي والأرجل، يجول السجون جميعها، كي يجمع الاحتلال الأسرى في "البوسطة" يجلسونه على الحديد ليذهب لمحكمة يدرك أن القاضي فيها الذي يقف أمامه ما هو إلا صورة، ومحامي المحكمة صورة أيضاً، يوهمون الأسير كل مرة بأن ملفه السري "بسيط" وبأن الفرج قاب قوسين أو أدنى، تعود من المحكمة، وتنتظر شهر، بعد شهر، يجددون الإداري بحقك، لو قدمت طلباً للإستئناف لا تتوقع أن تنال شيئاً، يعيدونك لنفس المحكمة، ولنفس الصور المتحركة، تدور في حلقة مخابرات الاحتلال المفرغة دون نتيجة، هذا كان وصف الأسير المحرر الجنيدي لمختصر حكاية الإداري.
ثم أضاف : "أنا مثلا كنت موجودا في سجن النقب،٣ أيام وأنا مكبل، في مجدو، عشر ساعات وأنا مكبل، خلال عامي الاعتقال السابقين، عرضت على المحكمة ٨ مرات، كل تمديد تتكرر هذه القصة، ولهذا خاض الإداريون معركة الإضراب، كي يتخلصوا من هذه المعاناة.
عزيمة الأسرى قوية رغم كل شيء
" لأنهم أضربوا بإرادتهم، ولأنهم مؤمنون بعدالة قضيتهم، وبأن النصر حليفهم، فمعنوياتهم عالية، وهم مدركون لصعوبة خطوتهم، وماضون بها حتى الشهادة أو النصر" هذا حديث الجنيدي عن المضربين، موضحاً أنهم حين بدأوا بهذه الخطوة، اجتمعوا لمدة أسبوعين كاملين، كي يكونوا مستعدين تماماً لهذه الخطوة، ويتجنبوا تحايل إدارة السجون عليهم، وإفشال خطوتهم.
ولأن الأٍسرى مستعدون لطول هذه المعركة، كونها معركة "كسر العظم" فقد إستفتوا المشايخ في الأسر، عن إباحة أو حرمة أن يفطروا في رمضان، كي يستطيعوا الإستمرار بخطوتهم.
ومما ذكره الجنيدي، اعتزام الأسير المريض بالسرطان نبيل النتشة مرافقتهم إلى العزل، حتى يمضي بالإضراب، فما كان من الأسرى إلا أن ترجوه جميعا بالعدول عن خطوته، ووقف الوزير عيسى الجعبري وهو يعاني من السكري والضغط، وأقسم بالله أنه لو خاض نبيل الخطوة، فسيخوض هذه الخطوة معه.
عن طبيعة الإضراب قال الجنيدي أن "هذه المرحلة هي مرحلة عض الأصابع، فالشاباك لن يرضى بسهولة أن ينهي عقودا من الظلم، ونحن ظهرنا مسنود بأشقاءنا الذين يساندون الإضراب من داخل السجون، ما يعني الضغط الشديد على إدارة السجون.
رسالة للقيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني
حمل المحرر الجنيدي رسالة من الأسرى يطالبون فيها القيادة بدعم الإضراب، وإعطاء فسحة للإحتجاجات والمسيرات للضغط على الاحتلال، واستخدام الطرق الدبلوماسية للضغط عليهم، ودفعهم للإنصياع لمطالب الأسرى عبر التواصل مع الدول التي تملك علاقات جيدة بالاحتلال، وإيصال مطالب الأسرى بالحرية دولياً عبر الأمم المتحدة، والدول الأوروبية.
وطالبوا الشعب الفلسطيني بألا يترك عائلات الأسرى وحدهم في الميدان، وأن يقفوا بجانبهم بما يليق بتضحياتهم، ويضيف بوجه متعب : "لا يجب أن تكون هذه معركتهم وحدهم.. الأسير يشعر أنه وحده في هذه المعركة".
وأوضح الجنيدي أن الدور الأكبر للشارع ليقف مع الأسرى "نحن كنا معزولين عن العالم، كان تواصلنا الوحيد مع العالم عبر المحامين في المحاكم، الأسرى كانوا يشعرون بأنهم ليسوا وحدهم عندما يسمعون عن مسيرات التضامن، التي تجوب الشوارع لدعمهم".