قدم إلينا محمد بكري الفنان الذي أبدع بتقديم رائعة الراحل إميل حبيبي المتشائل على خشبة المسرح، قدم إلينا عمله الأخير على شكل فلم قصير عنونه بـ "يرموك" ناسيًا أو متناسيًا أل التعريف دون أن نعلم إذا كان حذفها محاولة لتحويل اليرموك إلى نكرة أم أنه مجرد سذاجة جديدة يرتكبها بكري تضاف الى أدواره السابقة في الأفلام العالمية والتي شوهت صورة الفلسطيني؟!
أما الفلم نفسه من الناحية الفنية فلست بمقام يخولني تقييمه ، وأنا لست سوى متلقٍ للسينما وﻻ شأن لي بنقدها أو غيره. أما نص الفلم الذي يعرض في ثماني دقائق وثماني ثوانٍ عن رجل من اليرموك يضع ابنته في سيارة مرسيدس فارهة ويقودها ليلتقي بخليجي يجلس بمرسيدس أخرى "ليبيعها" له. وهذا النص نفسه هو محض خيال من المستحيل حدوثه في اليرموك المحاصر. فهل يعلم السيد بكري أن الحصار لا يتيح لأحد مغادرة المخيم حتى لو كان على حافة الموت فهل يستطيع بطل الفلم أن يخرج من المخيم ليبيع ابنته؟
وهل يستطيع هذا الخليجي العاشق للجنس كما يصوره بكري كسر الحصار "لشراء" هذه الفتاة؟ وهل يعلم السيد بكري أن امتلاك سيارة مرسيدس هو من علامات الثراء في سوريا؟ ناهيك عن ندرة الوقود في المخيم لتشغيل أية سيارة. والأهم من كل هذا، هل تختزل كل المعاناة في المخيم برجل يبيع ابنته؟
ما سبق ينسف أية رمزية ممكن أن يحتويها الفلم لأن الرمزية لا يمكن أن تنافي الواقع، ولكن يدعونا للسؤال: هل يجهل السيد بكري أدنى الحقائق حول اليرموك؟ أم أن غايات أخرى تختبىء خلفه. إن ما ورد في فلم بكري هو إساءة جديدة ﻷبناء المخيم وإضافة جديدة لمعاناتهم. فبعد الفلم لا تقع على عاتق شباب المخيم مسؤولية مقاومة حصار أبناء جلدتهم وأبناء عمومتهم ومقاومة آﻻت الحرب فحسب، بل عليهم أيضا مقاومة تزوير الحقائق وقلبها وتحويلهم إلى مجتمع يبيع أبناءه مقابل المال . وتبدو القضية أكثر قسوة حين يكون المشوِّه هو ابن الشعب ذاته.
على أية حال إن كان محمد بكري يفتقد المعلومة الصحيحة وعاجزاً عن إدراك حقيقة مجتمع مخيم اليرموك فإنني أحيله إلى مجموعة من الأعمال التي أنتجت تحت الحصار والتي قدمها أصحابها لتكون مرآة حقيقية لمعاناة الناس وعنوانا لإنسانية أهل المخيم. أحيل بكري إلى فلم "ميغ" للمخرج الشاب ثائر السهلي وفلم "شباب المخيم" واللذين سينشران قريباً. وأحيله أيضا لأعمال الشهيد حسان حسان المسرحية منها أو الساخرة، وأعمال المخرج حسن الطنجي. لعل السيد بكري يدرك حقيقة الحال في المخيم وحقيقة مجتمعه وليعرف كيف تكون السينما ناجمة عما يراه أصحابها بأم العين لا عما يسمعونه أو يتخيلونه، ليتعلم كيف هي السينما حين تؤدي رسالتها الإنسانية.
*باسم كوسا - مخيم اليرموك



