كتب المؤرخ الإسرائيلي رون بونداك أحد الذين قادوا الحوارات السرية قبيل إتمام اتفاق أوسلو، وكان حلقة الوصل بين القيادة السياسية الفلسطينية والإسرائيلية قبل بدء الحوارات الرسمية، مقالا في صحيفة "هآرتس" تناول فيه الوضع الجاري بشأن العملية السياسية.
وتحدث بونداك عن الرئيس محمود عباس، وكيف نجح بإقناع الرئيس الراحل ياسر عرفات وقيادة منظمة التحرير بالاعتراف بإسرائيل عام 1988، ومن ثم الدخول في اتفاق أوسلو، قائلا عنه "أنه الشخص الذي يكرر طلبه بأن يكون الاتفاق المقبل نهاية للصراع وأن يفضي إلى إنهاء المطالب".
وأشار إلى التصريحات التي يطلقها وزراء وسياسيون إسرائيليون بالإضافة لكُتاب وصحفيون ضد الرئيس عباس، قائلا "إن شيئا ما في هذا الشخص النزيه وهو واحد من أكثر الزعماء استقامة في العالم، يصيب هؤلاء الأشخاص بالجنون".
وأضاف: "أنا أعرف أبو مازن من خلال لقاءات كثيرة أجريناها في العشرين سنة الأخيرة، وأنا أتابع سلوكه منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي، والذي يفحص في موضوعية عن أقواله – المعلنة والتي قيلت في الغرف المغلقة – وعن نشاطه يخلص إلى استنتاج أنه لا يوجد زعيم عربي أكثر اهتماما منه بالتوصل إلى سلام مع إسرائيل مع أخذ في الحسبان لحاجاتها ومصالحها الحقيقية".
ولفت إلى أن اللقاءات التي كانت تجري بين الرئيس عباس، ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أيهود أولمرت، ووصل عددها إلى 36 لقاء، بأنها كانت ستنتج عن اتفاق نهائي يجد حلا لكافة القضايا الجوهرية بما فيها القدس واللاجئين والحدود والأمن، وأنهما لو استمرا لأشهر عدة أخرى لتم التوصل لاتفاق مبادئ موقع عليه مصحوبا بخريطة الحدود الثابتة النهائية بين دولتين لشعبين – إسرائيل وفلسطين.
وأشار إلى أن عباس وأولمرت لم ينجحا في صياغة الاتفاق بسبب توقف المحادثات عقب إعلان أولمرت استقالته بعد تقديم لائحة اتهام ضده، وفي المقابل كان عباس يتعرض لضغوط فلسطينية للكف عن التفاوض، وفي ذات الوقت وجد أن أولمرت لم يعد مفاوضات شرعيا وكانت الأنباء تتحدث عن أن ليفني توشك على إنشاء حكومة بعد أولمرت وفضل إتمام الصفقة معها.
ولفت إلى أن أولمرت حاول إقناع عباس بالاستمرار بالمفاوضات والتوقيع على خريطة تشمل ضم إسرائيلي لأراضٍ مقابل تبادل أراضٍ أخرى، لكن أبو مازن رفض وفضل الاتفاق مع الزعيم القادم في إسرائيل.
كما أشار بونداك إلى الوثيقة المسماة "بيلين- أبو مازن" في عام 1994، والتي كان هدفها أيضا مماثلا لمحادثات عباس وأولمرت من خلال صياغة وثيقة مبادئ مصحوبة بخرائط ضم أراضٍ وتبادل أخرى، وأنه تم إنهاء صوغ الوثيقة قبل قتل رابين بخمسة أيام، وأنه لو لم يقتل لكان أبو مازن وافق عليها وأصبحت برنامجا للمحادثات في التسوية الدائمة ولربما كان الواقع يختلف الآن تماما.
ويقول: "إن صيغة أبو مازن للسلام كانت ولا زالت واضحة وهي إنهاء الصراع من خلال اتفاق دائم يفضي إلى سلام وتطبيع علاقات بين إسرائيل وكل الدول العربية والإسلامية بشرط إنشاء دولة فلسطينية منزوعة السلاح على أساس 67، وإجراء تعديلات حدودية وتبادل أراضٍ بنسبة 1 إلى 1، وعاصمتين للقدس وسيادة فلسطينية حقيقية دون قوات عسكرية، وصيغة محكمة بشأن اللاجئين من خلال تعويضهم".
وختم قائلا: "أراد أبو مازن وما زال يريد التوقيع على اتفاق مع إسرائيل وهو لم يكن قط يشتهي الحكم، وهو يبغض كل شيء يقترن بذلك، والسبب الرئيس الذي يجعله موجودا في منصبه؛ إرادته بأن ينهي الاحتلال وإنشاء دولة فلسطينية في حدود 1967 وسلام مع إسرائيل يراه لبنة استراتيجية في المستقبل الفلسطيني، لكننا سنبقى نتهمه بمختلف التهم التي ليس لها أساس في الواقع إلى أن يأتي رئيس وزراء إسرائيلي شجاع مثل أولمرت ويعرض عليه صفقة عادلة غير مُذلة لا من موقع قوة واستكبار كما يجري في هذه الأيام".