تقرير: لارا يحيى/ صور: مصعب شاور:
قبل ٢٤ عاماً من اليوم فقد الأسير المحرر خالد عساكرة الأزرق زوجته "أمل" في عملية استشهادية بالقدس المحتلة، وفقد بعدها بشهرين حريته.. لكنه عاد من جديد لأزقة المخيم الذي اتسع واتسع واختلف كليا.. عاد له في منتصف أكتوبر الماضي، بدون أمل التي عاشت بداخله سنوات وسنوات.
عن حكاية الأمل والحب والوطن والحرية .. بوجه حزين ينظر إلينا النحيل خالد الأرزق، ويحدثنا: "أنا لم ألمس الحرية بعد أحاول أن أعيشها، لقاء أهلنا وشعبنا لنا وتلك المكانة التي أشعرنا شعبنا بها لدى الاستقبال كان لها كبير الأثر في مشاعرنا وكان لها دور بإشعارنا بالحرية.. لكن الحرية صعبة التحديد، وأنا أراها بعيدة عنا، حريتي تكمن بحرية هذا البلد".
[caption id="attachment_35236" align="aligncenter" width="468"] الأسير الأزرق غاب ل24 عاما في سجون الاحتلال[/caption]الأسير الأزرق شقيق الأسير والأسيرات، وزوج الشهيدة اعتبر أن إيمان الأسير الفلسطيني بالنضال وبهويته وبالله وبالنصر الحتمي، هو ما يساعده على التسلح بمقومات الصمود التي تخفف من شعور ألم الأسر، وقال إنه "تسلح بكافة مقومات البقاء حتى وإن كان يملك ظرفاً خاصا متمثلا بفقدانه لزوجته، وهو ما جعله يعيش ألم خاص به حتى ساعات الحرية"، فقدان أمل "زوجتي وحبيبتي ورفيقتي وصديقتي"، فقدانها كان أكثر ما أوجعني أثناء الأسر، لكني لم أستسلم كي لا أنتهي".
مغامرة الدامون.. وسلسلة الاعتقالات
من ٦ / ٦ / ١٩٨٢ - ٦ / ٦/ ١٩٨٥ عاش خالد خلف قضبان سجن الدامون، تهمته كانت تشكيل خلية لمقاومة الاحتلال ساهمت في تصنيع "الملوتوف" في الثانوية العامة، والنشاطات والفعاليات التي تقوم بها هذه المجموعات، ضمت المجموعة أعضاء من الجبهة الشعبية وحركة التحرير الوطني "فتح".
في العام ١٩٨٥ نفذ خالد محاولة هرب من هذا السجن، كان برفقته الأسيرين المحررين خالد برغوث، والأسير المحرر مخلص بلغار، وفهيم حمامرة " كانت خطة الهرب، محاولة لمساعدة زميلهم الأسير فهيم الذي كان يقضي حكماً بالسجن لتسعة سنوات". وكانت الخطة تقتضي أن يتم تجنب جندي الاحتلال المتمركز في البرج قرب مكان الهروب، على أن يغطي مخلص وخالد على الأسيرين برغوث وحمامرة حتى يهربا خارج السجن، هرب برغوث وحمامرة، وسارا مسافة تقارب ٢٠٠ متر قبل أن يأت موعد تبديل دورية الحراسة وهو ما كشف الخطة.
علق الأزرق قائلا: "لقد خذلنا عدم امتلاكنا لتوقيت تغيير الدورية، لكن عقوبتنا كانت بسيطة عُزلنا ٦ أشهر".
[caption id="attachment_35237" align="aligncenter" width="553"] الأسير المحرر الأزرق فقد زوجته في عملية فدائية[/caption]في ١٤ / ٢ / ١٩٨٨- ١٤ /٢/ ١٩٩٠ اعتقل لعامين في فترة الانتفاضة، كان السبب انتماءه لخلية عسكرية، كان منفذ العمليات في هذه المجموعة الشهيد شادي درويش، وكان مسؤولها الوزير الأسير المحرر عيسى قراقع، المجموعة الثالثة كانت قائدتها زوجته "أمل" التي عادت وكلها أمل بعمليات نوعية بعد أن تلقت تدريبها في الأردن.
خلال هذا الاعتقال كانت أمل تزوره بشكل مستمر لكنها لم تكن زوجته، طرحت عليه فكرة الانضمام لمجموعتها، فوافق وحصل ذلك بعد أن تحرر، تشكلت المجموعة من ثلاث أساسيين الأزرق وشقيقها صامد، وصديقهم نضال العزة.
نفذت الخلية عمليتين .. الأولى قتل فيها إسرائيلي وأصيب فيها ١١، في العملية الثانية 31-12-1990 في سوق "محنا يهودا" في القدس المحتلة أستشهدت أمل بعد قيامها بزرع عبوة ناسفة لخللٍ ما انفجرت العبوة، تحول خالد الأزرق إلى خالدٍ بلا أمل.. وبدأت رحلة المطاردة.
عبر وسطاء تم نقل الأزرق بشكل سريع إلى بلدة بيرزيت شمال رام الله، ومنها إلى قرية أم كوبر عن طريق القيادي في فتح الانتفاضة عمر البرغوثي الذي رافقه خلال فترة المطاردة، وأخفي عن الأعين برفقة عبد الله أبو شلبك من "حماس"، وعبد الكريم البرغوثي من الجبهة الديموقراطية، ولم يكن الأزرق يعرفهم بشكل شخصي من قبل، وهو ما جعل فترة التحقيق صعبة وطويله لمحاولة إيجاد الرابط بين هذه التنظيمات جميعها.. لسبب معين أو خللٍ ما استطاع الاحتلال أن يصل لنا أسرع من المتوقع.
في تمام الساعة الثالثة وربع فجراً اقتحمت قوات الاحتلال البيت الذي يحتمي به الأربعة، داهموهم بشكلٍ مفاجئ وكان هجومهم سريع ومباغت.. فسقطت المجموعة كاملة بقبضة المحتل.
لـ ٦٥ يوماً بقي خالد في أقبية التحقيق، مورس خلالها ضده أبشع أنواع التعذيب والاهانات، شبح لأسبوعٍ كامل، وهددوه بإعتقال اشقاءه وهدد بهدم منزل عائلته، وقال مبتسماً "حتى لو هدم المنزل .. ماذا يعني ذلك .. لا شيء، كان منزل والدي قد هدم مرتان في الثمانينيات.. عادي!".
عن الفقدان والاضطرار على الرحيل المبكر قال خالد: "أنا منذ رحلت عن المخيم وحتى ساعات الاعتقال لم أكن مستوعباً لما جرى فقدان أمل كان صعبٌ لدرجة أني لم أكن واعي فعلاً لما حدث، لقد كانت حامل، وما كان في الخطة أن تنفجر العبوة لكنها إرادة الله".
" اضطراري للمغادرة وعدم تيقني من توقيت تسليم الجثمان جعلني بعيد، وهو ما جعل الألم أكبر بداخلي، لو أني كنت أعرف موعداً ما رحلت لإخترت أن أبقى بطريقة أو بأخرى، كنت معزولاً عن العالم".
[caption id="attachment_35238" align="aligncenter" width="517"] المحرر الأزرق أطلق سراحه مؤخرا في صفقة حسن النوايا من أجل المفاوضات[/caption]جيل ما قبل أوسلو أكثر وعياً
لقد كان الأزرق يهتم بالأسرى الأشبال بشكل خاص لأنه يعتقد أن الوضع بعد أوسلو يختلف من حيث نوعية الثقافة والظروف ما يعني أن الأسرى في عمر ١٨ وأصغر ليسوا على القدر الكافي من الوعي والقدرة التي تؤهلهم لتحمل ظروف السجن وتغيراته وضغوطاته، وهو ما جعله بالأساس يعمل على احتواءهم في سجن نفحة والدامون ويجعلهم الأقرب إليه، هو ما شهد له به عددٌ منهم.
وكغيره من الأسرى الـ ٢٦ المحررين، فرضت عليه قيود مقابل الافراج أهمها منعه من الخروج خارج مدينته لسنة، وعشرة أعوام منع من السفر خارج فلسطين المحتلة، لكن الأمر الأهم في هذه المعادلة هو خروجهم بعد كل هذه الأعوام وإن كان افراجاً متأخراً.