شبكة قدس الإخبارية

تفاصيل تعرض لأول مرة.. الملف الطبي للأسير المريض معتصم رداد (الجزء الأول)

هيئة التحرير

الأسير معتصم رداد (٣٢ عاماً) من بلدة صيدا شمال طولكرم المحتلة، والمعتقل منذ العام ٢٠٠٦، والمحكوم بالسجن ٢٠ عاماً.. أمضى منها ثمانية أعوام فقط، معتصم أحد كوادر حركة الجهاد الإسلامي وقد حصلت شبكة قُدس الإخبارية على نسخة من مقابلة معه، نضعها بين أيديكم:

وصل الأسير معتصم المكنى بـ "أبو مجاهد" من مشفى الرملة إلى معتقل إيشل في بئر السبع مساء الإثنين في الخامس عشر من أكتوبر عام ٢٠١٣، بحالة صحية شديدة السوء، نتيجة لإضرابه عن الطعام والمياه والعلاج ردا على إستمرار الاحتلال بانتهاج سياسة الكذب وتعمد عدم تأمين العلاج المناسب له، ورفض نقله إلى سجن هداريم لأسباب غير مقنعه وبعدها ب 24 ساعة من اضرابه وافق الاحتلال على نقله اثر تدهور وضعه الصحي، حيث ارتفع نبضه من ١٠٠ إلى ١٧١، وبعد ضغط واحتجاج شديد من الأسير والأسرى المرافقين له على ادارة السجن إستطاعوا أن يحصلوا على الملف الطبي الخاص به، وأجبروا الإدارة على إصطحابه لعيادة السجن، حيث رفض العلاج والماء، واستمر بالإضراب حتى الموافقة على شروطه، كانت هذه أهم أحداث الأشهر الأخيرة في المعتقل بالنسبة لأبو مجاهد، إلا أن معاناته الحقيقية بدأت منذ العام ٢٠٠٨ واستمرت حتى اليوم،اضافة الى أنه بات يتناول أكثر من عشرين نوع من الادوية بشكل يومي ومستمر..

لا بد لنا من التنويه بأن الأسير قضى نحو ثلاث سنوات في ما يسمى مجازاً "مشفى سجن الرملة" وهو الآن في سجن إيشل في بئر السبع حيث أجريت معه المقابلة، ليضع كلامه كل مسؤول عند مسؤولياته، ولتشهد عليه كافة منظمات حقوق الانسان والفصائل الفلسطينية، ووزارتي الأسرى في رام الله وغزة، وكل من شهد له العالم بأنه إنسان.

[caption id="attachment_33623" align="aligncenter" width="300"]اعتصام تضامني مع الأسير معتصم رداد اعتصام تضامني مع الأسير معتصم رداد[/caption]

س: كيف كانت بدايات المرض وبماذا شعرت؟

في البداية، شعرت بحرارة داخل أمعائي، كان من الصعب علي تفسيرها، وكان الأمر بشكل فجائي.. إضافة لشعوري بسقوط نقاط أشبه بالنقاط النارية داخل أمعائي، كان الألم أشبه بكتل من الجمر المحترق داخلي، وأثناء استخدامي للحمام كنت أتبول دماء، وحين تم فحصي من قبل طبيب السجن ظننت أني أصبت بالبواسير، إلا أن الطبيب قال "إن لدي إلتهابات عادية، ولا شيء يدعو للقلق".

وعندما قمت بتقديم اسمي للعمل مع اخواني في خدمة القسم لتوزيع الطعام والشراب على أقسام السجن، كان المطلوب هو الحصول على فحص دم وبول، تمت الموافقة على أسماء جميع الأخوة الذين تقدموا معي بالطلب بإستثنائي، شعرت بأن لدي مرض خطير دفع إدارة سجن ريمون لرفضي، وأخبرت إخواني بآلامي، وزاد النزيف حول الأمعاء ما أدى لاستمرار تدفق الدماء من فتحة الشرج، وعدم قدرتي على تناول أي نوع من الأطعمة، وانعدام الشهية وشعوري بالخدر والكسل.

في شهر آب من العام نفسه تدهورت حالتي الصحية بشكل خطير، وتم نقلي إلى عيادة السجن فاقدا للوعي، بعدها نقلتني ادارة السجن إلى مشفى سوروكا العسكري ببئر السبع الذي حولني الى طبيب السجن في "نفحة" ببئر السبع، الذي صدم حين رأى حالتي، وأخضعني لفحص طبي في المشفى، وتناولت حينها نحو ٣ ليترات من السائل الملون المخصص للفحص، كتب لي الطبيب على إثرها على عشرة علب من الأدوية كان من ضمنها "فولترين وسيبركسين، واوبتولجين، وخمس علب من دواء إسمه اوبتيكيا" وأعادوني إلى ريمون.

حصلت قُدس على استشارة من أحد الأطباء الفلسطينيين الذي أوضح أن جميع ما أعطي للأسير رداد من الأدوية المذكورة بالأعلى هي مسكنات، عدا دواء واحد يصنف ضمن المضادات الحيوية

بعد أول جرعة من الدواء شعرت بانهيار أعضائي الداخلية جميعها، كنت أستفرغ كل ما بمعدتي بعد كل نوع من الأدوية، ومعدتي الخاوية من الماء والزاد كانت تخرج مع كل مرة استفرغ فيها، فقدت الكثير من وزني، وخلال ٣ أيام فقط، فتوقفت عن تناول الدواء، وكنت أشعر بحرارة غريبة تخرج من فمي، ومن جسدي، على شكل دماء وعصارة صفراء.

في اليوم الثالث أصبت بالإغماء مرة أخرى، ونقلني زملائي إلى عيادة السجن، أعطوني مسكنات ونقلت إلى مشفى سوروكا العسكري، وبعد الفحوصات التي أجريت وأنا بغيبوبة، استيقظت لأجد عددا كبيرا من الأنابيب في كافة فتحات جسدي، داخل الأنف والفم، وحقنة بيدي اليمنى وأخرى باليسرى، كنت لأخمن أنهم يخرجون العصارة الصفراء، وأبلغوني أني سأبقى بالمشفى لستة أيام وأنا تحت المراقبة، حقنوني بالكورتيزون والسيركسين، والبيوتكا عن طريق الوريد، وبعدها نقلت إلى ما يسمى بمشفى الرملة بقيت هناك لمدة أسبوع وبعدها عرضت على الطبيب الذي يزور المشفى في عيد الأضحى صباحا، وبعد أن رأى حالتي حولني إلى مشفى سوروكا مرة أخرى، بعد أن وصلت أبلغوني بأني سأبقى للعلاج فترة طويلة، وأعطوني الأدوية وثلاث وحدات من الدماء، كل هذا وأنا حتى حينها لم أعرف ما مرضي.

بعد أيام قلائل أجريت لي عدة فحوصات جديدة وأعادوني إلى "مشفى الرملة" لمدة ١٧ يوماً، أجبروني على تناول الطعام السائل المسمى "أنشور"، وقاموا بإعطائي ٨ حبات من دوائي الرفسال والكورتزون، لتخفيف الآلام، ورغم ذلك لم أتخلص من ألمي، وقال لي طبيب الرملة بأني سأبقى أعاني من هذا المرض لآخر حياتي، وأنه عبارة عن إلتهاب مزمن "مرض تقرحي في المصران الغليظ يسمى مرض الكرون".

[caption id="attachment_33625" align="aligncenter" width="300"]مطالبات بإطلاق سراح الأسير رداد لخطورة وضعه الصحي مطالبات بإطلاق سراح الأسير رداد لخطورة وضعه الصحي[/caption]

س/ بعد كم يوم عدت إلى سجن ريمون حيث كنت؟! .. وكيف كانت استجابة جسدك للدواء؟

عدت إلى ريمون بعد ٧١ يوماً من التنقل بين "مشفى الرملة" وسوروكا العسكري، كنت أتناول بالأساس الكورتيزون والرفسال والسيركسين، ومسكن للآلام، والفيتامينات والحديد، لكن الألم بقي، وإزدادت معاناتي، بعد ١٠ أيام من عودتي تعرضت لحالة إغماء جديدة، نقلت إلى المستشفى وأعطوني حقنه من الانوفزيا لإستعادة الوعي، وحقنتان لتخفيف الألم تحت ضغطٍ من الزملاء بالقسم.

في المشفى كبلوا يداي وقدماي، ووضعوا لي نظارة كبيرة على عيناي كي لا أرى ما يدور حولي، ووضعوني على رأسي مكبلاً بالحديد، وبعدها نقلوني إلى السيارة بعنف، وقاموا بجري لها، كانوا يسيرون بسرعة عالية قم ما يلبثوا أن يوقفوها بعنف، ما دفعني للصراخ لا أريد العلاج، كفوا عن معاملتي كالحيوانات.. لم ألق أدنى إستجابه وبقي الحال على ما هو حتى وصلنا إلى مشفى سوروكا، رفضت النزول إلى المشفى وأنا مكبل ويسيروني كما الأعمى، عندها إضطروا لخلع النظارات فقط، وأعطوني الدواء اللازم عبر الوريد، بعد إجراء عدد من الفحوصات الطبية، بقيت هناك ليومين، وأنا مقيد إلى السرير، رغم إحتجاجي، كان في قدماي ٣ كلبشات وبيدي اليسرى ثلاثة أخرى، واليد الأخرى مطلقة.

وبعدما جاء دكتور المشفى والطاقم الطبي، أبدو إحتجاجهم على التكبيل، حتى أن إحدى الممرضات ضربت على الباب بشدة وقالت للضابط هذه المعاملة غير انسانية ولا تليق بإنسان صحيح فكيف تليق بإنسان يعاني بهذا الشكل.

بعدها تم تحويلي مباشرة إلى "مشفى الرملة " وبقيت على العلاج نفسه لمدة يومين وعبر الوريد وبعدها عدت لتناول الدواء عبر الفم وقال لي الضابط بأني سأبقى هنا إلى الأبد.

س: حدثنا عن فترة رقودك في مستشفى سجن الرملة "المسلخ"  التي استمرت لثلاث سنوات؟

في المرحلة الأولى من شهر يناير ٢٠٠٩ وحتى شهر مايو من السنة نفسها، استمريت على ذات العلاج " الكورتيزون والرفسال والسيركسين، ومسكن للآلام"، وبعد اقتناع الأطباء بعدم تحقيق هذا العلاج أي نتائج بدأوا بإعطائي دواء جديدة إسمه "رمكيد" وهو عبارة عن حقنة كيماوية، مخففة تعطى بالوريد عبر جهاز خاص لمدة ٣-٤ ساعات متواصلة، يتم خلالها تحديد النقاط التي يجب تغذية الجسد بالدواء، وكانوا يقيسون درجة حرارة جسدي أكثر من مرة أثناء اعطائي إياها.

وكان لها أثر كبير على جسدي حيث أدت إلى رفع ضغط الدم، وزيادة عدد دقات القلب، إضافة لشعوري بخمول في أنحاء جسمي مع حدوث تضخم بأطرافي.

المرحلة الثانية بدأت مع مطلع شهر مايو، وجد الأطباء أن آثار الحقنة علي كبير، مما دفعهم لإجراء فحص ( CT ) ، وأخبروني بضرورة استئصال جميع الأمعاء الغليظة وبعض أطراف الأمعاء الدقيقة، وضرورة عمل فتحة قرب البطن الأيمن لتكون عبارة عن أنبوب خروج للبراز من جسدي لمدة ٦ أشهر، أو أكثر حسب نسبة نجاح العملية، ورغم المجازفة دفعني الألم للموافقة على العملية، التي سأفقد جراءها أجزاء حيوية من جسدي.

حدد الأطباء يوم 15 من مايو ٢٠١١ موعداً لإجراء العملية، وفي ذات اليوم قرروا تأجيلها بسبب إضراب الأطباء، واستمر الألم واستمريت بتعاطي العلاج نفسة، وخاصة ما يسمونه بالدواء السحري وهو "الكورتزون"، وفي شهر يوليو حدد موعد جديد للعملية، وألغي لنفس السبب السابق، وحدد موعد جديد في شهر نوفمبر ٢٠١١.

البقية في الجزء الثاني