كان قُدامى الأسرى ورموز الحركة الأسيرة وعمداؤها، على موعد مع صفقة وفاء الأحرار، والتي أطلق بموجبها سراح 1027 من أسير وأسيرة فلسطيني، مقابل الجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط"، كان ضمن هؤلاء الأبطال عميد الأسرى الفلسطينين والعرب نائل البرغوثي ‘أبو النور‘، من قرية كوبر قرب رام الله بعد 33 عاماً من الأسر.
شرع زملائي في السجن بالحديث عما يَعرفونه عن عائلة البرغوثي، والذين كان كان لي شرف العيش مع واحد منهم وهو عمر ‘أبو عاصف‘ الذي قارب على الستين من عمره، في سجن عوفر. اعتقل الإحتلال والدهم، وجيء به للتحقيق بهدف الضغط على ابنيه ‘عمر ونائل‘ لكي يعترفوا، طلب والدهم أنْ يَذهب إلى القسم الذي يتم التحقيق معهم فيه، لُبي طلبه، ووصل مع ضابط الأمن إلى هُناك، حيث وجد عمر في حالة صَعبة بين الوعي والغيبوبة من شدة العذاب:
- ماذا تريدون منهم، وهل قضيتهم خطيرة.
- الأمر سهل، قطع من السلاح والإعتراف بالقتل، واموره تافهة كهذه.
-أهها بسيطة، إسمع يا عمر أنت وأخوك، والله لو يفتح الواحد منكم فمه بإعتراف، سأعلن براءتي منه في الدنيا والأخرة، لا أنتم أبنائي ولا أعرفكم.
- ثم التفت إلى الضابط وقال:
-ماذا تريد بعد هذا؟
-بسيطة سأعذبهم حتى الموت.
_بسيطة من عندي أنا أيضاً، اسمع اقتلهم إن قدرت، ومن جهتي عندي أراضي مزروعة زيتون في كوبر سأبيع جزءاً منها، وأتزوج ثلاث نساء أخريات، وأنجب أطفالاً أبطالاً بعدد من في دولتكم من ظالمين، إصنع ما بدا لك.
إنتهت الجولة الأولى، ولم تبدأ بعد.
قضت المحكمة حكماً مؤبداً بحقهم، وفي العام 1985 كانت صفقة القيادة العامة للأسرى، وكان نصيب نائل بأن يكون إسمه مدرجاً ضمن المفرج عنهم، توجه نحو شقيقه أبو عاصف:
- أبو عاصف، أنت تعلم أن إسمي في القائمة التي لم تشملك.
_نعم.
- أنت متزوج ولك أسرة، وأنا شقيقك الصغير أعزب.
_ إلام ترمي في كلامك ؟
_ القصة بسيطة يا حبيب أخيه.
-الله يحميك، أفهم مرمى كلامك ولن أصغي له.
_ ستسمع كلام أخيك الصغير، ولا مجال للنقاش، أنت تخرج عوضاً عني، تتابع أسرتك وتبني مستقبلها، أما أنا الله معي ولن يغلق السجن أبوابه إلى ملا نهاية، الظلم لن يدوم.
وأطلق سراح أبي عاصف وظل نائل في السجن يدفع الفاتورة المركبة للفداء والتضحية والإيثار والإخوة، إلى أن جاء موعد صفقة الأحرار وخرج أبو النور للنور، فيما كان أبو عاصف في السجن مرة ثانية وثالثة ورابعة وهكذا، ونائل نال حريته، هي سنة الحياة.
كانت الحجة ‘فرحة‘ والدة الأبطال تزورهم فيالسجون المغروسة في خاصرة الوطن، كانت تملأ القاعات زغاريد ومواويل من حداء المرابطين ترتيلها، ترفع معنويات الأسرى وتقوي من شوكة العائلات وتغيظ من يستحق الغيظ (قل موتوا بغيظكم )، يقترب الجندي الإسرائيلي وهو يعلم من هي، ومن تكون ومن يكون ابناها:
- أهلاً، حجة فرخة، إنتي كوية ‘قوية‘ كتير.
- أنا فرخة صحيح لكنها أنجبت ديوكا يا أرانب.
وتنهي الجولة بالضربة القاضية.
رحل الوالد عن الدنيا أولاً، لحقت به الوالدة، وعمر نائل في القيد والمعاناة، رحم الله الجبال الرواسي، الثمار الطيبة من الأشجار الطيبة، الأشجار القوية لها جذور قوية، تمتد في الماضي والحاضر والمستقبل (أصلها ثابت).
وفي صفحة نائل على موقع الفيس بوك خطت السطور التالية:
ولد نائل البرغوثي في قرية كوبر قرب رام الله، كان بطبيعته متمرداً لا يقبل الخضوع، أقرب في صفاته للفرس البري غير المدجن، بل أثبتت التجربة أن نائل لا يمكن تدجينه، لأنه حرٌ بطببعته يأبى الخضوع، نائل قوي الإرادة شرس، عندما يدافع عن موقف، ونمر عندما يُحشر في زاوية.
ومن أجمل قصصه أن كان يلعب مع أترابه، فأصيب إصبعه وجرح، أراد أترابه أن ينهوا اللعبة، عض نائل الجزء المصاب من إصبعه وقطعه، لفه وطلب إستئناف اللعب
سلام على آل البرغوثي، سلام على الأحياء الراحلين.
من كتاب "أيام الرمادة" للإعلامي الأسير المحرر نواف العامر