لم يكن اكتشاف الدولة العبرية مؤخرًا للنفق الارضي بين قطاع غزة واحدى المستوطنات الاسرائيلية داخل الاراضي المحتلة عام 1948م مؤخرًا مفاجئًا لسكان القطاع الذين يعرفون ان المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها حركة المقاومة الإسلامية "حماس" تعمل ليل نهار ودون كلل او ملل من اجل ابتكار وسائل وأساليب جديدة تدافع بها عن الشعب الفلسطيني ومن اهم هذه الوسائل سلاح الانفاق.
ربما يكون اسم الانفاق ارتبط في مخيلة العالم الخارجي والغرب بالأنفاق ما بين قطاع غزة ومصر التي كان الفلسطينيون يدخلون من خلالها البضائع والمواد الاساسية للقطاع قبل ان يقوم الجيش المصري بإغلاقها قبل ثلاثة اشهر، إلا ان سلاح الانفاق كان احد الاسلحة المهمة لدى المقاومة خلال انتفاضة الاقصى والتي نفذت به سلسلة عمليات فدائية كبيرة حينما تحصن الاحتلال في مواقعه داخل القطاع إلى ان اجبرته الانسحاب من القطاع ثم لاحقته فيما بعد بالمزيد منها.
وانفردت "كتائب القسام" الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" بهذه العمليات النوعية باستثناء عمليين كانت بالشراكة مع فصائل اخرى وأسفرت هذه العمليات عن قتل وإصابة واسر العشرات من جنود الاحتلال خلال انتفاضة الاقصى.
حرب الانفاق
[caption id="attachment_30830" align="alignleft" width="284"]وكانت اول عملية فدائية باستخدام الانفاق تمت في 26 ايلول (سبتمبر) من عام 2001 أي بعد عام واحد على اندلاع انتفاضة الاقصى، وذلك حينما قامت "كتائب القسام" بتدمير موقع "ترميت " العسكري على الحدود المصرية الفلسطينية، بعد أن تمكنت من تفجير عبوة ناسفة كبيرة في نفق أسفل الموقع مما أدى إلى مقتل وإصابة عدد كبير من جنود الاحتلال.
وفي 17 كانون اول (ديسمبر) من عام 2003 نفذت الكتائب عملية اخرى بنسف برج عسكري إسرائيلي منيع في منطقة الحدود المصرية الفلسطينية المحاذية لمخيم "يبنا" بمدينة رفح جنوب القطاع، حيث أسفر الانفجار عن مقتل جنديين وجرح العشرات بينهم 5 في حالة الخطر.
وفي 27 حزيران (يونيو) من عام 2004 تمكنت كتائب القسام" من تفجير الموقع العسكري الإسرائيلي الإستراتيجي الذي كان يقع على مفرق المطاحن "حاجز أبو هولي" والذي كان يعرف فلسطينيا باسم موقع "محفوظة" شمال منطقة القرارة إلى الشمال من خان يونس جنوب القطاع والمسمى موقع " اورحان " العسكري، وقد اسفر عن مقتل سبعة جنود واصابة العشرات بجراح، وذلك بعدما أن تمكنتالكتائب من حفر نفق بطول 350 مترا أسفل الموقع والوصول لعمق الهدف وقامت بعملية تفجير الموقع العسكري الحصين بالمتفجرات والعبوات الأرضية الناسفة ذات القوة التدميرية العالية .
[caption id="attachment_30831" align="aligncenter" width="450"]
جندي من جيش الاحتلال يتفقد عربته التي دمرها نفق المقاومة[/caption] وفي السابع من كانون أول (ديسمبر) من العام ذاته تمكن الجناح العسكري لحركة "حماس" من بحفر نفق تحت الجدار الحدودي لقطاع غزة باتجاه موقع عسكري اسرائيلي رابض عند معبر المنطار "كارني" الإسرائيلي شرق مدينة غزة وتحديدا في المنطقة الواقعة ما بين معبر المنطار ومستوطنة "ناحل عوز" على بعد مئات الأمتار من الجدار الإلكتروني قرب المعبر ثم قامت بوضع العديد من العبوات في نهاية النفق الذي استغرق حفره مدة أربعة أشهر ، وقد كمن اثنان من استشهاديي كتائب القسام المجهزين بالأسلحة والأحزمة الناسفة في المكان وأتت مجموعة من الوحدات الإسرائيلية الخاصة إلى المكان بناء على معلومات تم تسريبها قصداً من خلال إحداث اختراق أمني في جهاز المخابرات الإسرائيلي "الشاباك" ، وتمّ تفجير العبوات المزروعة والتي تزن طن ونصف من التفجرات، ومن ثم انطلق الاستشهاديان القساميان وأجهزوا على بقية الوحدات، قبل استشهادهما .
واعترف الاحتلال بمقتل أحد جنوده وإصابة أربعة جنود آخرين، وصفت حالة اثنين منهم بأنها خطرة. فيما ذكرت كتائب القسام أن الخسائر البشرية في صفوف جنود الاحتلال أكثر مما اعترف به الاحتلال بكثير.
تفجير مواقع محصنة
[caption id="attachment_30832" align="alignleft" width="283"]وبعد ايام من عملية المنطار نفذت الكتائب بالاشتراك مع حركة "فتح" عملية اخرى باستخدام نفق وتحديدا في 12 كانون أول (ديسمبر) من نفس العام وذلك بتفجير موقع عسكري إسرائيلي قريب من معبر رفح الحدودي مع مصر بالقرب مما كان يعرف باسم "مديرية الارتباط والتنسيق" .
وحفر المجاهدون نفقاً طويلاً أسفل الموقع العسكري الواقع على معبر رفح الحدودي مع مصر على مدى أربعة شهور بطول 600 مترا من أجل الوصول إلى النقطة الإسرائيلية في المعبر، وتم تفجير عبوة كبيرة تزن ( 1300 كغم) من المتفجرات، ثم تقدم مجاهدان أحدهما من كتائب القسام والآخر من حركة فتح ( بعد خروجهما من نفق آخر أعد لهذه الغاية ) حيث اشتبكا مع جنود الموقع لمدة ساعة كاملة ، وقد استشهد المجاهد ابن حركة فتح بينما تمكن مجاهد القسام من الانسحاب بسلام بعد تنفيذ مهمته بنجاح حيث تمكن من اغتنام سلاح من العيار الثقيل من أحد جنود الاحتلال (mag ) وأكد المجاهد مقتل سبعة جنود اسرائيليين أربعة منهم على يديه فيما حاول أسر أحد الجنود لكنه بسبب مقاومته أجهز عليه المجاهد وأرداه قتيلاً ثم انسحب المجاهد بسلام ، وبعد ساعة من العملية تم تشغيل عبوة أخرى تزن (200كغم) لاستهداف طاقم الإسعاف ومن تبقى من جنود الاحتلال في محيط الموقع.
وفي الخامس والعشرين من حزيران (يونيو) من عام 2006 كانت عملية "الوهم المتبدد" التي نفذتها كتائب القسام بالاشتراك مع الوية الناصر صلاح الدين وجيش الإسلام وأدت إلى خطف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط ومقتل وإصابة عدد اخر من جنود الاحتلال وذلك باستخدام نفق طويل وامتد من شرق رفح وحتى بعد موقع كرم ابو سالم العسكري وكان بطول 400 مترا وبعمق عشرة امتار.
وخلال الحرب على غزة نهاية عام 2008 ومطلع عام 2009 والتي استمرت لثلاثة وعشرين يوماً استخدمت المقاومة الانفاق وبشكل كبير وذلك في محاولة منها للوصول لقوات الاحتلال واسر جنود منهم وقد نجحت بعض المحاولات إلا ان تدخل الطيار افشلها واستعاد الاحتلال جنوده قتلى.
كما ان المقاومة الفلسطينية استخدمت الانفاق خلال العدوان الاخير على غزة في تشرين ثاني نوفمبر الماضي والذي استمر ثمانية ايام حيث كانت قد حفرت مئات الانفاق لذلك إلا ان اقتصار قوات الاحتلال على الغارات الجوية دون التدخل البري حد من استخدام هذه الانفاق.
وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي اعلن مؤخرًا عن كشف نفق بطول 2.5 كيلو متر يصل ما بين قطاع غزة واحدى المستوطنات داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948م، مدعيا انه احبط عملية فدائية كبيرة كانت تستهدف هذه المستوطنة.
الظروف الامنية والفنية
ولجأت المقاومة الفلسطينية إلى هذا الاسلوب من العمليات باستخدام الانفاق حينما حصن الاحتلال مواقعه وحدوده فكان لابد الوصول اليه وإيلامه إلا ان هذه الوسيلة تعتبر اكثر الوسائل تكلفة وكذلك تحتاج لوقت طويل لتحضيرها وتجهيزها ربما اشهر وسنوات وبذلك تكون امكانية كشفها متوقعة في أي وقت.
ويرتبط الامر بطول النفق وعمقه والهدف منه والظروف الامنية و الامكانيات والادوات، وكذلك المخاطر الكبيرة حيث يترتب على من يقوم بحفر أي نفق صغيرا او كبيرا بنقل الالاف من مكعبات الرمل ناهيك عن طول مسافة النقل وصعوبة رفع الرمل بسبب عمق الحفرة وكذلك صعوبة العمل في جو محصور ومضغوط وحرارة مرتفعة وتهوية ضعيفة وخطر الانهيارات، وقد لقي العشرات من المقاومين حتفهم داخل هذه الانفاق خلال العمل بها كما ان احتمال انكشاف المشروع حتى لو كان عند آخر ضربة فأس، كفيل بأن يضيع كل الجهود التي بذلت .
كما انه من البديهي أن يشارك عدد كبير من العناصر في مثل هذا العمل، وبالتالي سوف تتوسع دائرة المعلومات، كما أن طول المدة يجعل الأمر أكثر عرضة للانكشاف.
حرب الانفاق بين المقاومة الفلسطينية والدولة العبرية تعتمد على طول النفس والعمل الدقيق والمنظم واستغلال الفرص المتاحة من اجل الضرب مع العلم ان المقاومة قد اصبحت لديها خبرة كبيرة في حفر هذه الانفاق سواء من الناحية الفنية او الامنية فالنفق الذي كان يستغرق حفره عامين الان ممكن حفره بأشهر قليلة باستخدام ادوات اكثر تطورا.
مهمة جهادية
وتنعي المقاومة الفلسطينية بين الحين والآخر عدد من عناصرها الذين يسقطون خلال "مهمة جهادية" وهو المصطلح الذي تطلقه المقاومة على من يسقط خلال اعمال التدريب او التجهيز او حفر الانفاق حيث كثير من هؤلاء الشهداء اعلنت كتائب القسام انهم سقطوا خلال عملهم في احد الانفاق دون الاشارة إلى مكان هذا النفق، في حين ان عدد من عناصر القسام قد اصيب بأمراض مزمنة من مشاركته في عمليات الحفر المستمرة.
وعقب "ابو عبيدة" الناطق باسم "كتائب القسام" على اعلان الاحتلال اكتشاف النفق الاخير ان ارادة وعقول رجال المقاومة قادرة على حفر الالاف من الأنفاق تحت الارض للوصول إلى المحتل.
قال "ابو عبيدة" في تعليق له على ما اعلنه الاحتلال عن اكتشاف النفق في تغريدة له على حسابه عبر موقع "تويتر" : "إن الإرادة المحفورة في عقول وقلوب رجال المقاومة أكثر أهمية بكثير من الأنفاق المحفورة في الطين".
وأضاف: " أن الأولى(ارادة وعقول المقاومة) تصنع الآلاف من الثانية (الانفاق)".
ومن جهته قال ما يسمى "قائد المنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال" الميجر جنرال سامي ترجمان ان النفق الذي تم اكتشافه مؤخرا هو الثالث من نوعه الذي اكتشف خلال الفترة الاخيرة.
وأضاف ان حركة حماس توظف ملايين الدولارات في حفر انفاق لغرض ارتكاب ما اسماه "اعتداءات تخريبية" كما انها تواصل التزود بقذائف صاروخية.
تأخر اكتشاف النفق
[caption id="attachment_30694" align="alignleft" width="305"]
نفق المقاومة الذي كشف عنه مؤخراً[/caption] وتساءل المحلل العسكري الإسرائيلي "يوؤاق ليمور" في مقالة نشرتها صحيفة "إسرائيل اليوم" الاثنين (14|10) عن سبب عدم اكتشاف "النفق العملاق" (شرق خانيونس جنوب قطاع غزة) حتى اليوم وذلك على الرغم من أعين الاستخبارات الشاخصة على القطاع طوال الوقت.
وأشار ليمور إلى أن نفقاً كهذا بحاجة إلى 100 شخص ليقوموا بحفره وتجهيزه ما بين عامل وفني ومشرف، وكذلك استوعب النفق أكثر من 500 طن من الباطون المسلح لتصميم جدرانه الداخلية فكيف عجز الشاباك والجيش عن الوصول إليه طوال هذه المدة ؟؟.
وتسائل ليمور: ان مشروعاً كهذه لا يمكن طمس معالمه بسهولة وبحاجة إلى تمويل هائل فأين هي استخباراتنا ؟.
ويستدرك ليمور قائلاً "لحسن حظنا فقد تم اكتشاف النفق في الوقت المناسب فهذا النفق معد لهدف استراتيجي من قبيل دخول عشرات المسلحين عبره لداخل إسرائيل والقيام بعملية في قلب إسرائيل أو في المدن القريبة فالنفق مهيأ من ناحية حجمه وارتفاعه للسير فيه بحرية " كما قال.



