شبكة قدس الإخبارية

حديث مع أم طارق السخل.. ما بين الاعتقال والابعاد والشهادة

ايمان السيلاوي

نسمات شرقية ما زالت تستهوي خاطري، تجذبني نحو الماضي، نحو أمِّ شرقيةٍ تروي قصة زوجٍ كان ضحيةَ شعب و أخٍ شهيد وابنٍ مبعد وآخر أسير وغيره اعتقل لسنواتٍ، وصغير مازال يُهاجَم من هنا وهناك.

بدأتْ الحكاية مع أم طارق السخل، جلستُ بجانبها أتأمل عينيها الفيّاضتين عشقاً وحنيناً للوطن والزوج والإخوة والأبناء، فهي الأصالة النابلسية بمعانيها الرقيقة، وهي الأم التي تحملُ على عاتقها مسؤوليةً كبيرةً من أجل استمرار حياةِ الألم والمعاناة التي تعانيها أمهات الأسرى والشهداء.

يشعر المتحدث مع أم طارق أنها قوية وتدافع عن أسرتها بكلّ ما أوتيت من عزم وثبات، وتخفي بين تلك الهمسات ألماً وجرحاً لما فقدت من زوج وأخ وبعد أبناء، حتى في عقر منزلها تعمل بجدٍ نحو ابنتها المقعدة والرقيقة ذات الصوت الملائكي.

أبو طارق الذي توفي عن عمرٍ يناهز الثانية والستين عاماً منتصف هذا العام 2013، وهو أسير سابق لدى الاحتلال فترة الانتفاضة الأولى، حيث اعتقل في الخامس والعشرين من أكتوبر عام 1988 لمدة عامين كاملين بسبب نشاطه خلال الانتفاضة الأولى. وكان أبو طارق محبوباً لدى أبناء نابلس، فكان دائم الابتسام ولا يفرق بين الغني والفقير، كلٌ عنده سيّان، حتى أنه كان معروفاً بإصلاح ذات البين، إضافةً إلى روحه الوطنية التي أدت لتعرضه للاعتقال والاحتجاز من قبل الاحتلال كلما كان يذهب لزيارة أبنائه في السجون.

تروي أم طارق عن زوجها قبل وفاته بثلاثة أسابيع، حيث تعرض البيت لمداهمةٍ من قبل قوات الاحتلال وتم تهديد العائلة بحجة نشاط ابنها المبعد إلى غزة الأسير المحرر نائل السخل، وبعد ذلك تم استدعاء أبي طارق للمقابلة لدى أجهزة المخابرات الاحتلالية في مكتب تنسيق وارتباط حوّارة، ثم توجه أبو طارق لهم، ونتيجة القهر من انتهاكات الأجهزة الأمنية لأبنائه قال: “جئتونا .. مرة وقائي .. مرة يهود .. مرة مخابرات..” عيناها تلألأت في تلك اللحظة، وتابعت: “إنها آخرُ كلماتٍ تحدّث بها ، وتعرض لنوبتين قلبيتين حادتين، توفي على أثرهما، ورفض أهل المدينة إلا بمناداته الشهيد، وأسموه (شهيد الحنان) من شدة حنانه وقلقه على أبنائه مما جعلهم يفقدونه.

بعد ذلك تابعت أم طارق الحديث عن أخيها الشهيد ديب أسعد صرّاوي ، الذي استشهد خلال الانتفاضة الثانية في 20-11-2001.

ثم انتقلنا للحديث عن أبنائها، حيث كانت في الفترة الزمنية ما بين 2003 حتى 2006 تزور أربعة من أبنائها المأسورين في سجون الاحتلال، فكانت تزور كلاً من نائل ورائد ومصطفى في سجون شطة وجلبوع وهم من المعتقلين في غرفة واحدة والرابع هو محمد حيث كان محكوماً بـ42 شهراً في سجن مجدو.

ابنها الأسير المحرر والمبعد إلى غزة هو نائل، من مواليد شهر أيلول 1977، حيث تعرض للاعتقال الأول عام 1988 لمدة ستة أشهر في سجن نابلس المركزي الاحتلالي آنذاك ، وتعرض منزله المقام في نابلس عام 2002 للهدم من قبل الاحتلال وكذلك منزل العائلة خلال عام 2004 عندما كان شقيقه رائد مطلوباً للاحتلال.

في تلك الفترة، ثم اعتقل نائل للمرة الثانية عام 2003 لمدة تسع سنوات وأفرج عنه في صفقة وفاء الأحرار، مع العلم أن المحرر نائل تعرض خلال الانتفاضة الأولى 1988لإصابةٍ في الرأس، ثم تعرض للدهس من قبل القوات الخاصة (الشامشون) سنة 1993 كما تعرض لعدة إصابات طفيفة خلال الانتفاضة الأولى، وبتاريخ 2-8-2001 تعرض لإصابة في الرأس وكسور بالقدمين خلال عملية جهادية مما أدى إلى اشتباكٍ مسلحٍ على الشارع الالتفافي المحاذي لقرية زواتا .

أم طارق لم تشاهد ابنها نائل منذ سنتين كاملتين بسبب المرض وعدم مقدرتها على الذهاب لغزة لتحمّلها مسؤوليةً كبيرةً داخل منزلها واعتنائها بابنتها المريضة وخوفاً على أبنائها وما يتعرضون له من اعتقالات تقول أيضاً حول نائل، إن بعض إخوته لم يشاهدوه منذ عشرة أعوام.

أما مصطفى والذي يبلغ من العمر سبعاً وعشرين عاماً هو أحد أبنائها الأسرى والذي مازال إلى الآن أسيراً في سجون الاحتلال ويقضي حُكماً بالسجن أحد عشر عاماً ومن المقرر أن يُفرج عنه خلال نيسان 2014.

أما رائد والذي يبلغ من العمر أربعة وثلاثين عاماً فهو أسيرٌ سابق لدى الاحتلال حيث اعتقل مدة ستة وثلاثين شهراً، وأنور عمرهُ عشرون عاماً وهو الأصغر بين الأبناء وتعرض للاعتقال لدى الأجهزة الأمنية عدة مرات، منها خمسة عشر يوماً خلال هذا العام 2013، واعتقال سابق خلال 2012 لمدة أربعين يوماً أيضاً لدى الأجهزة ذاتها .

الحاجة أم طارق أضافت أمراً غايةً في الدهشة عن منزل العائلة المكون من عمارة فيها تسع شقق سكنية والتي تعرضت ما بين نيسان 2002 إلى نيسان 2004 إلى أكثر من ستة وعشرين حالة مداهمة منها مرتين تخريب كامل للأثاث، وهذا غير المداهمات التي توالت في سنوات لاحقة.

هذه الأم المتواضعة صاحبة الصوت الرقيق حدثت عن ابنها البكر طارق الذي وصفته بالأب والصديق لوالده، والذي شاركها ووالده العبء وتحمل المسؤولية منذ البداية وحتى الآن ومن مختلف جوانب الحياة من أجل إكمال المسير لعائلة عانت ولازالت تعاني الآلام والأحزان.

ويبقى العطاء المتواصل هو أحد أهم سمات الأمّ التي لا يضاهيها عطاء الأمهات الأخريات، فدينها الحنيف وعادات تربت عليها جعلت منها الأكثر صبراً والأقوى على أشد الصعاب وما يواجهها من تحديات، تلك هي .. الأم الفلسطينية.