تمكن الصحفيان الإسرائيليان اللذان يعملان في صحيفة "هآرتس" العبرية "جدعون ليفي واليكس ليباك" من الدخول إلى مخيم جنين شمال الضفة الغربية المحتلة، على الرغم من الأوضاع الأمنية السائدة في المخيم، نتيجة تنفيذ قوات الاحتلال عملية اغتيال بحق أحد نشطاء حركة الجهاد الإسلامي في المخيم قبل أيام.
وتحدث الصحفيان جدعون ليفي واليكس ليباك في تقريرهم، الذي نشر أمس الجمعة، عن الأوضاع الجارية في المخيم، الذي استشهد فيه 3 شبان من أصل 12 استشهدوا منذ بداية العام الجاري في الضفة الغربية.
ويقول الصحفيان في تقريرهما "مرة أخرى تمتلئ الأزقة بإعلانات الموت، ومرة أخرى تخرج جنازات إلى مقبرة شهداء الانتفاضة التي امتلأت بالقبور تماما، فلا يوجد مكان للدفن، وبصعوبة يوجد مكان آخر لإلصاق إعلان أو صور الضحايا، ثلاثة شبان قتلوا في مخيم جنين في الأسابيع الأخيرة، بعيدا عن الاهتمام الجماهيري في إسرائيل، وباتت حالة اعتيادية بالنسبة للإسرائيليين تبعث على التثاؤب، فبالكاد كتبت بعض الكلمات في الصحف عن مقتل إسلام الطوباسي، تماما كما مقتل كريم أبو صبيح ومجد لحلوح في 20 آب الماضي، مرت الحادثة كأن شيئا لم يكن".
الضفة هادئة وخيم جنين لا
ويضيف الصحفيان "الضفة هادئة ولكن ليس مخيم جنين للاجئين، الجيش الإسرائيلي يواصل اقتحامه كل ليلة تقريبا والنتيجة مسجلة في الإعلانات والصور على الجدران، مزيد من الضحايا، عشرات الشبان اعتقلوا في الأشهر الأخيرة بالمخيم على أيدي إسرائيل والسلطة الفلسطينية منفذة كلمتها".
ويتابعان "هذا الأسبوع أيضا، دخلت قوات الجيش الإسرائيلي ومستعربو وحدة "يمم" الخاصة التابعة لحرس الحدود إلى المخيم، قتلوا الطوباسي في السابعة صباحا على سطح بيته".
وينقل الصحفيان شهادات لأقارب الشهيد تبين أن الطوباسي لم يكن مسلحا، وأن الجنود والمستعربين فجروا باب المدخل في بيته، وصعدوا إلى السطح وأطلقوا رصاصتين تجاهه وأنزلوه جريحا إلى بيته، وطلبوا من أخيه أن يشخصه وعندها، على حد قول أبناء البيت، أطلقوا رصاصة أخرى في بطنه قبل أن يعلن عن استشهاده.
وادعى الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أنه وخلال نشاط للجيش اصطدمت قوة عسكرية بمقاومة عنيفة تضمنت إطلاق نار وإلقاء قنابل معدة محليا وأثناء ذلك لوحظ أحد المطلوبين للاعتقال وأثناء محاولته الهرب تم إطلاق النار عليه واعتقاله وأعلن وفاته لاحقا في مستشفى بإسرائيل بسبب جروحه الخطيرة.
وأضافا في التقرير "على مسافة غير بعيدة من بيت الطوباسي، لم تنته بعد أيام الحداد في منزلين آخرين في المخيم، مأساتان لعائليتان، والد القتيل الأول مريض جدا، ووالد القتيل الثاني قتل قبل نحو سنة في حادثة طرق وجده قتل على أيدي إسرائيل في بداية أيام الاحتلال".
الشهيدان لحلوح وأبو صبيح
وتابع التقرير "مجد لحلوح (21 عاما) كان طالبا في السنة الثالثة في جامعة القدس المفتوحة في جنين، وكان يعمل في الليالي نادلا في مقهى للمساعدة في إعالة عائلته، فوالده محمد مريض منذ نحو أربع سنوات بمرض دم عسير، وجهه مصفر وحديثه هزيل، وعلامات الحداد لا تزال بادية عليه جدا، وبين الحين والآخر يتجند كل المخيم للتبرع له بالدم".
وتصف عائلة الشاب مجد للصحيفة تفاصيل الحادثة "في ليلة الثلاثاء، 20 من الشهر الماضي، عاد مجد من عمله كالمعتاد في الساعة الثالثة فجرا، في طريقه لاحظ قوات الجيش الإسرائيلي والعديد من المستعربين ممن اقتحموا المخيم، لاعتقال ناشط بالجهاد الإسلامي، وعند رؤيته القوات قرر مجد التوجه إلى بيته عبر طريق بديل، وفي زقاق قرب بيته كان فتيان يرشقون الحجارة على الجنود، وبدأ الجنود يطلقون النار عليه وعلى راشقي الحجارة، وإحدى الرصاصات أصابت مجد في خاصرته وقتل في المكان بعدما أراد العودة إلى بيته بسلام".
وتضيف العائلة "بعد أن سمع والده الصراخ خرج من بيته ووجد ابنه مضرجا بدمائه، وحمله الشباب إلى سيارة الإسعاف ولكن دون جدوى، والآن يريد والده أن يرفع دعوى ضد الجيش الإسرائيلي، وهو يبحث عن محامٍ يمثله تطوعا، كما أن حلمه هو أن يحظى بعلاج طبي في إسرائيل، ولكنه كان مرفوضا حتى الآن، وفي الحدث ذاته أصيب أيضا علاء أبو خليفة، (18عاما)، في عامود الفقري ومنذ لحظتها وهو مستلق مشلولا في المستشفى، وجريح آخر كان كريم أبو صبيح، توفي متأثرا بجروحه بعد نحو عشرة أيام".
يقول الصحافيان "يقع منزل أبو صبيح قرب مسجد الأنصار في المخيم أمام مركز تخليد صغير لذكرى ابن المخيم احمد الخطيب (13 سنة) حين أطلق الجنود الإسرائيليون النار عليه في تشرين الثاني 2005 في قباطية، وقرر والده التبرع بأعضائه التي زرعت في ستة مرضى إسرائيليين، والآن يعلق بيان تخليد مزدوج وجديد على حائط المركز: أب وابنه يظهران فيه، الأب صبحي أبو صبيح قتل قبل سنة بالضبط في حادثة طرق، وابنه الشهيد كريم أبو صبيح. صالون بيت عائلة أبو صبح هو الآخر تحول إلى غرفة تخليد .. صور الأب وابنه في كل مكان".
وادعى مجددا الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أنه قُتل خلال عملية اعتقال مطلوب وأن قوة من الجيش حينها تعرضت لإطلاق نار ورشق بالحجارة وأن الجيش رد بإطلاق النار اتجاه مصادر النيران. وفق زعمه.
وتقول والدة كريم أنه درس حتى الصف التاسع واضطر فيما بعد إلى التوجه للعمل في كراج كي يعيل العائلة بعد وفاة أبيه.
ويختم الصحفيان بالقول في اليوم ذاته، عاد كريم من العرس، استبدل ملابسه وخرج إلى الشارع، كانت أمه نائمة، وبعد ساعة من خروجه من بيته دخل الجنود والمستعربون، وأطلقوا النار على الفتى وأصابوه بجروح خطيرة، ونقل كريم على عجل إلى المستشفى في نابلس، وتمكن في الأيام التالية من الاستيقاظ من سباته بل والحديث إلى أمه، ولكن بعد عشرة أيام توفي متأثرا بجروحه .. كريم ليس مدفونا قرب والده إذ لم يكن مكان في المقبرة، وحينما كانت والدته خولة طفلة رضيعة بعمر عدة أشهر في العام 1969، قتل أبوها، الشيخ حسن ابو سرية، احد أوائل القتلى في هذا المخيم المكافح، الذي لم يتوقف عن النزف".