بعد أيام من هذه اللحظة ( 13 أيلول) ستخرج جموع الشعب الفلسطيني إلى الشوارع احتفالا واحتفاءً بالذكرى العشرين لتوقيع اتفاقية إعلان المبادئ الشهيرة باتفاقية أوسلو والتي بموجبها تم تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية، وسأحاول في هذه العجالة أن أتخيل شكل فلسطين - في حال بقيت تسمى فلسطين - بعد عشرين عاما من اليوم، أي في الذكرى الأربعين لتوقيع هذا الاتفاق المعجزة.
السيناريو الأول: بما أن أوسلو والسلطة المنبثقة عنها قد جعلت المقاومة حلما مستحيلا، وبما أن المستوطنات باتت تتكاثر جنسيا ولا جنسيا في أراضي الدولة المسخ التي أنتجتها أوسلو فإننا على الاغلب في العام 2033 سنحيي ذكرى أوسلو ونحن على حدود العراق، أعني اننا سنكون وبعون الله ورعايته وبفضل القيادة الفلسطينية الرشيدة قد تم تهجيرنا إلى العراق، هذا على اعتبار ان العراق سيكون موجودا وقتها، وفي حال وافق العراق على استقبالنا ولم يفعل كما فعل في 2003 ويلقنا في مخيمات حدودية في منطقة الرويشد الأردنية. وإن كنا محظوظين فستقيم لنا الحكومة الأردنية مخيما جديدا يشبه مخيم الزعتري.
هل كان هذا السيناريو مرعبا؟ حسنا السيناريو التالي أكثر إرعابا، وهو يتلخص بالتالي:
في إحدى المدارس الحكومية الثانوية في مدينة رام الله مجموعة من الطلاب والطالبات يقفون في طابور الصباح بينما العلم ذو اللونين الأبيض والأزرق يرفع على السارية فيما ينشد الطلاب وأيديهم على قلوبهم وبصوت عال:
طالما في القلب تكمن، نفس يهودية تتوق، وللأمام نحو الشرق، عين تنظر إلى صهيون. أملنا لم يضع بعد، أمل عمره ألفا سنة، أن نكون أمّة حرّة في بلادنا، بلاد صهيون وأورشليم القدس.
نعم يا سادة هذا سيحصل وسيفخر الطلاب بأنهم ينتمون إلى دولة اسرائيل، وسيدرسون أن الثورة الفلسطينية كانت إرهابا، وان الفدائي مخرب ، وأن للصهيوني حقا في هذه الأرض ، وسيشكر الحكومة على انها تسمح لنا نحن الغرباء في الإقامة على هذه الأرض.
السيناريو الثالث يا أعزائي يتعلق بالحراك الشبابي الفلسطيني، وللأمانة فإن الشباب الفلسطيني الطاهر سيظل محافظا على إيمانه بوطنه ، وبعد عشرين عاما من الآن ، أعني في الذكرى الأربعين لأسلو ستخرج مظاهرة حاشدة يشارك فيها العشرات، وستطالب المظاهرة القيادة بالتمسك بالثوابت الوطنية وسترفع شعار كامل التراب الوطني الفلسطيني والذي سيكون معناه وقتها كامل المنطقة ألف، وسيصر المتظاهرون الذي سيصفهم الإعلام بالمندسين الممولين، أقول سيصر المتظاهرون على الاحتفاظ بالبيرة عاصمة لدولة فلسطين المستقلة، كما ستطالب المظاهرة التي ستشغل الرأي العام طويلا بحق العودة لأهلنا في الشتات إلى المخيمات التي أخرجتهم منها الجيوش العربية خلال موجة العنف والموت التي اجتاحت الدول العربية إبان الموجة العاشرة للربيع العربي.
حسنا، فلنتحدث بشكل جاد قليلا، هل بالغت فيما تخيلته أعلاه؟ على الأغلب نعم، لكن تذكروا أننا قبل أربعين عاما لم نكن نسمح لأنفسنا أن نفكر مجرد تفكير بالتخلي عن الكفاح المسلح أو التنازل عن صفد وحيفا ويافا والقدس ، وها نحن الآن في العام 2013 نمارس ما كان يعتبر قبل جيل من الآن أو جيلين خيانة عظمى لا يكافئ مرتكبها إلّا بالرصاص .
ما الذي حدث لنا ؟ أوسلو هي ما حدث ، أوسلو هي ما اوصلنا إلى ما نحن عليه ، وأخشى إن ظلت هذه الاتفاقية المذلة أن نصل إلى ما تخيلته أعلاه.



