لا شك أن السلطة الرابعة المتمثلة بمهنة المتاعب "الصحافة" لم تعد سلطة، بل إن اجهزة السلطة المتمثلة بالأجهزة الأمنية وخصوصا جهاز الأمن الوقائي والشرطة المتمثل بالشرطي "عاكف"، أصبحت تحتل هذا المسمى، لتكون لتلك الأجهزة سلطتين تنفيذية وإعلامية بنكهة أمنية قمعية.
يتعرض الصحفيون لعشرات الحالات من القمع أثناء أدائهم للواجب، من سلطة باتت تنظر الى القمع البوليسي أنه التصرف الصحيح الذي يجب ان لا يتوقف بل عليه أن يستمر على نفس الوتيرة وبدرجة أعلى إن تطلب الأمر لكي يتمكن ذلك الصحفي أولا من الصحوة من غفوته القاتلة ومن جسده الذي أصبح ملبدا بحالة من عدم الإحساس بمن يشتمه ويتهجم عليه لأخذ موقف حازم ولو كان لمرة واحدة.
لكن أين هي تلك النقابة التي لا تسمع ولا تسمن ولا تنجب، هل معقول بأنه لم يمرّ على أعضائها مصطلح العصيان أو المقاطعة ،"ولا ما في اليدّ حيلة"؟
تكتظ المؤسسات الإعلامية في كل صباح بدعوات من المؤسسات الحكومية بالدعوة لتغطية ورشة عمل او توقيع إتفاقية مع دولة أخرى ، وما أن تذهب الى تلك المؤسسات حتى ترى عشرات الصحفيين في طابور ينتظرون ساعة الصفر للضغط على كبسة التسجيل بالكاميرا لنقل صورة اعتيادية همها الوحيد توقيع اتفاقيات لدعم مشروع كذا او اتفاقية دعم بملبغ كذا.
ولكن سبحان الله لا أجهزة قمع في ذلك المؤتمر ، والترحيب على أشده بالصحفيين وكأنه بروتوكول خاص لكسب ودّ هؤلاء الصحفيين في تغطية حدث لوزير أو رئيس وزارء أو رئيس، أما عندما يتعلق الأمر بتغطية حدث يسير بعكس تيار السلطة "الوطنية" فإنك تشعر للوهلة الأولى أن تسكن في مربعات ومثلثات ومستطيلات أمنية بين عشرات المندوبين وصناع التقارير من الأجهزة الأمنية .
إذا كانت الاعتداءات التي يتعرض لها الصحفيون من ضرب وشتائم من أجهزة أمنية تربوا على ذلك فإن المشكلة أكبر من سلوك عابر لأجهزة أمنية تتصرف بهذا التصرف، إن ما يحصل من انتهاكات لهذه المسيرات وبغض النظر عن فحوى الموضوع التي تخرج بسبب اذا ما نظرنا الى ما يسمى بحرية التعبير المنتكب في الدول العربية، فإن هذه الإنتهاكات إشارات تحذير شديدة اللهجة من السلطة الوطنية لتوصل وجهة نظرها بأن هذه المسيرة ستقمع حتى إن لم تنتقد السياسة الداخلية للسلطة فكيف إن خرجت مسيرة تطالب برحيل الرئيس أو بمطالبة بإسقاط حكومة تضم العلامة الديني الهباش.
إن اللوم الداخلي الذي يدور في داخلي الأن هو لوم كبير، ليس على النجوم والنسور التي يتزين بها أفراد الأجهزة الأمنية، لكنه يبدأ بالإختفاء اذا ما نظرت الى التصرفات الخارجية لأصحاب هؤلاء النجوم والنسور، فمن يقتحم منزل عائلة في رام الله بعد متصف الليلة لقتل طفل لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره يتوقع منه ذلك. وهنا أنا لا أوجع لومي الأساسي للسلطة التي لا تحاسب هذا العقيد وتكتفي بتسيير موكب طيب لرجل الطيب عبد الرحيم ليأخذه بعيدا وكأننا نتذكر مشهد من أحد الأفلام المصرية عندما يتقاتل اثنان ويأتي رجل ثالث ليقول مازحا" إبعد عنه الساعة دي ..روح بعييد".
ستتبرؤ الأجهزة الأمنية من هذه الأعمال القمعية بخروج هزيل من الناطق الرسمي بإسم الأجهزة الأمنية ليقول إن الصحفيين كانوا يهتفون مع منظمي المسيرة وبذلك خرجوا عن طبيعة عملهم، او أن هؤلاء الصحفيين ينتمون لجهات غربية،أو ان هؤلاء الصحفيين لا ينقلون الحقيقة بالشكل الذي تراه هذه السلطة الإطار الصحيح،..صدقني لم أجد لك مبررا وإن فتحت الف ملف تحقيق أو طلبت فرق التحقيق التي تحقق في سوريا حاليا بالأسلحة المحرمة.
إذا كانت الصحافة ستقف طويلاً فقط عند مواضيع معينة كما وقفت عند إغلاق مكتب لوكالة أو تلفزيون في الضفة أو غزة لعدم نقل حقيقة تخدم شعب بأكمله فالسخط لتلك الصحافة، وإن كانت النقابة أصبحت سائرة على خطى الإستنكار والشجب فقط فالموت لتلك النقابة، أما اذا تحولت تلك النقابة لجهاز أمني أخر اسمه "جهاز فض الإعتصامات الصحفية" فهدا حال اخر يتطلب فتح باب التسجيل لدورات أمنية تدريبية صحفية لفتح باب فض تلك الإعتصامات "الجائرة".