شبكة قدس الإخبارية

دليل المصالح الاستراتيجية: ماذا تريد أمريكا من مصر؟

هيئة التحرير

ترددت الولايات المتحدة الأمريكية لعدة أيام في وصف الانقلاب العسكري الذي قاعده الفريق الأول وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي في الثالث من تموز الماضي، هل هي ثورة أم انقلاب؟ وبعد فض اعتصام رابعة العدوية بالمجزرة الدامية يوم الأربعاء الماضي خرج الرئيس الأمريكي باراك أوباما ليعبر عن خوفه على "الديموقراطية"، ويدين إراقة الدماء.

 فهل حقاً تنزعج أمريكا من "الإنقلاب"؟ وهل لاستنكارات أوباما وانتصاراته "لحقوق الإنسان" أي وزن عندما يدور الحديث عن المصالح الحربية؟ عن ذلك نشرت صحيفة هآرتس العبرية اليوم الأحد مقالاً يحاول مقاربة العلاقة المصرية الأمريكية، بعنوان :" على الرغم من استنكار أوباما، أمريكا مرتبطة بمصر فيما يتعلق بمهماتها القتالية".

 يقول الكاتبان "توم شنكر" و"أريك شميت" إن مصر هي تقريباً الدولة الوحيدة في المنطقة التي تفتح مجالها الجوي بشكل تلقائي للطائرات الحربية الأمريكية، بينما تضطر أمريكا لطلب الإذن من دول آخرى قبل أسبوع من موعد مرور تلك الطائرات. وغالباً ما تكون هذه الطائرات في طريقها لنقل إمدادات عسكرية في مناطق الشرق الأوسط مثل أفغانستان، أو تكون في طريقها لأداء مهمة حربية ضمن ما يُسمى "مكافحة الارهاب" في دول أفريقيا أو جنوب غرب آسيا. وأقوى الأمثلة على ذلك، أنه إبان غزو العراق عام 2003 رفض البرلمان التركي السماح للجيش الامريكي لاستخدام مجالها الجوي لغزو العراق بينما سمحت مصر بذلك مرتين.

 إضافة للمجال الجويّ، فإن قناة السويس لا تقل أهمية عنه، إذ أنه يُسمح سفن الحربية الأمريكية بالمرور عبر قناة السويس مما يقصّر طريقها خاصة أوقات الحروب، وفي حال غياب هذا التعاون المصري فإن المهمات القتالية للجيش الأمريكي ستسغرق وقتاً أطول.

 ويقتبس المقال من كلام الجنرال الأمريكي المتقاعد جيمس ماتيس الذي قال: "نحن بحاجة لمصر بسبب قناة السويس، وبسبب معاهدة السلام مع إسرائيل، وبسبب التحليق الجويّ فوق الأراضي المصرية وفي النضال المستمر ضد المتطرفين الذين يهددون انتقال مصر للديموقراطية بدرجة لا تقل عن المصالح الأمريكية".

 وعلى الرغم من أنه بالنسبة لأمريكا فإن العلاقات الحميمة والجدية مع الجيش المصري أهمّ من كون النظام الحاكم في مصر متطرف ومعادٍ، فإن هناك حدّ معين للعنف لن تسكت أمريكا على تجاوزه. ولذلك فإن المسؤولين الأمريكيين يبحثون عن طرق جيدة لمعاقبة الجيش المصري ودفعه لإنهاء موجة العنف بأسرع وقت ممكن والبدء بمحادثات من أجل الانتقال إلى نظام ديموقراطي. بمعنى آخر فإن أمريكا مستعدة أن تسكت على ممارسة حلفائها "حداً معيناً" من العنف والاستبداد، على أن لا يطول ذلك، ولا يزيد بالشكل الذي يضرها.

في ذات الوقتن وبحسب المقال، يدرك العسكريون المصريون هذه الموزانات الأمريكية جيداً ويستذكرون أنه سبق أن قامت أمريكا بقطع علاقاتها مع جيوش حليفة بسبب قيامها بأعمال استبدادية وإضرارها بحقوق الإنسان. "لكلا الطرفين هناك مصلحة في الحفاظ على العلاقات الجيدة، الجيش المصري يتخذ خطوات لإخفاء الحكم العسكري بغطاء مدني، الأمر الذي يُمكن الولايات الأمريكية وآخرين الاستمرار بصفقاتهم وأعمالهم كالمعتاد"، يُعلق على ذلك روبرت سيبرينبورج، محاضر في كلية الدراسات العليا في المهارات البحرية القتالية، وخبير في شؤون الجيش المصري.

يُذكر أن أمريكا ألغت المناورات العسكرية المشتركة مع مصر بعنوان "النجم الساطع"، فيما بدا للعالم وكأنه إجراء عقابي بسبب عنف السلطات المصرية تجاه المتظاهرين، لكن الكاتبان يلمحان إلى أن السبب الحقيقي هو ببساطة ضعف القدرة على تأمين سلامة الجنود الأمريكيين خلال هذا التدريب العسكري.

إضافة إلى المقال المنشور في صحيفة "هآرتس"، التقفت "يديعوت احرونوت" الموضوع وكتبت عن المصالح الأمريكية مع الجيش المصري، وعددت منها إضافة إلى المذكور أعلاه: الحرب على ما أسمته "الإرهاب" في شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة، والحفاظ على أمن "إسرائيل".

وتقول "يديعوت" إن مصر تقف في المكان الثاني بعد "إسرائيل" من ناحية المساعدات المالية التي تتلقاها الدولتان من الولايات الأمريكية المتحدة، وذلك منذ توقيع معاهدة كامب ديفي عام 1979. ومن عام 1948 حتى 2011 حصلت القاهرة على 71.6 ميليارد دولار من واشنطن من ضمنها مساعدات عسكرية، ترجع عائداتها إلى أمريكا مرة أخرى من خلال الصفقات العسكرية التي تشتري وفقها مصر طائرات ودبابات أمريكية الصنع. وفي هذا إشارة إلى الضرر المترتب على إيقاف المساعدات الأمريكية عن مصر، إذ إن أول المتضررين هم شركات الأسلحة الأمريكية.

تختم الصحيفة بالقول إنه في ذات الوقت لا يمكن لأوباما السكوت عن مشاهد قتل المدنيين في شوارع القاهرة والاسكندرية. لذلك فإن من تصفه الصحيفة بـ"شرطي العالم" يعقب على الأحداث ببطء وتردد، بينما يحاول الدفع باتجاه مصالحة وطنية تؤدي إلى إيقاف المظاهرات وتعيد الجيش إلى ثكناته، ومن أجل ذلك أرسل إلى القاهرة المبعوث الأمريكي بيل برنس. ولا شك، بحسب تعبير الصحيفة، أنه مهما تغير المشهد فإنه من المفهوم ضمناً أن الجيش يلعب به من وراء الكواليس.