لا توجد مجموعة قصصية فلسطينية تناولت رمزية نضال الشعب الفلسطيني وكفاحه كما وجدناه في قصة "عن الرجال والبنادق" التي كتبها الأديب الشهيد غسان كنفاني، ورغم أنها جاءت بصورة مقتضبة سريعة، إلا أن أحداثها جاءت مكتملة الحبكة القصصية لدرجة أننا نكتشف ملامستها لأحداث معاناة الشعب الفلسطيني وآثار هزيمة حزيران، وعلاقة الإنسان الفلسطيني العضوية والتاريخية بالمرتينة ودور القائد في إرشاد جنوده.
تحمل "عن الرجال والبنادق" قيمة كبيرة لا يشعر بها إلا من تمرد على شظف الحياة والمعاناة، وأراد أن يواجه ويحمل البندقية بإصرار وعناد وعزيمة جبال.
لم يكتفِ غسان باستعراض تفاصيل حالة الإلهام التي أصابت الفتى الشاب بمرتينة خاله فقط، بل يدعو لإشاعة مناخ هذه العلاقة بين الشاب والبندقية على الفلسطينيين كلهم، حيث يقول غسان " لو حمل كل رجل في الجليل عشرين فشكة واتجه إلى قلعة صفد لمزقناها في لحظة"، إنها ليست وحدها إرادة البحث عن المشاكل والاقتراب من المخاطر والتي وجدناها في الشاب، بل في نبوءة نستلهم منها بث روح الوحدة من خلال العمل الجماعي المقاوم.
يحدثنا غسان عن جدلية العلاقة بين القائد ومقاتليه، وكأنه يحاول أن يشعرنا أن كل مقاتل قائد مستقل الإرادة وله مطلق الحرية في إرشاد نفسه حول ما يتوجب عمله، ويواصل السير في طريقه دون الانتظار أو التفكير ولو للحظة عن ما هية الدور الذي يمكن أن يلعبه القائد أو الأوامر التي يمكن أن يوجهها له.
نقل لنا الشهيد كنفاني صورة البندقية إلى مرتبة الشرف، واصفاً الرجال الذين يحملونها والذين يزحفون تحت العتمة بأنهم بناة شرف نظيف غير ملطخ بالوحل الذي وقعنا به في حزيران، ويراهن على هذه البندقية والمقاتل في مواجهة محاولات كبح الهذيان الذي أصاب الجميع بعد هذه النكسة.
يصف كنفاني البندقية كشجرة صغيرة يتم قصقصة عروقها، وسلخ فروعها منها ليطعم فيها فروعاً أخرى، يرقعها ويشذبها ويملأ نواقصها حتى تعود فتبدو كتلة واحدة من جديد، وهو بذلك يفسر لنا سر العلاقة التي نشأت بين خال الفتى الشاب ومرتينته، وهي التي جعلته يسميها مدفعاً.
ما نستخلصه من هذه المجموعة القصصية الهامة، هي أنها تصلح لأن تكون نهج لحياة المقاتلين، ونداء لهم بألا يتركوا البندقية فهي طوق النجاة الحامي من أي نكسات، وأن الإصرار على عمل أي شئ والمخاطرة به يجب أن ينم عن رغبة جامحة في التضحية من أجل الهدف المنشود. وهي بمجملها فرصة لنا لانتقاد من خرجوا علينا اليوم لنفي فكرة عمل مقاوم صغير ضد الاحتلال أملاً في استمرار التهدئة مع الاحتلال، أو من يرفضوا فكرة المقاومة أصلاً ويقوموا بتحييد البندقية وتركها فريسة للصدأ.



