شبكة قدس الإخبارية

عن الفشل في نزع سلاح حماس وحزب الله: المقاومة كوعي جمعي يهدد أمن الاحتلال 

معرض صورتان (8)

ترجمات خاصة - قدس الإخبارية: قال الخبير الإسرائيلي في شؤون الشرق الأوسط حاييم غولوفنتشيتس، في مقالة نشرتها صحيفة يديعوت أحرونوت، إنّ القضيتين الأكثر إلحاحًا في معادلة الأمن القومي لـ”إسرائيل” اليوم تتمثلان في نزع سلاح المقاومة في لبنان وقطاع غزة. وبرغم الخطاب الإسرائيلي المتكرر حول “تفكيك محور المقاومة”، يرى الكاتب أن الارتباط بين الساحتين اللبنانية والغزّية أصبح أوثق من أيّ وقت مضى. فإخفاق “إسرائيل” في نزع سلاح حزب الله سيقوّض، بحسبه، أيّ إمكانية لتطبيق تجربة مشابهة في غزة، وهو ما يثير قلق المؤسستين الأمنية والسياسية في تل أبيب.

يستعرض غولوفنتشيتس في مقاله أن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان في نوفمبر 2024 وتشكيل حكومة “سلام–عون” بعثا أملًا مؤقتًا بإمكان إنقاذ الدولة اللبنانية المنهارة. فقد بدت الضربة التي تلقّاها حزب الله آنذاك وكأنها تفتح نافذة لإعادة الإعمار ونزع السلاح، غير أن هذا الأمل ارتبط بمشروع دولي قادته الولايات المتحدة والسعودية عبر مبعوثي واشنطن توم باراك ومورغان أورتاغوس، إلى جانب المندوب السعودي يزيد بن فرحان الذي بات، كما يقول الكاتب، يتمتّع بنفوذ واسع على رئيس الحكومة نواف سلام حتى أصبح “صوت الرياض في بيروت”، خصوصًا في الملفات السياسية والاقتصادية.

ويشير إلى أن الخسائر الاقتصادية الفادحة التي خلّفتها الحرب – والمقدّرة بأكثر من 14 مليار دولار – دفعت القوى الغربية والعربية إلى ربط إعادة الإعمار بنزع سلاح حزب الله. ومن هنا وُلدت فكرة “مؤتمر الخماسية” الذي سعى إلى صياغة تسوية تضمن الأمن والإعمار في آن واحد. ووفق التفاهمات، تعهّدت “إسرائيل” بالانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية بحلول فبراير 2025، لكنها نفّذت انسحابًا جزئيًا فقط واحتفظت بخمس نقاط سيطرة استراتيجية تحت غطاء أميركي، ما أوجد واقعًا جديدًا وصفه الكاتب بـ”الهدوء المقرون بالاغتيالات” – أي حالة من الهدوء النسبي تتخللها عمليات محدودة هدفها الحفاظ على الردع.

هذا الواقع المتناقض، كما يرى غولوفنتشيتس، أشعل الغضب في لبنان، إذ يعتبر حزب الله أن استمرار الغارات والاغتيالات الإسرائيلية يمثل انتهاكًا مباشرًا للسيادة اللبنانية، مؤكدًا أنه رصد أكثر من خمسة آلاف خرق منذ توقيع الاتفاق. ورغم أن البلاد شهدت في البداية استقرارًا حذرًا، فإن هذا الهدوء سرعان ما تبدّد مع حلول الربيع الماضي عندما بدأ الحزب إعادة بناء قدراته العسكرية بدعم إيراني، في حين حاولت الحكومة اللبنانية الإيحاء بجدّيتها عبر خطوات رمزية مثل جمع السلاح من بعض المخيمات الفلسطينية، لكنها بقيت إجراءات شكلية لم تغيّر شيئًا في الواقع الميداني.

أما على الصعيد الداخلي، فيذكر الكاتب أن الجيش اللبناني رفض الدخول في مواجهة مباشرة مع حزب الله رغم قرار الحكومة بتكليفه بهذه المهمة. فقد رفض القائد العام رودولف هيكل تنفيذ القرار بحجة ضعف الإمكانات وتركيبة الجيش الطائفية التي تضم نسبة عالية من الشيعة. هذا الموقف أدّى إلى توتر حاد بين الرئيس عون ورئيس الحكومة سالم، حتى وصل الأمر إلى قطيعة بينهما. ويضيف غولوفنتشيتس أنّ عون عرض في لحظة يأس على “إسرائيل” هدنة غير مباشرة لمدة شهرين، لكن تل أبيب رفضت العرض، فيما واصلت واشنطن الضغط عبر المساعدات المشروطة، رغم تقديمها 200 مليون دولار دعمًا للجيش اللبناني خلال العام الجاري.

ويرى الكاتب أنّ الارتباط العضوي بين حزب الله وحركة حماس لم ينقطع رغم سنوات القتال، بل تمّ تجديد قنوات التنسيق العسكري والسياسي بينهما بعد عامين من الحرب. فقيادة حماس – كما يوضح – تتابع بقلق التطورات في لبنان خشية أن تحاول “إسرائيل” تطبيق “النموذج اللبناني” في غزة، أي نزع تدريجي للسلاح عبر اتفاقات دولية. في المقابل، تستلهم الحركة تجربة حزب الله في “الممانعة”، وترفض أيّ صيغة لنزع السلاح، مكتفية بطرح بدائل رمزية مثل تسليم السلاح إلى جهة عربية مقابل إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، وهي شروط يعتبرها الكاتب “غير واقعية” من وجهة النظر الإسرائيلية.

وفي ختام المقال، يخلص غولوفنتشيتس إلى أنّ الخط الفاصل بين لبنان وغزة بات أكثر وضوحًا من أيّ وقت مضى، لا جغرافيًا بل فكريًا. فـ”المقاومة”، بحسبه، أصبحت عنصرًا مؤسِّسًا في الوعي الجمعي العربي والإسلامي، ترتبط بفكرة الكرامة والسيادة لا بالمكاسب السياسية. لذلك يرى أن فشل نزع سلاح حزب الله سيُفشل بالضرورة أيّ رهان على نزع سلاح حماس بالوسائل السياسية. ويؤكد في ختام تحليله أن الحسم في غزة يمر عبر الحسم في لبنان، فالساحتان اللتان حاولت “إسرائيل” فصلهما قسرًا، تعودان اليوم لتشكّلا كتلة واحدة من الوعي والمقاومة في مواجهة الاحتلال.