متابعة - شبكة قُدس: شكلّت مشاهد عملية خانيونس التي نفذتها كتائب القسام وبثها التلفزيون العربي أمس، محور نقاش واسع بين المحللين العسكريين والسياسيين. فقد أظهرت المشاهد المصورة أن ما جرى يتجاوز بكثير رواية الاحتلال عن “اشتباك محدود”، ليبدو أقرب إلى عملية مركبة واسعة النطاق شاركت فيها قوة مقاومة بحجم فصيل مشاة، استهدفت أكثر من موقع في وقت واحد، وأعادت إلى الواجهة قدرة المقاومة على المبادرة بعد عامين من القتال المستمر.
المحلل العسكري رامي أبو زبيدة اعتبر أن تفاصيل العملية كما وردت في بيان القسام، تؤكد استخدام المقاومة لتكتيكات معقدة؛ من بينها استهداف دبابات ميركافاه 4 بعبوات “الشواظ” و”الياسين 105”، والاشتباك المباشر من مسافة صفر داخل منازل كان يتحصن فيها الجنود الإسرائيليون، إضافة إلى قنص قائد دبابة بشكل دقيق. كما لفت إلى أن استخدام الهاونات لتأمين محيط العملية وانسحاب المقاتلين يكشف أن الخطة لم تكن انتحارية، بل هجوم منظم يتضمن الدخول والاشتباك والانسحاب، وصولًا إلى التفجير الاستشهادي الذي اختتم العملية ليوقع أكبر خسائر ممكنة في صفوف القوات المقتحمة.
وبحسب أبو زبيدة، فإن هذه العملية تختلف عن سوابقها بكونها نُفذت في ظروف استنزاف قاسٍ للمقاومة بعد حرب طويلة، ومع ذلك نجحت في إظهار تكامل بين وحدات مضادة للدروع وقناصة ومشاة وراجمات هاون، ما عكس منهجية “المعركة المركبة” التي تربك الجيش الإسرائيلي وتدفعه لتخصيص جهد جوي ومروحي كثيف للتعامل مع الموقف. وخلص إلى أن الرسالة الأبرز هي أن “لا مكان آمنًا لجنود الاحتلال في غزة”، وأن القدرة على الاقتحام والاشتباك المباشر تضعف الرواية الإسرائيلية عن السيطرة التامة.
أما المحلل السياسي محمد الأخرس، فرأى أن عملية خانيونس، كما بُثت عبر التلفزيون العربي، تحمل أبعادًا سياسية عميقة. فالمقاومة نجحت في تنفيذ هجوم واسع بعد فترة وجيزة من انتهاء عملية “عربات جدعون” الإسرائيلية في خانيونس مطلع أغسطس، وهو ما يفضح فشل الرهان على أن تلك العملية تمهد لبناء واقع جديد على الأرض. وأوضح أن تحريك هذا العدد من المقاتلين في مهام عملياتية متوازية، يبرهن على أن البنية التنظيمية للمقاومة ما زالت متماسكة رغم كل محاولات الاحتلال لتفكيكها.
الأخرس شدد على أن المقاومة وجهت رسالة بالصوت والصورة إلى العواصم الغربية وبعض العواصم العربية مفادها أن أي مشروع سياسي لمستقبل غزة لا يمكن أن يمر بمعزل عن الفلسطينيين وتضحياتهم. فالمشهد المصور للقتال من مسافة صفر وتفجير استشهادي وسط قوات الإنقاذ لا يقتصر على بعده العسكري، بل يتجاوز ذلك ليصبح عامل ضغط على القيادة الإسرائيلية التي وعدت بإنهاء خطر غزة، في حين أن الواقع يظهر عكس ذلك.
بهذا الشكل، أعادت عملية خانيونس صياغة المعادلة: ميدانيًا عبر تكتيكات هجومية مركبة أربكت جيش الاحتلال، وسياسيًا عبر رسالة واضحة بأن المقاومة ما زالت قادرة على المبادرة وتغيير قواعد الاشتباك، لتظل غزة رغم الدمار والحصار ساحة تثبت فيها المقاومة حضورها وتأثيرها على مسار الحرب والمفاوضات.