ترجمات خاصة - قدس الإخبارية: نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية تقريرًا مطولًا تناولت فيه الموقف الإسباني الأخير من الاحتلال الإسرائيلي، مركّزة على تصاعد حدة المواقف الرسمية والشعبية ضد حكومة الاحتلال خلال الأشهر الأخيرة. التقرير اعتبر مدريد رأس حربة في ما وصفته الصحيفة "المثلث الأوروبي الأكثر عداءً لإسرائيل"، إلى جانب النرويج وإيرلندا. ففي الوقت الذي أغلقت فيه حكومة الاحتلال سفارتها في دبلن نتيجة ما وصفته بالعداء الأيرلندي، وسحبت النرويج استثمارات بمليارات الدولارات من شركات إسرائيلية، اختارت إسبانيا، بقيادة رئيس وزرائها الاشتراكي بيدرو سانشيز، أن تدفع الموقف خطوة أبعد عبر التصعيد في مجالات الرياضة والسياسة والدبلوماسية والاقتصاد.
التقرير ركّز على ما سمّاه "المعركة الرياضية"، مشيرًا إلى أنّ الحكومة الإسبانية شجعت علنًا المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين خلال سباق الدراجات الهوائية الشهير "فويلتا"، وهي احتجاجات نجحت في تعطيل بعض المراحل بما في ذلك المرحلة الختامية في مدريد. ولم تتوقف مدريد عند هذا الحد، بل طالبت بإقصاء الاحتلال من كافة المنافسات الرياضية الدولية، على اعتبار أنّ المشاركة الإسرائيلية تمثل محاولة لتبييض الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين عبر الرياضة. الموقف امتد إلى بطولة شطرنج محلية، حيث حاول المنظمون منع المشاركين الإسرائيليين من إظهار أي رموز وطنية، ثم قرروا لاحقًا تعليق علم فلسطين فقط وإزالة أعلام باقي الدول، ما دفع اللاعبين الإسرائيليين إلى الانسحاب. حتى مسابقة الأغنية الأوروبية "يوروفيجن" لم تسلم، إذ لوّحت إسبانيا بالانسحاب إذا سُمح للاحتلال بالمشاركة.
إلى جانب الرياضة والفن، شملت الخطوات الإسبانية إلغاء صفقات سلاح كبرى مع شركات إسرائيلية، ومنع مرور سفن تحمل معدات عسكرية موجهة إلى جيش الاحتلال عبر الموانئ الإسبانية. الأمر تطور إلى أزمة دبلوماسية متبادلة، حيث ألغت حكومة الاحتلال تأشيرات دخول لسياسيات إسبانيات، وردّت مدريد بخطوة مماثلة تجاه وزراء في حكومة نتنياهو مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. هذه الإجراءات اعتبرتها الصحيفة العبرية "حربًا مفتوحة" على الاحتلال، بينما عرضت مدريد خطواتها على أنها دفاع عن حقوق الفلسطينيين ومحاولة لمنع الاحتلال من استخدام الساحة الأوروبية كساحة تطبيع سياسي ورياضي.
ويؤكد التقرير أنّ بعض الأقاليم كالباسك وكاتالونيا، يرى الناس هناك في نضال الفلسطينيين مرآة لمعاركهم الداخلية من أجل الاستقلال. أما مدريد، بوصفها مركز الدولة السياسية والاقتصادية، فهي أكثر تحفظًا، إذ يبدي سكانها انتقادات للاحتلال وسياساته في غزة، لكنهم في الوقت ذاته يبدون تحفظًا تجاه حركات المقاومة. ومع ذلك، لم يمنع هذا من انتشار آلاف عناصر الشرطة في العاصمة خلال الفعاليات الرياضية الأخيرة، في مشهد وصفته الصحيفة العبرية بأنه أقرب إلى الاستعداد للحرب لا للاحتفال الرياضي، في إشارة إلى حجم التوتر الذي أفرزته المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين.
كما سلّط التقرير الضوء على أبعاد تاريخية وثقافية تلعب دورًا في تشكيل الموقف الإسباني، مثل الذاكرة الاستعمارية التي تجعل المجتمع حساسًا تجاه الشعوب الواقعة تحت القمع، والماضي الإسلامي واليهودي للبلاد، وتجربة إسبانيا المتأخرة مع الفاشية مقارنة ببقية أوروبا. الصحيفة رأت أنّ هذه العوامل مجتمعة تمنح مدريد قابلية أكبر لانتقاد الاحتلال.
التقرير ختم بعرض شهادات لإسرائيليين يعيشون في مدريد ويملكون مطاعم ومشاريع صغيرة، والذين قالوا إنهم تعرضوا لموجات مقاطعة وهجمات إلكترونية بعد 7 أكتوبر، وانخفاض حاد في الإيرادات وصل إلى 75%. وبهذا أرادت الصحيفة إظهار ما وصفته "المعاناة الإسرائيلية في أوروبا"، في مقابل ما اعتبرته "انتصارًا لرواية الفلسطينيين".