شبكة قدس الإخبارية

من الفائض إلى العجز.. كيف أدت الحرب إلى جرّ الاقتصاد الإسرائيلي نحو الهاوية؟

shutterstock_2397367713-1705571469

ترجمة خاصة - شبكة قُدس: يشير البروفيسور الإسرائيلي إيتاي آتر، رئيس “منتدى الاقتصاديين من أجل الديمقراطية” وأستاذ الاقتصاد في جامعة تل أبيب، إلى أن “إسرائيل” تنزلق بوتيرة متسارعة نحو عزلة سياسية وثقافية واقتصادية غير مسبوقة. ويؤكد أن ملامح هذه العزلة باتت واضحة من خلال إلغاء صفقات تسليح، وانهيار قطاع السياحة الوافدة، ومقاطعة أكاديميين وفنانين إسرائيليين، فضلًا عن قطع علاقات تجارية مع الخارج. وينقل آتر عن تقرير موسع نشرته مجلة الإيكونوميست أن هذا الانحدار الذي بدأ في أوروبا امتد إلى الولايات المتحدة، حيث تفقد “إسرائيل” بسرعة قاعدة دعمها بين الأجيال الشابة. ويزداد الوضع خطورة مع طرح احتمال إلغاء اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وهي ركيزة أساسية للبحث العلمي الإسرائيلي، إلى جانب فرض عقوبات غربية بسبب الكارثة الإنسانية في غزة.

ويرى آتر أن العزلة الدولية لا تعكس إلا جانبًا واحدًا من التدهور الأوسع للاقتصاد الإسرائيلي. فحتى نهاية عام 2022 كان الاقتصاد في أوج ازدهاره، بمعدلات نمو مرتفعة، ودَين عام منخفض، وفائض في الموازنة لأول مرة منذ 1987، إضافة إلى استثمارات كبيرة في البنية التحتية والمجتمع العربي. ويشير إلى أن وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني أعلنت آنذاك نيتها رفع تصنيف “إسرائيل”، لكن حكومة اليمين التي تسلمت السلطة مطلع 2023 أهدرت هذه الظروف المواتية بتحويلها إلى منصة لمشروعها السياسي، عبر إضعاف القضاء، تكريس اللامساواة في الأعباء، وتوزيع الأموال على الحلفاء.

ويشدد آتر على أن مؤشرات النمو تراجعت بوضوح منذ ذلك الحين. ففي عامي 2023 و2024 لم يسجل الاقتصاد أي نمو للفرد تقريبًا، مقارنة بـ 6.8% عام 2021 و4.4% عام 2022. ويبين أن التباطؤ بدأ بالفعل قبل 7 أكتوبر، متزامنًا مع خطوات الحكومة لضرب استقلال الجهاز القضائي. أما بيانات 2025 فتشير إلى احتمال دخول الاقتصاد في ركود عميق بفعل التكاليف العسكرية الباهظة والعقوبات الدولية المتوقعة.

كما يلفت آتر إلى أن نسبة الدين العام قفزت من 60% من الناتج عام 2022 إلى نحو 70% اليوم، مع توقعات بارتفاع إضافي. ويضيف أن وزارة المالية نفسها أقرت بأن فوائد الدين الإضافية بلغت 4.5 مليار شيكل عام 2024، وسترتفع إلى 9.7 مليار في 2025، لتتضاعف لاحقًا حتى تتجاوز 20 مليار سنويًا. ويرى أن هذه المعطيات دفعت وكالات التصنيف الدولية إلى خفض تصنيف “إسرائيل” للمرة الأولى في تاريخها، ما يعكس فقدان الثقة في استقرارها الاقتصادي.

ويؤكد آتر أن العجز في الموازنة ارتفع بدوره بشكل مقلق. فبينما حققت الحكومة السابقة فائضًا في 2022، سجل عام 2023 عجزًا نسبته 4.1% من الناتج، ارتفع إلى 6.8% في 2024، ومن المتوقع أن يستقر عند 5% في 2025. ويشدد على أن جزءًا من هذا العجز يرتبط بالحرب، لكن جذوره سبقت الأحداث، إذ نجم أيضًا عن الإنفاق السياسي المفرط وتضخم الوزارات غير الضرورية. وبالنظر إلى تكاليف الحرب المستمرة التي تجاوزت 300 مليار شيكل، يحذر من أن استدامة هذا الوضع شبه مستحيلة.

ويلفت آتر الانتباه إلى أن الأعباء انعكست مباشرة على الأسر الإسرائيلية. فقد فرضت الحكومة ضرائب جديدة ورفعت من نسب قائمة، شملت ضريبة القيمة المضافة والكهرباء والمياه والمواصلات، إلى جانب تجميد تخفيضات ضريبة الدخل وإلغاء امتيازات سابقة. ويضيف أن هذه السياسات، بالتزامن مع ارتفاع الأسعار، دفعت المزيد من الأسر تحت خط الفقر. ويشير إلى أن أسعار الغذاء ارتفعت بنسبة 15% منذ انتخابات 2022، مقارنة بارتفاعات طفيفة قبل ذلك.

وفي ما يتعلق بالجانب الاجتماعي، يوضح آتر أن المناخ السياسي والأمني المتأزم، إضافة إلى الضغوط المعيشية، دفع مئات الآلاف إلى الهجرة منذ مطلع 2023، بينهم مئات الأطباء وآلاف العاملين في قطاع التكنولوجيا. ويؤكد أن هذه الهجرة الواسعة انعكست سلبًا على مستوى الخدمات الصحية والتعليمية، وزادت أوقات الانتظار لرؤية الأطباء المختصين، مع توقعات بمزيد من التدهور.

ويخلص آتر إلى أن حكومة نتنياهو تسلمت اقتصادًا قويًا عام 2023، لكنها أوصلته خلال عامين إلى حافة الانهيار. ويرى أن النهج القائم على تحويل “إسرائيل” إلى دولة حصن سيؤدي إلى تراجع الاستثمارات، ارتفاع تكاليف المعيشة، تعميق الركود، وتسريع هجرة العقول. لذلك، يطرح أن الطريق الوحيد لإنقاذ الاقتصاد والجمهور الإسرائيلي هو التوجه إلى انتخابات مبكرة قبل أن يتحول التدهور إلى انهيار شامل.