شبكة قدس الإخبارية

ملفات قضائية تكشف تورط شركة غوشة وحجازي الأردنية في شراكات اقتصادية مع المستوطنين 

حازم عواد (16)

خاص - شبكة قُدس: في الآونة الأخيرة تكشّفت شبكة من العلاقات الاقتصادية المعقّدة بين شركات عربية كبرى ومؤسسات إسرائيلية، علاقات تُظهر كيف يتجاوز الاحتلال حدوده العسكرية ليخترق الاقتصادات العربية عبر قنوات التجارة والاستثمار. من أبرز هذه النماذج تجربة شركة حجازي وغوشة الأردنية، التي وجدت نفسها – بعد سنوات من الشراكات الضخمة في قطاع اللحوم – متورطة في نزاعات قضائية ومالية مع مستوطنة إيلوت في إيلات، لتتحوّل استثماراتها إلى ورقة بيد الاحتلال.

تكشف وثائق قانونية عن علاقة تربط بين شركة حجازي وغوشة الأردنية، كبرى شركات اللحوم في المنطقة، وبين مؤسسات إسرائيلية على رأسها مستوطنة إيلوت في إيلات. هذه العلاقة لم تكن مجرد عمليات بيع وشراء عابرة، بل تجاوزت ذلك إلى استثمارات في البنية التحتية وشراكات طويلة الأمد، ما جعل الشركة الأردنية جزءاً من منظومة اقتصادية مرتبطة بشكل مباشر بالاحتلال الإسرائيلي.

البداية تعود إلى مطلع الألفية، حين ظهرت الحاجة لتوسيع محطات الحجر البيطري في الجنوب بعد أن تبيّن أن محطة “صُفَر” لا تكفي لاستيعاب أعداد المواشي المستوردة. في عام 2002 وُقّع اتفاق أولي مع المستوطنة، لكنه لم يُنفّذ بسبب اعتراض بلدية إيلات والفنادق المجاورة. وبعد مفاوضات طويلة، وُقّع الاتفاق المركزي في 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2004، الذي نص على بناء محطة حجر ضخمة على أراضي المستوطنة. وبموجبه، أنفقت شركة “رَفَتْ العَرَبة” (الواجهة القانونية المرتبطة بحجازي وغوشة) ما يقارب 5.9 مليون شيقل حتى عام 2014 لتجهيز المحطة.

هذا الاستثمار رسّخ اعتماداً متبادلاً: فقد استفادت “إسرائيل” من بناء منشأة استراتيجية بجوار ميناء إيلات، فيما ربطت الشركة الأردنية تجارتها بالكامل بالبنية التحتية الإسرائيلية. ومع مرور السنوات، تضاعفت المبيعات حتى بلغت نحو 100 مليون دولار سنوياً في ذروة النشاط، ما أظهر أن العلاقة كانت شراكة استراتيجية أكثر منها مجرد تجارة عابرة.

لكن الارتباط الوثيق لم يخلُ من نزاعات. ففي 2007 اندلع الخلاف الأول عندما حاولت المستوطنة إلغاء الاتفاق، الأمر الذي أجبر الشركة على اللجوء إلى القضاء. انتهى النزاع حينها بتسوية قضائية عُرفت باسم “اتفاق 2007”، أعادت الاعتراف بفعالية عقد 2004 وأكدت استمرار الشراكة.

وثيقة قانونية إسرائيلية

ورغم ذلك، تراكمت الخلافات المالية. ففي يناير 2015 أوقفت المستوطنة تعاونها معلّلة ذلك بديون وصلت إلى 913 ألف شيقل، واحتجزت المعدات التابعة للشركة بموجب “حق الحجز”. خلال الفترة نفسها، وُثّق ما عُرف بـ”أحداث يوم الانتخابات” في 17 آذار/مارس 2015، حين حاولت الشركة تفكيك المحطة بالقوة ونقل معداتها بشاحنات، فصدر ضدها أمر قضائي عاجل يمنعها من ذلك. المستوطنة قدّرت الأضرار الناتجة عن محاولات التفكيك العشوائية بنحو 130 ألف شيقل، ورفعت دعوى جديدة ضد الشركة.

كما كشفت المحاكم عن أرقام أخرى تُبرز عمق الأزمة: ففي يناير 2015 جرى احتجاز شحنة مواشٍ كاملة، ولم يُفرج عنها إلا بعد أن دفعت الشركة مع شريك آخر مبلغ ضمان قدره 220 ألف شيقل، إضافة إلى خلاف حول رسوم بلغت 455 ألف شيقل مقابل معالجة القطيع. هذه الأرقام تكشف أن العلاقة تحولت تدريجياً من شراكة استثمارية إلى نزاعات قضائية ومالية متكررة أمام المحاكم الإسرائيلية.

البعد السياسي لهذه العلاقة لا يقل خطورة عن جانبها الاقتصادي. فحين تقبل شركة أردنية بالمثول أمام المحاكم الإسرائيلية وتسوية نزاعاتها وفق قوانين الاحتلال، فهي عملياً تعترف بمرجعيته القانونية وتمنحه شرعية إضافية. كما أن استمرار تدفق اللحوم والمواشي إلى السوق الإسرائيلي من خلال هذه الشركة، في وقت يتعرض فيه الفلسطينيون للحصار والعدوان، يضعها في تناقض صارخ مع المزاج الشعبي الأردني والفلسطيني الرافض للتطبيع.

ومع تعقّد الظروف الإقليمية، برزت تأثيرات إضافية؛ فالحصار البحري الذي فرضته جماعة أنصار الله اليمنية في البحر الأحمر عامي 2023–2024 على السفن الإسرائيلية أدى إلى إرباك مسارات الإمداد، ما انعكس مباشرة على أنشطة استيراد المواشي التي اعتمدت عليها حجازي وغوشة. هذه التطورات جعلت الشراكة أقل جدوى وأثارت تساؤلات حول استمرارها، خاصة مع تراكم قضايا جديدة تتعلق بعدم دفع مستحقات إضافية للجانب الإسرائيلي.

الأزمة وصلت ذروتها مع صدور حكم قضائي في 26 كانون الثاني/يناير 2020 عن المحكمة المركزية في حيفا، حسم النزاع بين شركة رَفَت العَرَبة (الواجهة القانونية لحجازي وغوشة) وبين مستوطنة إيلوت. المحكمة اعتبرت أن محطة الحجر البيطري وما يتصل بها من مبانٍ خرسانية ومرافق تُعد “محلقات ثابتة بالأرض”، وبالتالي فهي ملك للمستوطنة التي أقيمت على أراضيها، وليست ملكًا للشركة الأردنية. وبموجب الحكم، فُرض على الشركة دفع تعويضات مالية بلغت نحو 300 ألف دولار لصالح المستوطنة، إضافة إلى تحميلها مسؤولية أضرار قُدّرت بـ 130 ألف شيقل نتيجة محاولات التفكيك العشوائي.

هذا الحكم عكس بوضوح ميزان القوى: فمنشأة أقيمت باستثمارات عربية ضخمة قُدّرت بنحو 6 ملايين شيقل بقيت في نهاية المطاف تحت سيطرة المستوطنة، بينما خسرت الشركة الأردنية رأس مالها ووقعت تحت سلطة القضاء الإسرائيلي. إنها خلاصة لمسارٍ اقتصادي اختارت فيه شركة عربية كبرى الشراكة مع مؤسسات الاحتلال، فوجدت نفسها في موقع التبعية الكاملة، لتصبح تجربتها مثالًا بارزًا على كيف يمكن أن يتحوّل الاستثمار إلى أداة تطبيع تخدم ترسيخ المستوطنات بدلًا من عزلها.

1 (4)
2 (4)
8 (2)
9
6 (2)
7 (3)
5 (3)
3 (3)