أحمد: "شو يا زلمة قولتك الإخوان لساتهم مطولين ليسقطوا متل جماعة الأسد بسوريا، ولا كلها شغلة يوم أو يومين ويحلوا عن هالشعب الغلبان؟!" مصعب: "ولك شو عاملك مرسي، بكفي فتحلكو معبر رفح وما خنق أهلكو زي مبارك، وبعت هشام قنديل أيام الحرب على غزة، والله إنكو شعب ما بعجبو العجب ولا صيام برجب". أحمد: "بكفي يا زلمة ما تحسسني انو مرسي كان موسعها على غزة، وما كان يهدم الأنفاق أو يخلينا نضل ملطوعين بالشمس 8 ساعات عالمعبر لندخل مصر، عشان هيك إن شاء الله بسقط مرسي". مصعب: "والله لتندموا على أيام مرسي.. عدك شوف بس يسقط مرسي رح يتسكر المعبر، وتنهدم الأنفاق فوق روسكو، وتموتوا من الجوع".
----------------------------------------------------
الحوار السابق لم يكن كلاماً تآلفت حروفه بمحض الصدفة، بل كان أكثر الحوارات حضوراً في الأيام الأخيرة بين الفلسطينيين في غزة. حوارات طرقت أبوابهم قسراً دون استئذان، وفرضت نفسها في كل بيت وشارع وحيّ ومخيم قبل أن يتمكن الجيش المصريّ من حسم الأمر، ويعلن عمّا أسماه "انحيازه لإرادة الشعب" فقام بعزل الرئيس المصري محمد مرسي.
غزة التي تعسكرت في البيوت طيلة الثمانية عشر يوماً عام 2011، قبل انصراف مبارك عن وجه المصريين، لتتابع ذاك الحدث المفصلي في حياتها وحياة المصريين على حد سواء، وتهتف معهم "الشعب يريد إسقاط النظام" و"ارحل.. ارحل"، هي ذاتها التي مكثت في الأماكن نفسها لتشهد تفاعلات ميدان رابعة العدوية أو ميدان التحرير، حسب تنوع آراء أبنائها ما بين من يرى أن صندوق الانتخابات هو الحكم، وآخر يرى في ميدان التحرير الحكم الأصدق من وجهة نظره.
وجاء، بعد ذلك، اليوم الذي حظي بتناقضات مشاعر غزة ما بين فرحٍ لا يوصف وغضبٍ كذلك لا يوصف... إنه يوم 3 يوليو 2013 الذي شهد قيام الجيش المصري بعزل الرئيس مرسي، ليظهر الفارق للطفلة لمى قبل الحاجة الستينية صبحية بين مشهد غزة وقت سقوط مبارك، وصعود مرسي سدة الحكم في مصر، ومشهدها ليلة إزاحة ذاك الصاعد للحكم قبل عام من الآن.
ففي لحظة إعلان فوز مرسي في السباق الرئاسي المصري العام الماضي، امتلأت شوارع غزة بمن يوزع الحلوى على المارة فرحاً بانتصار مرشح الإخوان المسلمين، الحركة الأم لحركة حماس. خُيّل للناس وقتها أن شبح الحصار بجميع جوانبه لن يلاحقهم وسيودّعهم دون حبٍ وتراضٍ بالطبع، لكن ما كان طيلة العام الماضي أثبت عكس ذلك وإن بقي معبر رفح مفتوحاً في أغلب الأوقات.
[caption id="attachment_21261" align="aligncenter" width="183"] توزيع الحلوى في غزة احتفالاً بفوز مرسي العام الماضي[/caption]أما في لحظة إعلان عزل الرئيس مرسي عقب مظاهرات "30 يونيو"، حافظت حكومة حماس في غزة على صمتها فيما يبدو خشية من خسارة أي طرف مصري سيحكم مصر الفترة المقبلة. لم يدم هذا الصمت طويلاً حيث أعلن إسماعيل هنية عدم خوفه من عزل مرسي لإيمانه أن فلسطين في وجدان كل مصري حرّ، فيما كان بعض الفرحين بعزل مرسي في غزة يخبئون سعادتهم داخلهم، فلم تشهد شوارع المدينة أحداً يوزع الحلوى.
شيئاً فشيئاً، انتقل الخوف والتشاؤم إلى بعض نفوس الفلسطينيين في غزة، فيما انتقل الشعور بالتفاؤل من عزل الرئيس مرسي وسيطرة الجيش إلى البعض الآخر، فالمتوجّسون من إقصاء "الإخوان" عن الحكم، عبر "الانقلاب على الشرعية"، يرون أن العسكر سيعيد إنتاج نظام مبارك بكل سلبياته في التعامل مع غزة و"حماس" من جديد، أما المتنفسون الصعداء نتيجة تفوق ما أسمّوه "الشرعية الثورية" على "الشرعية الدستورية" يرون أن مرسي لم يحدث تغييراً جذرياً في إطلاق سراح غزة من أسر الحصار.
إن لون مصير غزة عند الطرف الأول أسودُ حالكٌ، فهو مؤمنٌ أن معبر رفح المغلق لليوم الرابع على التوالي، والذي يمثل شريان الحياة الرئيسي لدى الفلسطينيين في غزة، ستطول أيام إغلاقه برفقة الأنفاق الواصلة بين قطاع غزة ومصر، ليتمكن الجيش المصري من إحكام قبضته على قطاع غزة أكثر فأكثر، حيث بدأ بهدم عدد من الأنفاق وتكثيف عناصره على الحدود الفلسطينية المصرية، نظراً لعدم الاستقرار الأمني في شبه جزيرة سيناء، وفق تبرير الجيش.
وتعاني غزة حالياً من نقصٍ في الوقود ومواد البناء وبعض السلع الغذائية، إثر استمرار إغلاق الأنفاق، كما أن كثيراً من المرضى ينتظرون بشغف لحظة إعلان فتح معبر رفح لمغادرة قطاع غزة، علّ الخارج يمدّهم بشيء من الحياة ليقاوموا موت أجسادهم، فضلاً عن ترقب طابور العالقين من الجانبين المصري والفلسطيني لفتح المعبر، ليتمكن من إنجاز شؤون حياته الطبيعية.
وفي الصورة المقابلة، لا يتخيل الطرف الفلسطيني الآخر الفرح بعزل مرسي وإقصاء الإخوان في مصر أن مصير غزة سيتشح بالسواد، لإيمانه أن قوى المعارضة المصرية تعرف كيف تكسر الحصار عن غزة وتدفنه إلى الأبد، وتعيد القضية الفلسطينية إلى بوصلتها الحقيقية ومكانها السليم.
تأثير أحداث مصر على غزة .. بين متفائل ومتشائم
ويرى المواطن مصطفى محمود أن عزل مرسي لم يكن سوى "انقلاب على الديمقراطية والشرعية" في مصر، معرباً عن تخوفه الشديد من ازدياد حملات بعض وسائل الإعلام المصرية التحريضية ضد قطاع غزة، وتضاعف حدّة الحصار على صعيد احتياجات أهله الأساسية، وطرق إمداد المقاومة بالسلاح.
ويقول محمود لـ"شبكة قدس": "ستعود العقلية الأمنية في التعامل مع الفلسطينيين على الحدود المصرية الفلسطينية، وستشن حربٌ ضدهم خاصةً ممن يقيمون في مصر"، آملاً من الشعب المصري عدم التخلي عن القضية الفلسطينية وتقديم التسهيلات اللازمة للفلسطينيين وعدم تضييق الخناق عليهم.
وتتوافق تخوفات الصحفي توفيق حميد مع تخوفات محمود، ويقول لـ"شبكة قدس" إن كثيراً من الفلسطينيين في غزة قلقون من عودة مخلفات نظام مبارك البائد إلى الواجهة السياسي، ليعود معها مسلسل التضييق السياسي والغذائي والحياتي، مبيناً أن اتهام "حماس" بحماية مقرات الإخوان المسلمين ومقارهم أوجد حالة من السخط وعدم الرضا عن أهل غزة في الشارع المصري بنسبة كبيرة.
وفي الاتجاه المعاكس لحميد ومحمود، يرى المحامي كريم أبو ضاحي أن عزل مرسي وإقصاء الإخوان مكسبٌ رئيسي لغزة، بعد أن "خيّب مرسي آمالها والتزم بسياسة مبارك في التعامل مع معبر رفح والأنفاق التي عمد إلى إغراقها بمياه الصرف الصحي أو إغلاقها بشكل تام أثناء فترة حكمه، دون أي إدانة من حماس التي تعد امتداداً لجماعة الإخوان المسلمين"، على حدّ تعبيره.
ويتوقع أبو ضاحي فتح معبر رفح بالأيام القريبة القادمة، كون المعبر التزام مصري، متمنياً جسر الهوّة بين غزة ومصر، وتوقف وسائل الإعلام المصرية عن بث سمومها تجاه غزة عموماً و"حماس" خصوصاً، قائلاً: "لو يتحدث الإعلام المصري عن إيجابيات حماس هذه الفترة، سنضمن تقبل الشعب المصري لها".
أما الفلسطيني أحمد مرتجى فموقفه متأرجح بين الفرح والحزن، قائلاً لـ "شبكة قدس": "أنا أؤيد التغيير الشعبي وضد حكم الإخوان، لكن هذا لا يعني قبولي بالتعامل السيء مع الفلسطينيين والتحريض عليهم"، نافياً موت الحصار خلال حكم مرسي، بدليل استمرار معاناة أهل غزة على معبر رفح، وبقاء غرف الترحيل بمطار القاهرة على حالها كذلك.
ورغم كل الاحتمالات الواردة عن توقف عجلة الحياة قليلاً في غزة الفترة القادمة، إلا أنها قد خلقت في التجارب السابقة نمطاً في التغلب على العوائق يستعصي على السقوط، وتبقى غزة مؤمنة أنّ من تعسّر على "إسرائيل" بقوتها وجبروتها إسقاطه، لن ينجح غيرها فيه ما دامت المقاومة تدبّ على أرضها.