ترجمة خاصة - قدس الإخبارية: قال المحلل الإسرائيلي في صحيفة "هآرتس" العبرية، تسفي بارئيل، إن الاستعدادات المكثفة لاحتلال قطاع غزة لا تُخفي الغموض الكبير بشأن حجم المسؤولية المدنية التي سيتحملها جيش الاحتلال، محذرًا من أن غياب البنى التحتية والسلطة المحلية قد يحوّل القطاع إلى مستنقع أكثر دموية وإيلامًا من الضفة الغربية.
وأشار بارئيل إلى أن الخلاف القائم بين رئيس أركان جيش الاحتلال ورئيس الحكومة بشأن احتلال مدينة غزة ثم التوسع إلى كامل القطاع يتمحور حول الكلفة والفائدة: هل الاحتلال الشامل سيؤدي فعلًا إلى تحرير الأسرى وتقويض حكم حماس؟ وما الثمن البشري الذي سيدفعه الجنود؟ إلا أن هذه الخلافات تفقد معناها أمام التحضيرات الميدانية وحشد قوات الاحتياط، ما يجعل فرض إدارة عسكرية على غزة أمرًا شبه محسوم، إلا إذا تدخلت الإدارة الأميركية في اللحظة الأخيرة.
وحذر من أن جيش الاحتلال سيتحول عمليًا إلى سلطة حاكمة مدنية في غزة، بما يحمله ذلك من أعباء اقتصادية وعسكرية وسياسية وقانونية ضخمة. فوفق تقديرات محافظين سابقين لـبنك إسرائيل، ستبلغ التكلفة المباشرة لإدارة القطاع 30 مليار شيكل سنويًا، تشمل الخدمات الأساسية كالصحة والمياه والكهرباء، إلى جانب 20 مليارًا لصيانة الجيش. هذه الأرقام لا تحسب التكاليف الطارئة أو العقوبات الاقتصادية المتوقعة التي قد تزيد الخسائر وتحد من التجارة الدولية.
وفي الميدان، لا خطة واضحة لتأهيل شبكات المياه والكهرباء أو لتوزيع الوقود والغذاء. كما لم تُحسم السياسة تجاه مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين يرفضون النزوح شمال القطاع، حيث يُتوقع بقاء نحو نصف مليون مدني في مناطق قتال نشطة، بما قد يرفع أعداد الضحايا إلى مستويات غير مسبوقة.
وأكد بارئيل أن الاحتلال سيفرض على "إسرائيل" التزامات قانونية تجاه أكثر من مليون ونصف فلسطيني، تقتضي ضمان حياة لائقة وفق القانون الدولي، لكن التجربة في الضفة الغربية على مدى 58 عامًا تثبت الفجوة بين النصوص والواقع، حيث اتسم السلوك الإسرائيلي بانتهاكات ترقى إلى جرائم حرب.
المخاطر الأمنية والسياسية تبدو أكثر تعقيدًا؛ إذ سيضطر جيش الاحتلال للعمل وسط تجمعات مكتظة قد تضم مقاتلين لا يحتاجون إلى صواريخ أو قذائف حين يكون "العدو" في قلبهم. وفي ظل انعدام الغطاء الدولي، فإن الانتهاكات الإسرائيلية هذه المرة قد تجر عواقب عملية أكبر من الضفة، خاصة مع تصاعد العقوبات الرمادية مثل المقاطعة الأكاديمية وحظر الأسلحة الجزئي الذي فرضته ألمانيا مؤخرًا.
وأضاف أن دولًا عربية مثل الإمارات ومصر والأردن حذرت من مغبة الاحتلال، بينما أبدت أبوظبي فقط استعدادًا للمشاركة في قوة متعددة الجنسيات لإدارة غزة، بشرط أن تكون تحت رعاية سلطة فلسطينية "موثوقة ومصلحة".
وختم بارئيل بالقول إن الهدف المعلن بإسقاط حماس يظل موضع شك من حيث إمكانية تحقيقه، فالتجارب التاريخية – من الاحتلال الإسرائيلي للبنان والضفة، إلى الاحتلال الأميركي للعراق وأفغانستان – تؤكد أن الاحتلال المباشر لا ينهي المقاومة، بل يغذيها. والسؤال الحاسم، بحسبه: "كم من السنوات ستتحمل إسرائيل إدارة غزة، قبل أن تدرك أن غزة هي التي ضمّت إسرائيل إليها؟"