شبكة قدس الإخبارية

"لم نهزم حماس".. وثيقة مسرّبة تُقر بفشل نتنياهو

"لم نهزم حماس".. وثيقة مسرّبة تُقر بفشل نتنياهو
محمود الرنتيسي

انتشرت في الأيام الماضية وثيقة داخلية لجيش الاحتلال الإسرائيلي، سربتها وسائل إعلام إسرائيلية، تكشف عن الإقرار "بالفشل الكامل" في عملية "عربات جدعون"، وأن العملية لم تحقق شيئا من أهدافها حتى الآن، لا فيما يتعلق باستعادة الرهائن ولا بهزيمة حماس. وقد جاءت الرسالة موقعة من رئيس جهاز التدريب في القوات البرية، العميد في قوات الاحتياط غاري هازوت.

ليس الحديث مفاجئا عن فشل "عربات جدعون"؛ فكل متابع لما يجري في غزة يعلم أن الأهداف التي أعلنها الجيش الإسرائيلي للعملية لم تتحقق، كما أن المقاطع التي نشرتها كتائب القسام لمقاتليها، وهم يضعون العبوات الناسفة في قمرات دبابات الجيش الإسرائيلي، أكدت هذا الفشل، لكن هذه الوثيقة تثبت الإقرار الرسمي بالفشل.

الطريقة التي ظهرت بها تلك الوثيقة للعلن تضفي عليها أهمية أخرى. فقد كان هناك قصد لتسريبها إلى وسائل الإعلام، وهو ما يشير إلى أن أطرافا في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وربما مرتبطة برئيس الأركان إيال زامير، لا تزال تعول على إيجاد عوامل جديدة، ربما بتحريض الشارع، أو النخب للضغط على نتنياهو لمنعه من تكرار عملية فاشلة.

وبالرغم من أن الجيش الإسرائيلي توعد بفتح تحقيق في التسريب، مشيرا إلى أن نشر المحتوى تم من دون تفويض وموافقة الجهات المختصة، وأن الجيش حقق أهدافا محددة في إطار العملية، ووصل إلى كثير من "الإنجازات"، إلا أن هذا يأتي في سياق الرواية الرسمية، بينما ينسجم التسريب مع الموقف الحقيقي لزامير نفسه، والذي صرح علنا بأن هناك صفقة مطروحة على الطاولة، ولا بد من التعامل معها.

كما أن زامير اعترض على بدء المرحلة الثانية من "عربات جدعون" ودخل في تصادم مع بنيامين نتنياهو، وقد احتدم الخلاف إلى درجة توقع بعض المحللين أن يذهب زامير إلى الاستقالة.

ولكن مثل هذه التسريبات في هذه الوثيقة وغيرها، والبطء في الحركة في الميدان، يشيران إلى أن زامير يحاول انتهاج أسلوب آخر في الاعتراض على ما يريده نتنياهو؛ لمنع استنزاف جنوده في معركة لا يرى فيها جدوى، أو على الأقل ليبعد عن نفسه المسؤولية في حال تكرر الفشل مرة أخرى.

وفي ذات السياق، هناك مؤشرات أخرى تتعلق بتدابير زامير، تؤكد الخشية من الفشل مرة أخرى؛ وهو ما كُشف عنه بأن 60 ألف جندي احتياط جديد لن يزَج بهم في غزة؛ بسبب الضغط والجدل داخل المجتمع الإسرائيلي حول جدوى العملية؛ إذ سيوجه نحو نصف الذين سيستدعون إلى المقرات، بينما سيلتحق النصف الآخر بالكتائب التي ستحل محل الوحدات النظامية المنتشرة حاليا في الضفة الغربية.

وفي المقابل يخطط رئيس الأركان لإلقاء أغلبية القوات النظامية المقاتلة في جبهة القطاع، وخصوصا في العملية داخل مدينة غزة، وذلك وفق ما ذكره عاموس هرئيل في مقاله في "هآرتس" قبل أيام.

كما أن التسريب، من زاوية أخرى، جاء قبيل اجتماعات المجلس الأمني المصغر لحكومة الاحتلال الإسرائيلي الذي رفض إدراج بند لمناقشة مقترح وقف إطلاق النار الذي وافقت عليه حركة حماس منذ أسابيع، مما يشير إلى رغبة في وضع ملف قدرة الجيش واحتمال الوصول إلى صفقة على طاولة النقاش في المجلس الأمني المصغر.

وقد حمل محتوى الوثيقة المسربة ما يؤكد رغبة الجيش في العودة إلى طاولة المفاوضات؛ إذ أشار العميد هازوت إلى أن المرحلة الثانية من عملية "عربات جدعون" كانت تهدف إلى ردع حماس؛ بغية التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار، ولم تكن تعمل على هزيمة حماس، وأن حماس أدركت هذا الهدف، وبنت عليه مواقفها وأسلوبها القتالي. وهذا الأمر يبين أن الجيش يحمّل المستوى السياسي تبعات الفشل.

ويتفق مع ما سبق، ما ذكره الجيش حول عدم تناسب أساليب القتال التي اتبعت مع أسلوب كتائب القسام في المعركة.

ويتأكد هنا أن تسريب الوثيقة يتعلق بالجدل الداخلي بين المستويين: السياسين والعسكري في دولة الاحتلال، حيث إن الجيش الإسرائيلي فشل في ردع حماس وفي هزيمتها.

فبرغم كل ما قام به الجيش الإسرائيلي لم يستطع القضاء على المقاومة التي لا تزال تكبده الكثير من الخسائر في الأرواح والمعدات إلى حد الاستنزاف.

وعلى الجانب الآخر، حمّلت الوثيقة المسربة المسؤولية للمستوى السياسي في ملف آخر؛ ففيما يتعلق بملف المساعدات الإنسانية، أشارت الوثيقة إلى الفشل في التخطيط وإدارة هذا الملف، مما ولد- من وجهة نظر الوثيقة- انطباعا بوجود مجاعة في غزة، وأدى إلى وضع دولة الاحتلال في موقف دولي صعب، وفقدانها الشرعية في العمل.

وعند هذه النقطة، من الواضح أن تكرار الوثيقة لمسألة "الانطباع بوجود مجاعة"، دليل واضح على أن جيش الاحتلال الإسرائيلي لا يهتم لتجويع النساء والأطفال ولا لمصائد الموت التي يساهم فيها، بقدر ما يهتم بالصورة والانطباع الدولي، وهذا يشير إلى مستوى الانحطاط الأخلاقي الذي وصل إليه جيش وحكومة الاحتلال الإسرائيلي.

على مستوى الزمن الذي أخذته العملية، لفتت الوثيقة إلى أن الإطار الزمني للعملية كان غير محدد، وأن الأولوية في المعركة كانت لأمن الجنود، وفي هذا السياق كان التقدم أبطأ بكثير من المتوقع، بالرغم من أنها ركزت على مناطق سبق أن اجتاحها جيش الاحتلال الإسرائيلي، مما أدى إلى استنزاف القوات والموارد، ودفع ما سمّته "المنطق الإستراتيجي للاجتياح" إلى الانهيار.

من زاوية أخرى، تبرز الوثيقة فشل عمليات "عربات جدعون" في تحقيق أهدافها، وأنها لم تحقق السيطرة الكاملة على القطاع ولا هزيمة حماس عسكريا، كما تكشف التحديات والتعقيدات الكبيرة التي تواجهها في الميدان، وبشكل غير مباشر قوة المقاومة الفلسطينية وصلابتها وقدرتها على إفشال مخططات الاحتلال على مدار عامين كاملين تقريبا.

العمليات في الخارج تغطية على الفشل

أمام التعثر المعترف به في غزة، فإن جيش الاحتلال الإسرائيلي حاول صرف الأنظار عن فشله من خلال ضربات في جبهات أخرى- حتى لو كانت موجهة إلى شخصيات مدنية- كما حصل في اغتيال رئيس الحكومة الحوثية وعدد من الوزراء في اليمن، إضافة إلى عمليات عسكرية شملت إنزالا جويا في منطقة في سوريا تبعد 20 كيلومترا عن العاصمة دمشق.

وقد جاءت الضربات في كل من سوريا، ولبنان، واليمن متزامنة مع الجدل الدائر في دولة الاحتلال حول الفشل في تحقيق أهداف عملية "عربات جدعون"؛ لتحويل الأنظار بعيدا عن الفشل، وكذلك لتخفيف الضغط النفسي، وتعزيز معنويات أفراد الجيش في ظل استمرار المقاومة الشديدة في غزة منذ عامين.

وقد حصل الجيش على إشادة من النخب في دولة الاحتلال الإسرائيلي على عملياته في سوريا، واليمن؛ وفي هذا السياق وصف يسرائيل زيف عمليات الجيش هناك بـ"الاستثنائية"، وأشار إلى الفجوة الهائلة بين قدرات الجيش ومسؤولية المستوى السياسي الذي يختبئ خلف مبادرات الجيش وينسبها إلى نفسه.

دعوة لتغيير الإستراتيجية

شملت الوثيقة دعوة ضمنية لتغيير إستراتيجية الجيش في غزة، وأن الأساليب المستخدمة لا تنسجم مع الأهداف، ولا مع أسلوب حركة حماس في القتال التي باتت طريقة عمل الجيش الإسرائيلي مكشوفة لديها.

كما أن إرادة القتال لدى عناصر المقاومة الفلسطينية لم تنكسر، بل هي في مستويات عالية، ويمكن الاستدلال بآخر عمليتين نفذتا في الأسبوعين الأخيرين من شهر أغسطس/آب في رفح وحي الزيتون، حيث شارك فيهما عدد كبير من المقاتلين، وأوقعتا خسائر كبيرة في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي، وكادتا تنجحان في أسر جنود إسرائيليين.

من الواضح أن نتنياهو يواجه معارضة من الجيش، وأن الجيش يواجه تحديات وتعقيدات كبيرة، ولكن نتنياهو لا يزال يعتمد في إصراره على المضي في هذه العملية العسكرية على دعم المتطرفين في الداخل، وعلى دعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب له من الخارج.

وهذا الأمر فتح الباب على انتقادات في دولة الاحتلال الإسرائيلي تشير إلى تخبط في عملية صنع القرار، وأن كل ما يتعلق بالقرارات الإستراتيجية لا يتم إلا بمصادقة من ترامب الذي يتهم بعدم معرفة التفاصيل، وتؤكدها رغبته في حرب لا تزيد عن أسبوعين، بينما يريدها سموتريتش حربا أبدية.