متابعة - شبكة قُدس: سجّلت جامعة هارفارد انتصارًا قضائيًا مهمًا على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بعدما حكمت محكمة في بوسطن بأن قرار البيت الأبيض إلغاء منح بحثية بقيمة تفوق 2.2 مليار دولار غير قانوني. وأكدت القاضية أليسون بروز في حكم من 84 صفحة أن التمويل لا يمكن حجبه بشكل تعسفي، في حين سارع البيت الأبيض إلى إعلان استئناف القرار واصفًا إياه بـ”المخزي”.
جذور الخلاف تعود إلى أبريل الماضي، حين رفضت هارفارد سلسلة مطالب حكومية تضمنت إغلاق برامج التنوع والدمج، وتعديل سياسات القبول والتوظيف، وإجراء مراجعات لأقسام أكاديمية، إضافة إلى وقف برامج اعتبرتها إدارة ترامب “معادية لسياسات إسرائيل”. هذا الرفض دفع البيت الأبيض لإلغاء مئات المنح، ما ألحق ضررًا مباشرًا بآلاف الباحثين والمشاريع في مجالات الطب والتكنولوجيا والعلوم الاجتماعية. هارفارد لجأت إلى القضاء مؤكدة أن ما جرى يمثل اعتداء على حرية التعبير والأكاديميا، وتجاوزًا صريحًا للضوابط الفدرالية الخاصة بالتمويل.
القاضية بروز أوضحت أن محاربة “معاداة السامية” ضرورة، لكنها شددت على أن ذلك لا يبرر التضحية بالحريات الدستورية. وأشارت إلى أن الجامعة بدأت بالفعل خطوات عملية للتعامل مع هذه القضية، لكنها أكدت أن دور المحكمة يكمن في منع السلطة التنفيذية من استخدام التمويل كأداة ضغط سياسي.
في المقابل، هاجمت المتحدثة باسم البيت الأبيض ليز هوستون الحكم القضائي، ووصفت القاضية بأنها “ناشطة عيّنها أوباما”. وأكدت أن هارفارد “لا تملك حقًا دستوريًا في أموال دافعي الضرائب”، مشيرة إلى أن الاستئناف سيقدَّم على الفور، وأن الجامعة ستُجبر في النهاية على “تحمّل مسؤولياتها”.
الصراع لا يقتصر على البعد المالي، بل يندرج ضمن سياسة أوسع تتبعها إدارة ترامب تجاه الجامعات الأميركية. ففي أغسطس الماضي طالب الرئيس هارفارد بدفع نصف مليار دولار لتسوية الخلاف، ووجّه وزيرة التعليم ليندا مكماهون بعدم التفاوض معها. ثلاث جامعات أخرى من رابطة “آيفي ليغ” اضطرت بالفعل إلى القبول بتسويات مشابهة، بينها جامعة كولومبيا التي دفعت 220 مليون دولار لاستعادة تمويلها.
منذ السابع من أكتوبر 2023، أصبحت هارفارد هدفًا مباشرًا لانتقادات البيت الأبيض، خاصة مع اتساع رقعة الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين داخل الحرم الجامعي. إدارة ترامب اتهمت الجامعة بالتقصير في حماية الطلاب الإسرائيليين. الرئيس المؤقت للجامعة ألن غاربر أقرّ بأن بعض الطلاب الإسرائيليين واجهوا “معاملة قاسية”، لكنه أوضح أن مطالب البيت الأبيض تجاوزت حدود هذه القضية لتتحول إلى محاولة وصاية على المناهج والهوية الأكاديمية.
الأزمة تفاقمت مطلع 2024 مع استقالة الرئيسة السابقة كلودين غاي عقب جلسة استماع في الكونغرس حول هتافات مؤيدة لفلسطين داخل الحرم. استقالتها فجّرت جدلاً واسعًا وأدت إلى وقف تبرعات بمليارات الدولارات. غاي وصفت لاحقًا أسلوب إدارة ترامب بأنه “نهج استبدادي يسعى لتقويض مؤسسات المعرفة المستقلة”.
ورغم أن القرار القضائي الأخير يمنح هارفارد موقع قوة، إلا أن المعركة لم تُحسم بعد. الاستئناف المتوقع من البيت الأبيض قد يطيل أمد النزاع، لكنه يضع حدودًا واضحة لتدخل السلطة التنفيذية في شؤون الجامعات، ويكرّس اختبارًا أوسع لاستقلاليتها في مواجهة أجندة سياسية ضاغطة.