شبكة قدس الإخبارية

تدمير التعليم الحكومي الفلسطيني... جيل كامل مهدد

تدمير التعليم الحكومي الفلسطيني... جيل كامل مهدد

خاص - قدس الإخبارية: يواجه التعليم في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة خطراً يتزايد قد ينعكس، في الفترة المقبلة، على أكثر من مستوى اجتماعي واقتصادي وسياسي، خاصة أن تجربة الشعب الفلسطيني تقول إن التعليم كان هو الرافعة التي انتشلته، بعد نكبة 1948، وكانت من دعائم صموده وتجدد ثورته في وجه الاحتلال.

ساهمت سياسات الاحتلال الإبادية، في قطاع غزة، في تدمير التعليم المدرسي والجامعي، وفي الضفة المحتلة ضاعفت سياسات الاحتلال من التحديات التي خلقها الانهيار الاقتصادي الذي يتصاعد يومياً، وأبرز تجلياته "أزمة الرواتب" التي تطال طبقة المعلمين الذين يناضلون منذ سنوات لتحسين حقوقهم المالية، داخل السلطة، مع إعلان وزارة التربية والتعليم عن "عدم قدرتها" هذا العام على طباعة الكتب وتجهيز المدارس بالوسائل اللازمة لانطلاق الفصل الدراسي الأول، وهو ما "دفعها نحو قرار تأجيل انطلاق العام الدراسي" حتى الأسبوع المقبل.

إبادة العقل الفلسطيني

نفذ جيش الاحتلال، في حرب الإبادة على قطاع غزة، سياسات إبادية هدفها الأساسي هو تدمير المجتمع الفلسطيني على المستوى الفكري والتعليمي لخلق نكبة أخرى داخل النكبة الأساسية التي يسعى لإنزالها بالشعب الفلسطيني، لمنعه من النضال لتحقيق مطالبه السياسية والحقوقية الأساسية التي حرم منها منذ الاحتلال البريطاني، حتى النكبة، ثم احتلال بقية أرضه في 1967.

نفذ الاحتلال عمليات اغتيال لعديد من الكوادر التعليمية والثقافية والطبية وغيرها، ووثقت الإحصائيات الرسمية للخسائر في قطاع التعليم استشهاد نحو 100 عالم وباحث وأستاذ جامعي، في قطاع غزة، و500 معلم ومدير مدرسة، منذ بداية حرب الإبادة الجماعية.

ترافقت حملة اغتيال العقول الأكاديمية، في مجتمع القطاع، مع قتل جيش الاحتلال لنحو 9000 طالب مدرسة وجامعة، وتدمير ما يقارب 117 مدرسة وجامعة تدميراً كلياً، و332 مدرسة وجامعة بشكل جزئي، وتحول طلاب المدارس والجامعات من مقاعد الدراسة إلى طوابير البحث عن الطعام والماء والمواد الأساسية، وارتكب الاحتلال سلسلة مجازر طوال شهور الحرب، في المدارس، التي بقيت وتحولت إلى مراكز إيواء لمئات آلاف الفلسطينيين الذين دمرت حرب الإبادة منازلهم ومناطقهم.

الضفة… التعليم الحكومي نحو المجهول

وفي الضفة الغربية المحتلة، أعلنت وزارة التربية والتعليم عن تأجيل انطلاق العام الدراسي الذي كان مقرراً، بداية شهر أيلول/ سبتمبر، إلى الأسبوع المقبل، بسبب ما قالت إنه "الأزمة المالية" التي تمر بها السلطة، وهو ما يزيد من المخاوف على انهيار كامل للتعليم الحكومي الرسمي وينعكس مستقبلاً على مختلف الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمجتمع الفلسطيني.

قبل أيام من الموعد المفترض لانطلاق العام الدراسي، اقتحمت قوة من جيش الاحتلال مدارس، في المنطقة الجنوبية في مدينة الخليل، واحتجزت معلمين واعتدت عليهم، وصادرت كتباً مدرسية، وهددت الطواقم التدريسية بعدم رفع أعلام فلسطين، وهو ما وضعه محللون وفئات من المجتمع الفلسطيني في سياق مخطط أوسع، للسيطرة على مرافق الحياة الفلسطينية، ومن ضمنها التعليم، بهدف محو أي رمز وطني فلسطيني يشير إلى شعب خاضع للاحتلال ويسعى للتحرر منه.

ومن هذا الحدث الذي يمكن تفسيره من الصورة الواسعة لمخططات الاحتلال التي تقترب من التحقق، كما يعلن قادته نفسهم، لفرض "السيادة الإسرائيلية"، حسب وصفهم، على الضفة الغربية المحتلة، كان الهجوم خلال شهور الحرب على مدارس وكالة "الأونروا"، في منطقة القدس المحتلة، التي كانت تقدم الخدمات التعليمية لعشرات آلاف الطلاب من اللاجئين الفلسطينيين، في هذه المناطق.

وضاعفت حرب الإبادة من هجوم الاحتلال على المدارس، في الضفة والقدس المحتلتين، واعتقل وقتل جيش الاحتلال خلال هذه الفترة عشرات الطلاب، واقتحم عدداً كبيراً من المدارس، ووضع الحواجز قربها، وعرقلت البوابات الحديدية المنتشرة على مداخل مئات القرى والبلدات والمدن سير العملية التعليمية على نحو طبيعي.

هذا وفي مسار آخر، فإن الملاحظات التي يقدمها خبراء في التعليم والتربية تشير إلى تراجع في الأداء الأكاديمي لفئات من الطلاب، خاصة مع دخول التعليم في مرحلة "التعليم عن بعد"، بعد تفشي فيروس "كورونا"، وانحدار الاهتمام مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي أثرت في بعض الجوانب سلباً على تركيز هذه الفئة من الأطفال، بالإضافة إلى "انعدام استراتيجيات للتعليم من قبل السلطة" في ظل "تردي الأوضاع الاقتصادية للمعلمين" الذين تجبر فئة منهم على أعمال إضافية بعد الدوام للقيام باحتياجات عائلاتهم، خاصة مع غلاء كثير من القطاعات والسلع الأساسية.

أي خطر يعيشه التعليم؟ ما العمل فلسطينياً؟

يشكل تدمير التعليم في قطاع غزة خطراً على الشعب الفلسطيني هناك ينضم إلى مخاطر أخرى تختلف في شدتها تندرج كلها ضمن مخططات الإبادة والاقتلاع والتهجير الإسرائيلية.

تمثل الأوضاع الحالية تهديداً للتعليم خاصة للطبقات الفقيرة والمتوسطة التي لا تستطيع توفير قدرة مالية لتعليم أولادها في المدارس الخاصة وهو ما قد ينعكس بشكل خطير على الأوضاع الاجتماعية للمجتمع الفلسطيني الذي يعيش خطراً وجودياً بسبب حرب الإبادة واقتصادياً في ظل محدودية الموارد خاصة أن التعليم شكل رافعة لمئات آلاف الفلسطينيين كما في مرحلة ما بعد النكبة حين اتجه اللاجئون وبقية المجتمع نحو التعليم وكانت المدارس والجامعة حاضنة لانطلاق الحراك السياسي والنضالي في تلك الفترة.

استمرار الآثار السلبية على التعليم الحكومي وعرقلة انطلاق العام الدراسي قد يخلق فجوة طبقية داخل المجتمع بين من هو قادر على تسجيل أطفاله في مدارس خاصة وبين من لا يملك حتى توفير قوت يومه وحتى الطبقة الوسطى التي تملك نوعاً من القدرة على توفير أقساط المدارس الخاصة فإنها قد تحرم منها في الشهور المقبلة إذا استمرت الأوضاع الاقتصادية في الانهيار.

تفرض هذه التحديات على التعليم سلسلة خطوات مجتمعية وحكومية، بينها الدفع بحملة للتوعية بمخاطر تدمير التعليم، والتركيز على أن الأولوية في ما يتوفر من ميزانيات يجب أن يكون لصالح قطاعي التعليم والصحة، ودفع المؤسسات الاقتصادية الكبرى ورجال الأعمال نحو دعم التعليم، وتعزيز التضامن الاجتماعي مع العائلات المحتاجة وتوفير المنح الدراسية لأبنائها، والتركيز على دور التعليم والحركة الطلابية في النضال الفلسطيني تاريخياً والمطلوب منها في المرحلة الحالية.