ترجمات خاصة - قدس الإخبارية: كتب الباحث الإسرائيلي البارز في العلاقات العسكرية – المدنية يغائيل ليفي مقالة تناول فيها أوجه الشبه بين “المستنقع الغزّي” وبين المستنقع الفيتنامي، مستندًا إلى تحليل الفيلسوف الأميركي نعوم تشومسكي الذي اعتبر أن الجيش الأميركي لعب دورًا حاسمًا في إنهاء الحرب على فيتنام من الداخل، بعد أن بدأ يتفكك نتيجة الطبيعة الوحشية والعنف المفرط لتلك الحرب.
برأي تشومسكي، الجيوش القائمة على التجنيد الإجباري لا تستطيع الاستمرار طويلاً في حروب عديمة الجدوى، وحين يبدأ الجنود أنفسهم برفض تنفيذ المهام تتحول هذه الظاهرة إلى تهديد وجودي للجيش ذاته، وهو ما عجّل بانسحاب الولايات المتحدة من فيتنام.
ليفي يرى أن التجربة الإسرائيلية تحمل سوابق مشابهة، وتحديدًا في لبنان، حيث انسحب جيش الاحتلال مرتين: الأولى عام 1985 والثانية عام 2000. في الحالتين لم يكن الانسحاب نتيجة نقاش سياسي أو مراجعة أخلاقية بقدر ما كان بسبب الخسائر البشرية والتهديد المباشر لقدرة الجيش على الاستمرار في القتال.
وقال إن الاحتجاجات نجحت حين ركزت على ثمن الحرب من حياة الجنود، وليس على منطقها السياسي أو عدالتها. وهكذا، وحين لمس الجيش أن التآكل يهدد تماسكه، لم يعارض الانسحاب بل قبله أو ساعد في دفعه. فالجيش ليس مؤسسة تسعى للحرب أو للسلام في حد ذاته، بل مؤسسة تنظيمية شديدة الحساسية لبقائها وقدرتها على العمل.
وأوضح أنه بخصوص غزة، لا يثير استمرار الحرب احتجاجات واسعة بسبب غياب المنطق السياسي أو الأخلاقي لدى الإسرائيليين، ولا بسبب العدد المحدود نسبيًا من قتلى الجيش، بل بسبب الخطر الذي يهدد حياة الأسرى. هذا العامل وحده تقريبًا هو الذي دفع عشرات الآلاف إلى الشوارع في “يوم الإضراب”.
لكن - من وجهة نظره - تأثير هذه الاحتجاجات على الحكومة محدود، فيما يكمن العامل الأكثر حسماً في التآكل الداخلي للجيش. فالانخفاض الحاد في معدلات الاستجابة لخدمة الاحتياط، وازدياد أعداد الطيارين الذين يرفضون تنفيذ ضربات، ورفض جنود احتياط ونظاميين أداء مهام خطيرة بلا جدوى، كلها مؤشرات على أن الجيش يواجه أزمة داخلية قابلة للتصاعد. ليفي يستشهد بما جرى عام 1999 حين رفض أحد المظليين اقتحام موقع لحزب الله قائلاً: “كنت أعلم أن الاقتحام الآن يعني الموت في حرب غبية”، وهي اللحظة التي عكست تراجع الدافعية القتالية قبل انسحاب 2000.
الكاتب يحذر من أن جيش الاحتلال اليوم أكثر إنهاكًا من أي وقت مضى، ويقاتل في غزة من أجل أهداف يصفها بأنها عديمة المنطق، تحت إمرة حكومة فاقدة للشرعية، وفي سبيل مهام يرفرف فوقها “علم أسود” من اللاجدوى.
ووفقا له، فقط التهديد بانهيار الجيش من الداخل يمكن أن يدفع القادة العسكريين إلى مواجهة الحكومة والمطالبة بوقف الحرب. ورغم الصورة التي تحاول الدعاية اليمينية رسمها، فإن الجيش لم يُبتلع بالكامل داخل أجندة اليمين المشيحاني، إذ لا تزال فيه قطاعات قوية من أبناء جيل المؤسسين الذين يرون في فقدان الجنود مأساة قومية لا وسام شرف. هؤلاء لا يزالون حساسين لرأي “الجمهور” لأن الجيش ما زال يُقدَّم كـ“جيش الشعب”.
لذلك يختم ليفي بالقول إن حركة مناهضة الحرب، إذا أرادت النجاح بعد فشلها في استقطاب دعم الإدارة الأميركية، عليها أن تركز جهدها نحو الجيش نفسه. فالمفتاح لإنهاء الحرب في غزة لا يكمن في الشارع ولا في واشنطن، بل في تكثيف الضغط الذي يكشف التآكل الداخلي للجيش ويدفع قادته إلى الاعتراف بالخطر الوجودي على المؤسسة العسكرية، عندها فقط قد تتغير المعادلة.